تسريح 5776 عاملًا.. ووعود بإعادة التشغيل مغاوري: يجب صرف التعويضات ومحاسبة المتسببين في تخريب القطاع العام يظل حلم صناعة سيارة مصرية يراود الحكومات المتعاقبة بعد الثورة، وكان آخرهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، عندما طالب رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، بإعداد دراسة تفصيلية عن شركة النصر للسيارات؛ لإعادة تشغيلها ورفع مذكرة بأبرز المعوقات التي تواجهها وإعادة تطويرها بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية في صناعة السيارات. وعقب الثورة مباشرة شكل الدكتور عصام شرف، رئيس الوزراء الأسبق، لجنة جديدة لإعادة تشغيل شركة النصر للسيارات؛ لاستغلال إمكانياتها الضخمة في تصنيع سيارة مصرية، وقالت اللجنة: المعدات والماكينات وخطوط الإنتاج بحالة جيدة، ويمكن إعادة تشغيلها بعد التطوير. فبعدما صنعت شركة النصر للسيارات أول سيارة مصرية "رمسيس" المعروفة بصلابتها ورخص ثمن قطع غيارها، ومنها ما تم تصنيعه عام 1959، أي مر عليها 55 عامًا، وبدلًا من تطوير الشركة تتم تصفيتها شكل رسمي منذ 2009، وتموت بالبطيء هي والعاملين بها منذ أوائل التسعينات، من خلال "المعاش المبكر" الذي يسميه العمال "الموت المبكر"، واستخدمه النظام السابق كمسمار في نعش القطاع العام ليكون بمثابة إعلان صريح لموت القطاع العام وتدميره، ومحاولة تصفية عُمالة، ما بدأته اللجنة الوزارية للخصخصة عام 1997 وأسمته بنظام تعويضات العاملين عن ترك الخدمة الاختياري قبل بلوغ سن الستين، وتطبيقه على شركات قطاع الأعمال العام المتعثرة فقط، ووضعت وقتها ضوابط لهذا النظام وحصلت "البديل" على نسخة من هذا القرار، وبدأت الشركات ومنها شركة النصر لصناعة السيارات تطبيق هذا النظام منذ شهر مارس 1997. ويتجدد فتح ملف شركة النصر للسيارات بدعاوى قضائية جديدة، وحددت لها جلسة بمجلس الدولة دائرة 7 استثمار 20 ديسمبر المقبل، ووفقًا لعريضة الدعوى التي حصلت عليها "البديل" والتي تقدم بها عدد من العاملين بالشركة والمحامي الناصري عبد الغفار مغاوري، طالبوا من خلالها بصفة مستعجلة بوقف تصفية شركة النصر لصناعة السيارات مع التحفظ على معداتها وآلاتها ومصانعها وأراضيها كافة، ومنع التصرف فيها مع وقف خروج العاملين للمعاش المبكر، باعتبارهم ضمن آلاف الذي خلفته اللجنة الوزارية للخصخصة بفتح باب نظام المعاش المبكر وتعويض متفاوت من دفعة إلى أخرى وتصفية قلعة من قلاع الوطنية، منها ما يصل إلى حد المساءلة المدنية والجنائية، بالإضافة إلى انعدامها وبطلان ما ترتب على هذه القرارات كافة. وطالبت عريضة الدعوى بإلغاء قرار مجلس الوزارة واللجنة الوزارية بتصفية شركة النصر للسيارات وإعادة تشغيلها على كافة أراضيها ومصانعها ومعارضها، وإلغاء قرار مجلس الوزراء واللجنة الوزارية للخصخصة، بفتح باب المعاش المبكر وإعادة جميع العاملين السابقين تحت السن للعمل مع تسوية أوضاع من بلغوا السن القانوني، فترة نفاذ القرار المطعون عليه وأحقية جميع العاملين السابقين في فروق تعويض المعاش المبكر، طبقًا لآخر نظام تم تطبيقه وما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام الجهة الإدارية بالمصروفات. حصلت "البديل" على بيان بدفعات المعاش المبكر الاختياري منذ تطبيقه، فقد خرج في عام 1996، 721 عاملًا، وفي 1997، 213، وزاد العدد عام 1998 ليخرج 596 عاملًا وفي عام 2000 خرج 503 عمال، وفي 2003 خرج 585 عاملًا وفي عام 2004 خرج 5 عمال فقط، ومن عام 2005: 2010 خرج 3153 عاملًا وبإجمالي عدد العاملين الذين خرجوا المعاش منذ بدء هذا النظام بشركة النصر للسيارات فقط 5776 عاملًا. يعود تاريخ إنشاء شركة النصر لصناعة السيارات إلى صدور قرار وزاري عام 1957 بتشكيل لجنة تضم وزارة الحربية ووزارة الصناعة؛ لإنشاء صناعة سيارات اللوري والأتوبيسات في مصر، وتم دعوة شركات عالمية