"المارداني".. مسجد أثري يعاني الإهمال شروخ بالأعمدة وتهالك بالحوائط.. والرسومات الرخامية تتساقط مباني دون تراخيص حول الأثر تهدد سلامته مسجد "الطُنبُغا المارداني" من الآثار العريقة التى تقع بشارع التبانة بالدرب الأحمر بالقاهرة، أحد أقدم الآثار الإسلامية، كان منبرا للعلم وتبادل المعارف والحل والعقد، وكان غنيا بالزخارف والنقوش النادرة والأدوات الخشبية المميزة، لكنه تعرض لعمليات سرقة متتالية، وبدت عليه آثار التهدم مما ضيع الحس الجمالي المميز له. "البديل" رصدت كيف يصيب الإهمال الآثار ويضربها في مقتل، فعند دخول شارع التبانه لمحنا مبني قديما لا يوجد عليه أي لافته تدل عليه، وبسؤال المارة أجمعوا علي أنه جامع أثري، ولكن المحزن حقا أن كثيرا منهم لا يعرفون اسمه، وعندما اقتربنا وجدنا لافتة قديمة متآكلة كتب عليها "مسجد المارداني –لجنة الزكاة"، علي يسار الباب فوق أحجار مهشمة. وبدخول المسجد وجدنا الشروخ تملأ أركانه وحيطانه المتآكلة من الرطوبة، وكأن يد الترميم لم تقترب منه منذ إنشائه، والعواميد التي تحمل المسجد متهالكة، والرسومات والزخارف الرخامية علي الحوائط تكاد تتساقط، والمحراب الذي يصلي فيه الإمام مكسور من الجانب الأيمن ويحتاج إلي إعادة تأهيل من جديد. وقالت سالي سليمان، المرشدة السياحية وصاحبة مدونة "البصارة" المهتمة بالآثار والتراث، إن مسجد المارداني من أهم مساجد القاهرة، ويعد الثاني بعد مسجد السلطان حسن، وقد وصل إلي حالة مؤسفة ويعاني من الإهمال وتصدعات الحوائط، وكشفت عن أخطر ما يهدد الجامع وهو المباني الحديثة التي تبنى حوله بلا تراخيص، كما أن المئذنة على وشك الانهيار بالإضافة إلى وجود خبطات بالجانب الغربى لحائط المسجد. وأوضحت أن المسجد أنشئ سنة 740ه 1340م علي يد الأمير علاء الدين الطُنبُغا بن عبد الله المارداني، الساقي المعروف بالطنبغا المارداني، أحد مماليك السلطان الناصر محمد بن قلاوون، ترقى في القصر السلطاني، وعينه السلطان في وظيفة الساقي، وهو المسؤول عن مدّ السماط "المآئدة" وتقطيع اللحم وتقديم الشراب للسلطان بعد رفع السماط، ثم عينه السلطان أمير طبلخانة، ثم أمير مائة ومقدم ألف، وزوجه إحدى بناته، وبعد وفاة الناصر محمد، تولى السلطنة ابنه المنصور أبو بكر، فقبض على الطُنبغا وسجنه سنة 1341م، ولما تولى السلطان كُجك بن الناصر، أفرج عنه، ولما تولى بعده أخوه السلطان الصالح إسماعيل، عينه نائبا على حماه سنة 1342م، ثم نائبا على حلب، واستمر بها إلى أن توفى سنة 744ه 1343م. وتابعت: أمير طبلخانة تعني من أمراء الطبقة الثانية، وله الإمرة على أربعين فارسا، والطبلخانة كان بها الآلات الموسيقية التي تعزف على أبواب القصر السلطاني، أمير مائة مقدم ألف: من أمراء الطبقة الأولى، وله إمرة مائة فارس (أغلبهم من مماليكه) ويقدم على ألف فارس ممن هم أقل من درجته. وتميز المسجد طوال تاريخه بمنبره الذي اشتهر بالحشوات الخشبية المزركشة والمطعمة بامشغولات المعدنية، وكانت بعض هذه الحشوات قد سرقت أواخر القرن 19، كانت حوالي أربعين حشوة من حشوات المنبر قد سُرقت منه في أوائل السبعينيات من القرن 19 وتسربت إلى أوربا وعثر عليها بالصدفة أحد اعضاء لجنة حفظ الآثار العربية لدى أحد تجار الآثار بالقاهرة سنة 1901 واشترتها اللجنة وأعادت تركيبها في مواضعها بالمنبر، يوجد برواق القبلة دكة المبلغ، وهي من الرخام محمولة على اثنى عشر عمودا من الرخام، وقد عرفنا من المقريزي أن مهندس جامع المارداني هو المُعلم ابن السيوفي، رئيس المهندسين أيام الناصر محمد بن قلاوون. وأكدت أنه في سنة 1884 وجدت لجنة حفظ الآثار العربية الجامع شبه مُخرب، فكانت جدارنه مائلة متداعية، ومئذنته ناقصة من أعلاها، وأكثر كسواته من الرخام مفقودة، فقامت اللجنة بصلب الجدران المتداعية، ثم بدأت من 1896 في أعمال الإصلاح والترميم، فأقامت الجدران المتداعية، وأبدلت بعض الأعمدة، وأصلحت الوزرات والمحراب والمنبر والشبابيك والأبواب، وأعادت بناء القبة فوق المحراب، وبناء الدورة العليا من المئذنة، وانتهت أعمال اللجنة 1903. وقال محمد عزاز، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية رعاية حقوق العاملين بالآثار وحماية آثار مصر، إن الأوضاع فى وزارة الآثار انقلبت رأسا على عقب ليصبح الإهمال والتسيب واللامبالاة والاستهتار هو الأصل والقاعدة، أما الجدية والحرص فهما الاستثناء فى عملنا. وأضاف عزاز، أن الإهمال يضرب بسهامه كل أثر داخل هذه الوزارة، فنجد القيادات من غير ذوي الجدية أو الكفاءة فى أداء الواجب الوظيفى، وراح الجميع يتركون أعمالهم المكلفين بها ويتمادون في الإهمال دون حسيب أو رقيب، خاصة وأن مسجد المارداني تابع لوزارة الآثار وهي المسؤولة عن ترميمه. محمد عبد العزيز، مدير مشروع القاهرة التاريخية بوزارة الآثار، قال ل"البديل" إن هناك مشروعا معدا لتطوير المناطق الواقعة في حدود القاهرة التاريخية؛ لاستعادتها مرة أخري والعمل علي ترميم الآثار بها، مضيفا أن المشروع تم تقسيمه إلي 5 مناطق لرفع مستوي الآثار بها والأماكن المحيطة أيضا.