اندلع من جديد الغضب الكامن في أمريكا بعد صدور قرار هيئة المحلفين العليا الأمريكية بعدم توجيه اتهام إلى ضابط شرطة أبيض قتل بالرصاص الفتى الأسود "مايكل براون" في أغسطس الماضي، ليفجر مجدداً السؤال حول أسطورة انتهاء التمييز العنصري بين البيض والسود في أمريكا. نزل آلاف الأمريكيون إلى الشوارع في جميع أنحاء الولاياتالمتحدة من سياتل إلى نيويورك مروراً بشيكاغو ولوس انجلوس مساء الاثنين، وتوجه مئات المتظاهرين إلى ساحة "تايمز سكوير" في نيويورك حاملين لافتات سوداء كتب عليها "العنصرية تقتل" و"لن نبقى صامتين" وتندد ب"عنصرية الشرطة"، وردد المحتجون الذين تزايدت أعدادهم مع الوقت "لا عدالة لا سلام"، فيما شبه البعض الشرطة بمنظمة "كو كلاكس كلان" ووجهوا إليها شتائم، وتجمع المتظاهرون أيضا في ساحة "يونيون سكوير" إلى جنوب مانهاتن، فيما قررت مجموعة ثالثة من المحتجين التوجه إلى "هارلم" سيراً على الأقدام فتقدمت خلف لافتة تطالب ب"العدالة من اجل مايكل براون"، وفي واشنطن تجمع بضع مئات المحتجين أمام البيت الأبيض هاتفين "ارفعوا أيديكم لا تطلقوا النار"، ورفعوا لافتات كتب عليها "أوقفوا ترهيب الشرطة العنصري"، و"حياة السود لها أهمية"، كذلك جرت تظاهرات في بوسطن ولوس انجليس وفيلادلفيا ودنفر وسياتل وكاليفورنيا، حيث قطع متظاهرون طريقا سريعا، وكذلك في شيكاغو وسولت ليك سيتي. تزامنا مع كل هذه التظاهرات اندلعت مواجهات وأعمال عنف بين الشرطة الأمريكية والمتظاهرين، واستخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع لتفريق حشود المتظاهرين الغاضبين، وحضر قائد شرطة نيويورك "بيل براتون" إلى ميدان "تايمز سكوير" حيث ألقى احد المحتجين على وجهه طلاء احمر، وأشارت الشرطة إلى اعتقال 29 شخصاً على الأقل، بعدما أطلقت الغاز المسيل للدموع لإجبار موجات من المحتجين الذين أظهروا علامات العنف بعد طلب الابتعاد عن مركز الشرطة، أعقبه سماع أصوات أعيرة نارية متقطعة، كما ارتفعت ألسنة النيران من سيارات محترقة، واصطفت عشرات من مركبات الشرطة والجيش تحسباً لعمليات اعتقال موسعة غير بعيدة عن شوارع فيرغسون، التي شهدت أسوأ أعمال عنف، ورشق الحشد أفراد الشرطة الذين شكلوا حائط صد باستخدام دروع مكافحة الشغب خارج مبنى الشرطة، بزجاجات وعلب معدنية. وفي محاولة من الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" لتهدئة الأوضاع، قال "نحن امة قائمة على احترام القانون"، داعيا جميع الذين يحتجون على هذا القرار أن يحتجوا ب"طريقة سلمية"، مشيرا إلى أن عائلة "مايكل براون"، الشاب القتيل، هي نفسها دعت إلى عدم اللجوء إلى العنف. ما زاد من اشتعال الاحتجاجات هو قتل الشرطة الأمريكية أمس الاثنين طفلاً أسود يبلغ من العمر 12 عاماً، بولاية "كليفلاند"، وذلك بعد اشتباهها بحمله سلاحاً، تبين فيما بعد أنه "مسدس لعبة"، فتأججت الاحتجاجات أكثر وأضرم المحتجين النار في عشرة مباني على الأقل في مدينة فيرغسون الأمريكية كما تعرضت شرطة فرغسون لإطلاق نار، وأصدرت إدارة الطيران الاتحادية الأمريكية تقييدا مؤقتا للرحلات الجوية فوق منطقة فيرغسون. يعود حكم هيئة المحلفين إلى الحادثة التي وقعت في مدينة فيرغسون بولاية ميزوري، حيث قتلت الشرطة الأمريكية الفتى الأسود "مايكل براون" البالغ من العمر 18 عاماً في 9 أغسطس الماضي، الأمر الذي أدى إلى اندلاع مظاهرات واحتجاجات في عموم الولاياتالمتحدةالأمريكية آنذاك. "براون" لم يكن الضحية الأولى ولن يكون الأخيرة لعنف الشرطة الأمريكية، فقد سبقه وتلاه الكثير من الأمريكان الأفارقة أمثال "داريين هانت" و"فونداريت مايرز" و"ترايفون مارتن" وغيرهم من الذين لم تستطيع الشرطة الأمريكية أن تثبت بأنهم كانوا يحملون السلاح أو يهددون الشرطة أو الأمن القومي، ليفتح من جديد الباب حول مناقشة قضية العنصرية والاختلاف الطبقي والاقتصادي في المجتمع الأمريكي.