لإتمام ذلك، وبالفعل أسند هذا المشروع إلى شركة "كلوكز هومولدت دوتيز الألمانية" وتم التوقيع على ذلك عام 1959 ثم صدر القرار الجمهوري رقم 913 في 23 مايو 1960 بتأميم شركة النصر لصناعة السيارات، وتعد أول شركة لصناعة السيارات في مصر والوطن العربي. وتم افتتاح خطوط التجميع في وادي حوف عام 1960 وتوالت عقود مشروعات تصنيع سيارات الركوب مع شركة فيات والجرارات الزراعية مع شركةIMR اليوغسلافية والمقطورات مع شركة بلوهاردات الألمانية، وبلغت توسعات الشركة 1660000 متر مربع. وتعتبر شركة النصر للسيارات من الشركات القليلة في الوطن العربي في إنتاج اللوري والأتوبيسات والجرارات الزراعية وسيارات الركوب، وتطور إنتاج الشركة تطورًا كبيرًا بفضل العمالة الماهرة والمدربة عن طريق أكبر مراكز التدريب الألمانية، وتم إنتاج طرازات مختلفة من إنتاج شركة فيات دبولمورت وزا ستافا ودوجان وشاهين. والأهم أن الشركة شجعت المستثمرين على إقامة مشروعات جديدة لتصنيع الأصناف المطلوبة للتصنيع، بالتعاقد معهم والشراء منهم، وبلغ عدد ماكينات الشركة أكثر من 1200 ماكينة، وهذا على عكس أن مصانع السيارات الأخرى والتي أقامها المستثمرون خطوط تجميع فقط. وكان هدف إنشاء الشركة بمثابة مشروع قومي بنهضة صناعية كبرى تقوم على التبادل التجاري والصناعي والاستغلال الأمثل للموارد البشرية والأيدي العاملة، استغلالًا لكل الطاقات وتدريبها لخدمة الوطن، وبدأت الشركة ب290 عاملًا وحتى وصلت لأكثر من 12 ألف عامل من أمهر العمالة الفنية المدربة، بالإضافة إلى العمالة في مصانع الصناعات المغذية للشركة. وكانت الشركة رابحة حتى فتح الباب على مصراعيه للاستيراد، دون ضوابط وسياسة التسعير لا تراعي متطلبات السوق، مع فتح الباب المعاش المبكر لأفضل عمالة مدربة بالشركة والشركات الأخرى، دون مبرر قانوني أو دستوري. وأوصت اللجان التي شكلت بعد الثورة عن طريق الحكومات المتعاقبة على إمكانية البدء في إنتاج أجزاء اللوري والأوتوبيسات كقطع غيار للسوق المحلية؛ مثل الطنابير والفلنشات والأكسات وأعمدة الكردان وصناديق التروس وأجزاء المحاور، مع دمج شركة النصر والشركة الهندسية للأوتوبيسات؛ لأن الأولى تنتج أجزاءً كاملة من اللوري والأوتوبيسات، خاصة وأن هناك مخزونًا هائلًا من قطع الغيار بالشركة غير مستخدم، يطالب العاملون بضرورة تشكيل جهاز مبيعات متخصص لبيع هذه الرواكد. وأوضحت المستندات أن البيان بكميات الإنتاج التراكمي منذ عام 1959 وحتى العام المالي 2008\2009 بإجمالي 384 ألفًا 884 سيارة ركوب، ووصل عدد الأتوبيس والميني باص حتى عام 2000 نحو 16 ألفًا 114 أتوبيسًا، و33 ألفًا 285 لوري، و39 ألفًا و470 جرارًا زراعيًّا، بإجمالي 88869 سيارة ولودر وجرارًا. ويؤكد عبد الغفار مغاوري ل"البديل" أنه في الفترة السابقة تم العمل على تضييق الخناق على العمال؛ لإجبارهم على الخروج بنظام المعاش المبكر، وكان الهدف الممنهج في النظام الذي قررته اللجنة الوزارية للخصخصة مع شركات قطاع الأعمال العام والعاملين فيها، ومنها بيع الشركة بما فيها العمال، وتركهم فريسة للمستثمرين أو اتخاذ إجراءات تدميرية وقرارات اقتصادية دون حماية للصناعات الوطنية أدت إلى تصفية النشاط، ومنها تشريد العمالة المدربة، وهذا ما حدث في شركة النصر لصناعة السيارات. ووفقًا للمستندات التي حصلنا عليها، بدأ نظام المعاش المبكر بفتح الباب للعاملين الذين بلغوا سن الخمسين، ومع تطور هذا النظام وقررت اللجنة الوزارية للخصخصة بتخفيض السن إلى أقل من أربعين عامًا، واتخذت الشركة نظامًا لا يمت لقواعد العدالة بصلة، والإسراع في تصفية النصر لصناعة السيارات وبيع معداتها ومصانعها خردة وبيع أراضيها لخدمة الاستثمار السياحي والعقاري بالمخالفة للقانون، ورفعت اللجنة الوزارية للخصخصة قيمة تعويض المعاش المبكر من 35 إلى 45 ألف جنيه إلى 105 إلى 150 ألف جنيه. واستغاثت