المرحلة المقبلة في قطاع غزة تمتلئ بالترقُّب والتوقعات بالتوصل إلى حلول تُرضي الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وفي نفس الوقت، تركِّز الجهود على أن لا تأتي هذه الحلول على حقوق المواطنين الذين يعانون من الحصار المطبق والعدوان المستمر منذ ثماني سنوات متواصلة، بدأت بإغلاق المعابر، وانتهت بالحرب الأخيرة على المدينة. المحلل الاسرائيلي رون بن يشاي قال بأنَّ اسرائيل تسعى إلى إعادة إعمار قطاع غزة وتحسين اقتصاده بهدف منح السكان بارقة أمل حتى يطالبوا حماس بعدها بعدم جرهم إلى مواجهة جديدة، وأكَّد بأنَّه لا بد من تعزيز التسهيلات للمواطنين الفلسطينيين حتى لا تزداد رقعة العراك القائم، وسياسة الحصار الذي فرضته دولة الاحتلال على قطاع غزة قد باءت بالفشل، والدليل على ذلك هو الحرب الأخيرة على غزة، والتي أظهرت قدرة الفلسطينيين على الصبر وقوة المقاومة التي لم تنقص بفعل هذا الحصار. من جهته قال مسؤول الارتباط المدني الفلسطيني حسين الشيخ إنه ستجري الأسبوع المقبل عملية فحص وتدقيق أسماء عمال قطاع غزة المنوي إصدار التصاريح لهم للعمل بأراضي48، إضافة إلى إمكانية بدء دخول مواد البناء إلى القطاع مطلع الأسبوع المقبل، وأضاف بأنَّ موافقة اسرائيلية تم إبلاغها لوزارة الشؤون المدنية بإمكانية إدخال خمسة آلاف عامل من قطاع غزة للعمل داخل اسرائيل، وأنَّ هذا العدد قد يزداد بعد ذلك. وأشار الشيخ أن مناطق العمل ستكون في المناطق المحاذية لقطاع غزة وستكون في الزراعة والبناء ومجالات أخرى . وفي سياق متصل أكّد نظمي مهنا مدير دائرة المعابر والحدود بأنَّ إدارة المعابر والحدود ستتولى مسؤولية العمل على معبر رفح، مشيراً إلى أن الإدارة جاهزة لتسلم معبر رفح فور الاتفاق بين حركتي حماس وفتح على ذلك، وأنَّ حل مشكلة معبر رفح سيكون شكلاً من أشكال التخفيف على المواطنين الفلسطينيين الذين يعانون من ضياع حجوزاتهم وتأخر دائم يواجهه أصحاب الإقامات والتأشيرات على معبر رفح. تأتي هذه التصريحات في إطار التغيرات السياسية التي تطرأ على القطاع، خصوصاً بعد زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد لله إلى قطاع غزة، وتصريحات الحمد لله بأنَّ إعادة الإعمار وزيادة التسهيلات في القطاع هي واحدة من الأولويات التي تسعى حكومة التوافق إلى تنفيذها. في لقاء أجراه البديل في غزة مع الكاتب والمحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أشار إبراهيم بأنَّ هذه المتغيرات تأتي كنتيجة لعجز اسرائيل عن كسر إرادة الغزيين، وأضاف: "تحاول اسرائيل عدم منح الفلسطينيين في قطاع غزة أي انجاز سياسي بعد عدوان اسرائيلي همجي استمر 51 يوما دمر البنية التحتية وعشرات الالاف من المنازل ونحو 2200 شهيد. ومنذ بدء الحديث عن وقف اطلاق النار بعد نحو اسبوعين من القتال بدأت الحكومة الاسرائيلية بالحديث ونقاش مستقبل قطاع غزة ومن الذي سيدير عملية إعمار قطاع غزة والحديث عن الرئيس ابو مازن والسلطة الفلسطينية وانهم سيكونوا المسؤولين عن اعمار قطاع غزة وانهم لن يمنحوا المقاومة خاصة حركة حماس والفلسطينيين أي انجاز سياسي بعد مطالبتهم برفع الحصار واقامة ميناء ومطار في القطاع. وحاولت اسرائيل ربط رفع الحصار بنزع سلاح المقاومة الا انها لم تنجح في ذلك، وبعد وقف اطلاق النار والاتفاق على العودة للمفاوضات بعد الاعياد الاسرائيلية، بدأت اسرائيل باتخاذ خطوات من أجل التسهيل على الفلسطينيين ولم تعترف انها سترفع الحصار ووضعت آلية رقابة على المواد التي ستدخل إلى القطاع وتم تشكيل لجنة لإدخال مواد الإعمار مشكلة من الأممالمتحدة ممثلة بروبرت سري ممثل الأمين العام للسلام والشؤون الإنسانية في الاراضي