خرجوا من عباءة الحصار الحياتى المُنهِك إلى الجامعات، متحدين كل الظروف والصعاب من أجل إيصال الرسالة، وترسيخ القناعة بأن المعاق يملك إرادة وعقلاً يمكنه من استغلال كافة طاقاته، وتحت وطأة أي ظرف، ولا يبالون بأى معوقات، وما أكثرها. الكليات العلمية محرمة على الطلاب المعاقين تعد الأقسام العلمية بالجامعات وبعض الأقسام داخل الكليات النظرية، محرمة على الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، فقد يرغب الطالب في دراسة لغة من اللغات أو علم من العلوم الاجتماعية، لكنه لن يتمكن من الالتحاق به وفقًا للوائح التى تشترط "سلامة الحواس"، ككليات الآداب، والحقوق، والآثار، لدرجة أن مكاتب التنسيق تضع خيارات محدودة أمام الطالب بصرف النظر عن رغباته. التقت «البديل» بعدد من الطلاب الذين حرموا من دخول الكليات بسبب إعاقتهم، وكان على رأسهم الطالب محمد كريم أبو طالب، الذي حرم من دخول كلية الحقوق؛ لأنه كفيف، كما حرم من دخول قسم البلاغة الإنجليزية الذي يفضله بكلية الآداب لنفس السبب. يقول "محمد": «تقدمت لمكتب التنسيق وكان مجموعي كبير ويؤهلني للالتحاق بكلية الحقوق، لكن عميد الكلية قال على جثتي دخول كفيف الكلية» متابعا: «بالطبع اخترت كلية الآداب، وتقدمت بأوراق التحاقي بها، وأدرجونى في سجلات الكلية، ولم يسمح لي إلا أن اختار بين ثلاثة أقسام هي اللغة العربية والدراسات الإسلامية والتاريخ، على غير رغبتى». وأضاف: «دخلت مضطرًا إلى قسم الدراسات الإسلامية، وبعد ذلك قررت الالتحاق بالدراسات العليا في كلية التربية، بدأت بالدبلومة العامة في التربية، وتجاوزتها وبعدها أردت أن أدخل إلى الدبلومة المعنية في التربية، لكن للأسف تم تعطيلي عام كامل بسبب بند في لائحة الكلية يسمى بند سلامة الحواس، وتخطينا تلك العقبة باقتراح أنني سوف امتحن على الكمبيوتر دون أن استعين بمرافق لتأدية الامتحانات، ودخلت الدبلومة المهنية وحصلت عليها بتقدير جيد جدًا، ثم إلى الدبلومة الخاصة تمهيدي الماجستير، وتم رفض التحاقي بها وبشكل قاطع بنفس الحجة وهي سلامة الحواس». وطالب "محمد" بضرورة أن تنظر الدولة في اللوائح الخاصة بالجامعات المصرية، وتقوم بتعديلها حتى تسمح لكفيف بدخل الكلية التى يرغب فيها؛ حتى لا يكون مجبرا على دخول كلية ودراسة مواد لا يرغب في دراستها مما يؤثر على مستقبله فيما بعد. أما الحالة الثانية، للطالب حسن أحمد، بكلية التجارة جامعة القاهرة والمعاق فى قدميه، قائلا: «تعبت كثيرًا حتى حصلت على مكاني داخل كلية تجارة جامعة القاهرة»، موضحًا أنه حصل في الثانوية العامة على 95% من علمي، لكنه لم يلتحق بأي من كليات القمة؛ بسبب رفض اللوائح لقبول الطلاب ذوي الإعاقة. واستطرد "أحمد": «جسلت لأكثر من عام دون أن التحق بأي كلية أو أي جامعة بعد الانتهاء من الثانوية العامة؛ بسبب رفض عمداء الكليات، فيما عدا عميد كلية التجارة الذي وافق على الالتحاق بالكلية، لكن بشرط أن أتميز عن بقية الطلاب، وكان هذا شىء ذو جانب إيجابي وآخر سلبي بالنسبة لي، فكان أحيانا يجعلني استمر في المذاكرة بشكل فعال، وأيضا كان يشعرني بالنقص لأنني أريد أن أعيش كبقية الطلاب». ومن داخل كلية الآداب، التقينا هند بدر، إحدى المعاقات، حيث تقول: «هناك صعوبة في الالتحاق ببعض الأقسام ومنها اللغات الشرقية؛ لصعوبة تعليمها إلا للقادرين ذهنيًا وجسديًا، لكن هذا غير متاح لنا»، مطالبة بضرورة إعادة النظر في هذه اللوائح، خاصة أن هناك طلاب موهوبين جدًا رغم إعاقتهم. على الجانب الآخر، يقول الدكتور الحسيني عبد المنعم، وكيل كلية الآداب لشئون التعليم والطلاب بجامعة القاهرة، إن هناك بالفعل بعض الأقسام غير متاحة لطلاب الكلية من ذوي الاحتياجات الخاصة، مضيفا أن الضابط هنا مصلحة الطالب نفسه ومدى قدرته على التفاعل مع المادة العلمية واستيعابة لها. وتابع أن هناك ثلاثة أقسام رئيسية لا يلتحق بها الطلاب المعاقين هي «علم نفس»؛ لأنه يتطلب قدرات خاصة جدًا وسمات شخصية لفهم الجوانب النفسية، حيث يجرى الطالب فى هذا القسم زيارات ميدانية للمستشفيات النفسية أو العقلية، ويحتك الطالب بمرضى نفسيين، وقد يواجه مشكلات عديدة في التعامل معهم. وأوضح وكيل كلية الآداب لشئون التعليم والطلاب، أن نفس الكلام ينطبق على قسم الجغرافيا، الذي يتطلب قدرات خاصة على الفهم والاستيعاب والتعامل مع الخرائط والمخططات، ومن ثم فالطالب "الكفيف" مثلا لا يمكنه أن يرسم خريطة أو أن يفهم محتواها ويعرف المواقع الجغرافية عليها، أيضا قسم علم الاجتماع الذي يتطلب مهارات وسلوكيات وسمات شخصية خاصة قد لا تتوافر في ذوي الاحتياجات الخاصة. من جانبه، قال الدكتور هاني محمد، نائب رئيس جامعة القاهرة لشئون الطلاب، إن الجامعة توفر كل الإمكانيات اللازمة للتيسير على الدارسين من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث تسعى الكلية لتوفير المقررات الدراسية بطريقة "برايل" للمكفوفين ضمن مشروع لإعداد عشرات المراجع من أمهات الكتب بهذه الطريقة، مؤكدا أن الطلاب المكفوفون يتم امتحانهم شفهيًا في مواد كثيرة مثل النحو في اللغة العربية، كما تتحمل إدارة رعاية الطلاب والتكافل الاجتماعي، نفقات الدراسة، وتقديم المنح، بل وتم تشكيل لجنة لذوى الاحتياجات الخاصة بالكليات لمراعاة ظروفهم.