ظل الفلاح المصري صامدًا في أحلك الأزمات التي يمر بها الوطن، فعندما توقفت عجلة الإنتاج على الأصعدة جميعها أثناء الثورة، استمر الفلاح البسيط في أرضه يزرع ويحصد، ليوفر الغذاء للمواطن المصري. ووسط هذا الزخم وبناء مصر الجديدة، كان الفلاح البسيط أول ضحايا ارتفاع أسعار المحروقات والأسمدة، ولم تكتفِ الدولة بذلك، بل تقاعست عن تسويق محصوله وتركته لقمة سائغة لجشع التجار الذي يصدرون الأرز ب8000 جنيه للطن، فيما يشترونه من الفلاح ب1600 جنيه، وتلك الفجوه في السعر ناتجة عن عدم إعلان سعر رسمي لبيع الأرز وفتح باب التصدير له. من جانبه قال فريد واصل، نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين: إن الحكومة في وادٍ والفلاحين في واد آخر، فكل القرارات الوزارية الخاصة بالمحاصيل الزراعية أو الفلاحين تسير في اتجاه معاكس، بعيدًا عن مصالحهم، فكل يوم نفاجأ بقرار يضر بالمزارع البسيط، فعندما يعلن وزير التموين عن فتح باب التصدير للأرز دون الإعلان عن سعره، فهذا يجعله فريسة لجشع التجار؛ الذي يحدد سعره وفق أهدافه الربحية. وتكرر الموقف عندما أعلنت وزارة الزراعة عن السعر الاسترشادي للقطن ب1600 جنيه للقنطار بالوجه البحري و1400 جنيه بالوجه القبلي، إلَّا أنها رفضت استلامه، ما جعل التجار يتلاعبون بالفلاحين ويسيطروا على الأسواق بفرض الأسعار، وإما أن يرتضي الفلاح بالأسعار الزهيدة، التي لا تتعدى ال900 جنيه، أو تخزين المحصول إلى أن يتلف، لافتًا إلى أن بعض الفلاحين لجأوا للتخلص من المحصول بحرقه للتخلص من أعباء الحصاد. وأشار نقيب الفلاحين والمنتجين الزراعيين أن ارتفاع أسعار المحروقات وخاصة السولار والتلميح برفع سعر الأسمدة ما هي إلَّا قرارات تعسفية لن يضار بها سوى الفلاح والمواطن المستهلك لتلك السلع؛ لأن الحلقة الوسيطة من تجار الجملة والتجزئة ورجال الأعمال المصدرين المستفيدون من تلك الممارسات، والفلاح البسيط الذي يرتضي بالقليل وحد الكفاف، تثاقلت عليه الديون لاستمراره في عمله كمزارع يوفر الأمن الغذائي للدولة، وأصبح أضعف حلقة في دائرة الإنتاج؛ لعدم وجود جهاز رقابي جيد على الأسواق لضبط الأسعار، لافتًا إلى أن الفلاح، وهو عصب المجتمع المصري، يفتقد الكثير من الخدمات فهو لا يجد الرعاية الصحية الجيدة أو توفير المدارس لتعليم أبنائه، و 80% من القرى المصرية تفتقد إلى البنية التحتية، في حين أن هناك اهتمامًا شديدًا من قِبَل الدولة من المجتمعات العمرانية الجديدة وتوفير الخدمات كافة. وأكد واصل أن الحكومة لا تحترم الدستور وتخالفه، ففي أثناء الاحتفال بعيد الفلاح تم إقرار قانون رقم 127 لسنة 2014 والخاص بالتأمين الصحي على الفلاحين والعاملين الزراعيين، الذي تجاهل في نفس الوقت الصيادين والذين يعدّون من العاملين بالمجال الزراعي، وطبقًا للمادة 11 المادة التاسعة، على رئيس مجلس الوزراء إصدار اللائحة التنفيذية للقانون خلال 30 يومًا، ما لم يحدث، وترتب عليه عدم تنفيذ القانون حتى الآن، ما يؤكد أنه عصر حكومة الشو الإعلامي، مضيفًا أن ممارسات الدولة ضد الفلاحين لن تضع مفرًا أمامه سوى الخروج بثورة والتي لم تندلع منذ ثورة عرابي . وأكد أن القطاع الزراعي يشارك بنسبة 60% من الناتج القومي وليس 14% كما أعلن الرئيس؛ لأن البيانات الرسمية تغاضت عن الاقتصاد غير الرسمي، فعلى سبيل المثال، يتم إنتاج 8 ملايين طن سنويًّا من القمح لا تستلم منه الدولة سوى 3 ملايين طن فقط، ولا يحتسب في البيانات الرسمية سوى ما تتسلمه من محصول القمح، أما ما يترك للقطاع الخاص فلا يدخل ضمنها . فيما قال الدكتور نادر نور الدين، الخبير الزراعي: إن القرارات التعسفية التي تتخذها الدولة ضد الفلاح ستعمل على تضييق الخناق عليه ليترك أرضه دون زراعة؛ لما يعانيه من أعباء مادية أثناء الزراعة والحصاد تليهم مرحلة التسويق التي كان من المفترض أن تكون أكثر المراحل التي ينتظرها الفلاح؛ لأنه سيتقاضى من خلالها مقابل ما تكبده من مشقة إلَّا أنه يصطدم بتراجع الدولة عن استلام المحاصيل، وهذا تصرف يعد مخالفًا لنص الدستور الجديد في مادته التاسعة والعشرين، والذي ينص على التزام الدولة باستلام المحاصيل الاستراتيجية من الفلاح وبأسعار مجزية، ولم تشر المادة إلى الأسعار أو الأسواق العالمية أو قدرة الدولة على تسويق المحصول من عدمه . وأكد نور الدين أن الدولة أصبحت تعمل لصالح رجال الأعمال فقط، ففي الوقت الذي يعلن فيه وزير الزراعة عن ارتفاع أسعار الأسمدة وتخلي الدولة عن دعم الزراعة، يعقد فخري عبد النور، وزير التجارة والصناعة، اجتماعًا خصيصًا ليتقدم باعتذاره لرجال الأعمال عن خفض الدولة لدعم الصادرات من 5 مليارات جنيه إلى 2 مليار و600 مليون جنيه، ولم يكتف وزير الزراعة بكل الخطوات التعسفية التي تتخذ ضد الفلاحين. وتقدم وزير الزراعة إلى مجلس الوزراء بمشروع لمصادرة الأراضي تم تبويرها أو البناء عليها لصالح الدولة؛ لتوفير سكن لأبناء المزارعين دون أن تبحث الأسباب التي دعت الفلاح للتخلي عن أرضة وتكرار خسائره وتخلي الدولة عنه، وكفاحه للحصول على الكيماوي ومعاناته من المبيدات المغشوشة والأمراض التي تصيبه وأولاده من تلوث من مياه الري، وعدم وجود مساكن لزواج أبنائه، مؤكدًا أنه بحل مشكلات الفلاح يبشر بعهد جديد جدير بتغيير وجه الحياة بمصر.