انطلقت اليوم في القاهرة القمة المصرية القبرصية اليونانية، حيث استقبل الرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" نظيره القبرصي "نيكوس أناستادياديس"، ورئيس الوزراء اليوناني "أنطونس سامراس"، وتم بحث سبل التعاون في كافة المجالات. يعود تاريخ العلاقات المصرية اليونانية إلى ما قبل الميلاد بنحو 300 عام، لذلك فهي من أقدم العلاقات بين بلدين على مستوى العالم، فضلا عن أنه ترتبط مصر وقبرص بعلاقات متميزة، وتاريخية ساعد فى تعزيزها القرب الجغرافي والتناغم الحضاري و الثقافي بين الشعبين. وصف مراقبون في القاهرة القمة الثلاثية التي عقدت اليوم بأنها "صفعة دبلوماسية" لتركيا، لاسيما في ظل العلاقات المتأزمة بين القاهرة وانقره عقب الاطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي، ولكن سفير قبرصبالقاهرة "سوتوس لياسيدس" استبعد في تصريح له أن يكون الهدف من القمة هو إنشاء تحالف ضد تركيا، مشيرا إلى أن اللقاء الثلاثي يأتي في إطار بحث عدد من القضايا الإقليمية والدولية منها فلسطين والعراق. تعمل مصر على تطوير علاقتها مع اليونان وقبرص اليوناية منذ فترة، فقد اجتمع الرئيس المصري السابق "عدلي منصور" مع نظيره اليوناني في شهر يناير الماضي، وفي ظل تنمية التعاون التجاري بين البلدين، وبالأخص مجال الطاقة حيث الغاز القبرصي، وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، اجتمع وزراء خارجية الدول الثلاث للنقاش حول الأوضاع على الساحة الدولية والإقليمية، حيث وصفت صحيفة "وورلد بلنت" التركية ذلك الاجتماع بأنه تطور في مسار العلاقات بين الدول، خاصة بعد دعم اليونان وقبرص اليونانية للإطاحة بالرئيس الإخواني محمد مرسي في يوليو 2013، وقد أصدرت الدولتان بيانا يؤكد ذلك. عادت اليونان تشغيل رحلات الطيران إلى مصر مع بداية العام الجاري، وهو ما يعكس ثقة السائح اليوناني في استقرار الأوضاع بالقاهرة، حيث يرتبط المواطن اليوناني بأواصر متعددة مع مصر، أهمها تاريخ الجالية اليونانية مع مختلف المدن المصرية خلال القرنين الماضيين، إضافة إلى البعد الديني المتمثل في تواجد البطرياركية اليونانية بالإسكندرية ودير سانت كاترين بجنوب سيناء. مصر من أوئل الدول التي سارعت إلى الاعتراف بالجمهورية القبرصية وتبادلت العلاقات الدبلوماسية معها عام 1960، وفي 23 سبتمبر الماضي التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي في نيويورك نظيره القبرصي، نيكوس أنستاسيادس، على هامش أعمال الدورة التاسعة والستين للجمعية العامة للأمم المتحدة، كما أنه خلال الاسبوع الماضي شهدت قبرص اجتماعات تحضيرية خلال زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري، والتي تهدف إلى الإعداد لهذه القمة، وتبادل وجهات النظر بشأن ما ستتناوله من موضوعات. لم تنسحب الشركات اليونانية من مصر خلال أحداث ثورة يناير 2011 وما تلاها من أحداث، وبلغ حجم الاستثمارات اليونانية في مصر 3 مليارات دولار، لتحتل بذلك المركز الرابع بين دول الاتحاد الأوروبي من حيث الاستثمار في مصر، كما توزعت الاستثمارات في عدد من القطاعات الإنتاجية والخدمية، أبرزها الصناعات الكيمياوية، وصناعة النسيج، ومواد البناء، وصناعة الأغذية، والخدمات التجارية والاستشارية، ومشروعات النقل والخدمات العامة. وفي ظل التقارب المصري القبرصي، تعمل تركيا على خلق مشكلات مع قبرص اليونانية بشأن الغاز، حيث قالت "إذاعة صوت أمريكا" إن أنقرة أرسلت سفينة حربية إلى الجزيرة لحماية الغاز والنفط، مما يهدد بإثارة أزمة دبلوماسية وسط الأزمات في منطقة الشرق الأوسط. وتوضح الصحيفة أن ما تقوم به تركيا ضد القبارصة اليونانيين يقلل من فرص انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، لافتة إلى أن يوم الجمعة الماضي حذرت اليونان تركيا من ذلك التدخل قبالة السواحل،حيث يعد هذا التدخل اليوناني هو أحدث تصعيد للتوترات الإقليمية خاصة على حقول الطاقة المتنازع عليها. من جانبه، قال "سنان اولجن" باحث في معهد كارنجي للسلام:" وصلنا إلى مرحلة حرجة، وهي الأكثر خطورة منذ خطة التوحد في عام 2004، كانت المفاوضات وصلت إلى مرحلة متقدمة"، وتوضح الإذاعة الأمريكية أن تركيا تصر على أنها تبحث عن الغاز في المياه القبرصية التركية، لكن الحكومة اليونانية تنفي ذلك وتؤكد رغبة أنقرة في السيطرة على كافة مصادر الطاقة في مياه البحر المتوسط. ويرى الكاتب التركي "قدري غورسيل" أنه ليس هناك أمل في التوصل إلى حل خلال المستقبل القريب بشأن مسألة الطاقة والسياسات الأمنية، ويؤكد أن الغاز الطبيعي سلاح ذو حدين حيث يمكن أن يكون مفتاحا للحل أو الصراع، حيث يعتمد ذلك على مواقف الأطراف السياسية الفعالة. ولمزيد تسليط الضوء أكثر على أهداف القمة الثلاثية، قال طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن هذه القمة التي تنعقد اليوم تبعث بعدة رسائل لطرفين أساسيين، هما تركيا وإسرائيل، فإذا كانت أنقرة تناكف القاهرة في منطقة الخليج بإقامة تحالف مع قطر ودول أخرى فإن مصر قادرة على إبرام تحالفات مع دول لديها خلافات جوهرية مع تركيا للضغط عليها. وأضاف فهمي "أما الرسالة التي تبعث بها القاهرة لتل أبيب، فمفادها أن مصر لن تصمت على حقوقها الضائعة والتي صمتت عليها طوال الفترة الماضية وعلى رأسها حقها في الغاز الطبيعي في حقول شرق المتوسط وحقها في التعويضات التي نصت عليها اتفاقية (كامب ديفيد) من استغلال إسرائيل وسرقتها لحقول البترول والغاز الطبيعي، أثناء الفترة التي احتلت فيها سيناء". بدوره أوضح نشأت الديهي، المتخصص في الشؤون التركية، أن القمة الثلاثية تأتي في إطار منهج القاهرة في اتباع سياسة عدو عدو صديقي، في التعامل مع تطاول الجانب التركي عقب 30 يونيو، مشيرا إلى أن القاهرة تمتلك أدوات كثيرة لعقاب أنقرة على تطاولها، وأن مصر تمتلك أيضا ورقة أرمينيا إلى جانب اليونان وقبرص في الرد على مواقف تركيا، وكذلك هناك ورقة حزب العمال الكردستاني، مضيفا أن القاهرة كانت تفضل عدم الانخراط في الرد على الاستفزازات التركية إلا بشكل عملي، معتبرا أن أنقرة لا تمتلك أكثر من الغضب وتكرار التطاول على القاهرة بعد خطوة التقارب مع اليونان وقبرص.