القوى السياسية كافة والعاملين بالشركة من الظلم، بل وصل الأمر من المعاش المبكر إلى إعلان تصفية شركة النصر لصناعة السيارات، ونشر هذا في الوقائع المصرية أول ديسمبر 2009، بالمخالفة لكل القواعد الدستورية والقانونية. وتقول عريضة الدعوى: "لأن القواعد الدستورية أكدت أنه يقع باطلًا كل شرط أو إيقاف يخالف أحكام قانون العمل ولو كان سابقًا على العمل به، إذا كان يتضمن انتقاصًا من حقوق العامل المقررة فيه، ويستمر العمل بأي مزايا أو شروط أفضل تكون مقررة أو تقررت في عقود العمل الفردية أو الجماعية أو الأنظمة الفردية". وتابع مغاوري: وفقاً للمادة 35 من قانون العمل يحظر التمييز في الأجور، والأجر المقرر للجميع ينبغي أن يكون متماثلًا، مما مؤداه أن قاعدة التماثل في الأجر للأعمال ذاتها تقرها وتقتضيها موضوعية الشروط التي تحدد الأجر، وفقاً للمادة 381 من القانون المدني، فإن رفع تعويض المعاش المبكر بناء على قرار اللجنة الوزارية للخصخصة لبعض العاملين دون غيرهم يعد فسادًا، خاصة وأنه أدى إلى تغير فعلي في أوضاع ضحايا المعاش المبكر، بلا سند موضوعي أو دستوري أو قانوني وحسب القواعد الدستورية لا تسقط حقوقهم بالتقادم وفقًا للمادة 374 مدني. ونظم العمال بعد ثورة يناير عددًا من الاحتجاجات، مطالبين بإعادة تشغيل الشركة ووقف تصفيتها وتوقف خروجهم على المعاش المبكر، وتقدموا للوزارة الانتقالية وقتها بمطالبهم، وأقرت هيئة المستشارين بمجلس الوزراء في خطاب حصلنا على نسخة منه بتاريخ يونيو 2011، بأحقية العاملين بالشركة في صرف فروق التعويض وإعادة العاملين تحت السن وتشغيل الشركة؛ للاستفادة من خبراتهم، ولم يتم تنفيذ هذه الوصية، مطالبين في أبريل 2012 رئيس الوزراء بإصدار قرار على وجه السرعة بوقف تصفية الشركة وإعادة تشغيلها، وإلغاء نظام المعاش المبكر الذي قررته اللجنة الوزارية للخصخصة، وإعادة العاملين تحت السن العمل مرة أخرى، وصرف فروق تعويض المعاش المبكر لجميع العاملين السابقين الذين خرجوا للمعاش المبكر، وفقًا لآخر نظام بدأ تطبيقه في عام 2009. وحصلت "البديل" على المستندات الدالة على قرار عملية التصفية، التي تحمل توقيع ذكي بسيوني، للشركة عام 2009، والتي وافقت على حل الشركة واتخاذ إجراءات تصفيتها، بعد أن تجاوز مجمع خسائرها أربعة أضعاف رأسمالها اعتبار من 18/11 2009 وفقًا لأحكام القانون 159 لسنة 1981 ولائحته التنفيذية، واستمرار تنفيذ برنامج المعاش المبكر الاختياري للعاملين المتبقين بالشركة. ونصت المستندات على إيقاف النشاط للشركة، اعتبارًا من 7/5/2009، وتصريف المخزون بأنواعه؛ لتوفير السيولة المالية، وتحصيل مستحقات الشركة لدى الغير لتوفير السيولة المالية، وإعداد دراسة لكيفية سداد مستحقات الغير لدى الشركة، وتنفيذ طلبات العاملين كافة الراغبين في الاستفادة من نظام المعاش المبكر، وعدم استمرار رئيس مجلس إدارة الشركة الحالي وتعيين المهندس أحمد عبد الغفار إسماعيل مفوض بالإدارة اعتبارًا من 7/5/2009 مع تقاضيه الراتب الشهري المقطوع المحدد لرئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب. وأكد المحامي ضرورة معاقبة من تسبب في الأضرار بالاقتصاد القومي وتخريب القطاع العام بالأشغال الشاقة والسجن المشدد بحكم المادة 89 مكرر من قانون العقوبات المصري والتي تنص على: "كل من خرب عمدًا بأي طريقة إحدى وسائل الإنتاج أو أموال ثابتة أو منقولة لإحدى الجهات المملوكة المنصوص عليها في المادة 119 من ذات القانون القطاع العام والهيئات العامة والمؤسسات العامة بقصد الإضرار بالاقتصاد القومي، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة، وتكون العقوبة الأشغال الشاقة، السجن المشدد، المؤقتة إذا ترتب علي الجريمة إلحاق ضرر جسيم بمركز البلاد الاقتصادي أو بمصلحة قومية لها، وفي جميع الأحوال يُحكم على الجاني بدفع قيمة الأشياء التي خربها.