فى “قطة ..وقديسة ..وجنية “يثبت عبد الرحيم يوسف أقدامه من ديوان إلى آخر،كصوت مفارق ،فالعامية هنا تتحول من غاية وشكل إلى مجرد وسيط تعبيرى، قصيدة قادرة على الانضمام إلى المنجز الشعرى المصرى والعربى عموما وقصيدة النثر خاصة. عبد الرحيم المختبىء بسكندريته من مغريات المشهد القاهرى الملوث بالضجيج والتربيطات الثقافية والدعاية “التلميعية”،ينشر ديوانه الثانى بنفس الترتيب الزمنى لكتابته،رغم إن منجزه الفعلى تجاوز 6 دواوين لم ينشر منهما سوى “م المرحلة الزرقا ” و”قطة وقديسة وجنية”،الا إنه بثقة يعلم إن القادم له وإن تجربته فى حاجة للعرض بتدرجها الزمنى. الديوان الثانى لا يمثل نقلة نوعية عن الأول،لكنه تأكيد لشاعرية صاحبه. يطرح الديوان من القصيدة تلك المسافة بين رؤيتنا لذواتنا ورؤية الآخر لنا “كلهم بيحبوك /زى قطة بيضا صغيرة/ ف سلة خزف بيضا/قاعدة تلحس نفسها/وبتقدم عرض اكروبات يومى. ينفض عن نفسه عظمتها الافتراضية “مرة تبقى مسرور/ومرة تنجعص ع العرش/ ومرة تعيش ف دور شاعر البلاط” يتكأ الديوان على مفارقة مطاردة مساحات الكذب الودودة ظاهريا،واكتشاف “قبح “الحقيقة الشرس”تعرف تقتل الفراشة من غير ما تخدش براءتك ولا يبان عليك أثر من دقيق روحها”،فى سخرية تبدأ من ذات تكتشف ارتباكها”يبقى مالك ؟ملبوخ كده وحايس/بتقدم إيد ..وتأخر رجل..فكرك هتستناك تانى/ولا لازم تجرب وصفة جديدة ..حل تالت ما بين السيف والوردة”. ورغم تحليق قصيدة عبد الرحيم فوق تصنيف “العامية”الضيق وانطلاقه نحو فضاء القصيدة بغض النظر عن جنسها،الا إنه مخلص لتراكيب عامية الشارع وقاموسها بشكل بدا فيه جهد حقيقى لاستخراج جمالياتها ،”دقات نقص..تنجعص..المتلقحين” تتناغم تلك الكلمات مع كلمات (مثقفة نوعا)..”الارتدادية ..البحر وهو بيرقص فلامنكو..حنين ع الدوام”،فاللهجة عنده كائن حى،يحتاج إلى من يرصد تطوراته،فى المجال الحيوى للغة الذى نسميه :الشعر. يظل هاجس الوحدة والاغتراب،قانون ينظم القصائد،فى الديالوج المستمر بين صاحبها الذى يحاول اقناع أنثاه أو ذاته بجدوى أن ينظر لبعضهما البعض من خلال “الوش المحروق ..للحقيقة”. قصيدة تتمرد على قانون المزيكا”أنا عايزك تتعلمى ..إزاى تطاوعى نفسك ..وتآمنى لاحساسك ..أكتر م النغم ..وما تعتمديش أوى على حركات إيدى ..لأنى بصراحة ما بقراش م النوتة ..ومنهجى دلوقتى هو ارتجالاتك السخنة..ولفتاتك المكسورة”،لكنها فى انتظار مغامرة أكبر.