الفلسطينية، ورئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور رامي الحمد الله، ومنسق أعمال المناطق في وزارة الأمن الاسرائيلية الجنرال يؤاف مردخاي. وعقدت اللجنة اكثر من اجتماع لوضع آلية للرقابة على مواد الإعمار وطريقة إدخالها". وحول ما إذا كانت سياسة الحصار قد فشلت في غزة، تابع ابراهيم: "اسرائيل تعرف بأن الحصار لم يعد مجدي وأساء لها ولسمعتها دوليا، مع ان الحصار جاء بقرار من اللجنة الرباعية الدولية بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في العام 2006 واشترطت الرباعية الدولية على أن تستجيب حماس لشروطها بالاعتراف باسرائيل ونبذ العنف والاعتراف بالاتفاقات الموقعة معها سابقا من قبل منظمة التحرير. العدوان وضع القضية الفلسطينية خاصة حصار قطاع غزة في الواجهة وكان من الضروري رفع الحصار عن القطاع لكن اسرائيل تسمي ذلك تسهيلات لأنها ترفض أن تعترف بأنها تحاصر القطاع". أما عن السياسة الاسرائيلية في الترويج، أرشد إبراهيم: "المضحك المبكي أنَّ إسرائيل التي دمرت وقتلت وخربت تريد إعادة صياغة حياة الناس وبناء غزة من جديد، ومن الذي يحكم وكيف يحكم، وفجأة اكتشفوا أنَّ "أبو مازن" هو الحل ويجب تمكينه من العودة الى غزة، كل ذلك بعد صمود الفلسطينيين والمقاومة، و فشل اسرائيل في كسر إرادتهم وكي وعيهم و تفكيك حكومة الوفاق الوطني المطلوب منها العمل الكثير من أجل غزة". من جهته رأى الناشط والحقوقي أكرم الصوراني أنَّ وحدة النظام الفلسطيني هي أساس المرحلة، مشيراً إلى أنَّ التجربة الفلسطينية بحاجة إلى مراجعة واستفادة من الأخطاء التي يقع فيها الفلسطينيون غالباً، قائلاً: "سيكون هناك إنجاز ونجاح، إذا احترمنا أنفسنا وكنا أخلاقيين بوطنيتنا وتوحدنا حول أبجديات الحد الأدنى للمشروع الوطني واعتماد لغة يتفهمها ويفهمها العالم وأقصد بذلك أن ندرك ونعي أزماتنا وخيباتنا العربية والفلسطينية المحلية واعتماد خطاب سياسي وحل سياسي للقضية يجنبنا اعادة انتاج الأخطاء الوطنية التي أوصلتنا مؤتمر إعادة إعمار غزة"، مضيفاً إلى أنَّ الشعب الفلسطيني كله بحاجة إلى رد اعتباره من الجميع: "هذا كله يشكل مدخلاَ لإعادة الاعتبار للشعب بصفته مصدر السلطات؛ ليختار ممثليه عبر انتخابات حرة ديمقراطية نزيهة على أساس قانون انتخابات عصري بتمثيل نسبي كامل ونسبة حسم تتيح للكل الوطني المشاركة على غرار محاكاة تجربة (الكنيست) خاصة وأننا ما زلنا في مرحلة تحرر وطني وديمقراطي بحيث نغادر عقلية احتكار المشروع واحتكار القرار واحتكار مصيرنا واحتجازنا كأسرى لبرنامج ومغامرات هذا الفصيل أو ذاك". الجدير ذكره أنه وقبل عدة أيام كانت هناك تصريحات لرئيس هيئة الأركان الاسرائيلي بيني غنتس قال فيها أنَّ قطاع غزة محاصر براً وجواً وبحراً، ويجب العمل على التسهيل على السكان والعمل على تطوير رفاهيتهم إدراكاً منه بأن الحرب لن تقدم اكثر من ما قامت به اسرائيل من عنف وقتل وجرائم ضد المدنيين الفلسطينيين. ما ينتظره الفلسطينيون الآن هو التغيرات التي قد تطرأ على حياتهم، فمنذ اتفاق الشاطئ وتشكيل حكومة الوفاق الوطني لم يشعر المواطنون بإتمام المصالحة، نظراً لأنَّ أسباب الخلاف والهوة بين طرفي الانقسام كانت ما زالت قائمة، كما أن الناس في غزة لا يثقون في المجتمع الدولي والسرعة المطلوبة في إعادة إعمار غزة، والاتهام الموجه له بمنح الشرعية لنتنياهو بضرب غزة و التواطؤ من خلال صمته وتبريره لحاجات إسرائيل الأمنية قبل العدوان وبعده. المجتمع الدولي اعترف بالحكومة وهو سيمول إعمار غزة تحت إشرافها، لكن هل سيقوم المجتمع الدولي بدفع الأموال اللازمة بناءً على الخطة الفلسطينية للإعمار وتكلفته 4 مليار دولار كما قدرته السلطة؟ ومن سيضمن عدم قيام اسرائيل بتدمير قطاع غزة مرة أخرى؟