بكل تأكيد في كل زيارة للأهرامات تكون هناك وسيلة ممتعة لمشاهدتها والتجوال بين آثارها وأحجارها العتيقة، وهي الجمل أو الخيل، بل يسأل عنهما السائح القادم من أبعد القارات، ويستمتع الجميع بالتقاط الصور التذكارية على الخيل أو الجمل وفى خلفيتهما الأهرامات العظيمة، ويذهب الجميع ليبقى الجمال والخيال نفسه، بحكاياته وهمومه ومشكلاته، لا يعرف عنه أحد شيئًا، يعمل دائمًا على تخبئتها خلف ابتسامة عريضة أمام السائح؛ لأنها مصدر لأكل عيشه. ولأول مرة ينظم العاملون بالخدمات السياحية فى شكل نقابى ينظم مصالحهم ومطالبهم المتعددة، خاصة بعد أن أصابهم الضرر بعد حالة الاضطرابات التى شهدتها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وهو ما رصدته "البديل". يقول ماهر العسكري – جمَّال بالمنطقة السياحية – رئيس نقابة العاملين بالخدمات السياحية من الجمالة والخيالة والخرتي "أعمل منذ 30 عامًا، ومشكلة الجمالة والخيالة من قبل الثورة عندما اختفت السياحة والأفواج، بل غاب المصريون كزائرين محليين للأهرامات، وعانى أصحاب المهنة من التدهور الذى لحق بالنشاط السياحى، واضطر بعضهم إلى بيع الخيول الخاصة بهم". وأضاف العسكرى أن عدد الخيالة والجمالة فى نزلة السمان ومنطقة الأهرامات يتجاوز 2000 فرد، وهى مهنة متوارثة أبًا عن جد، ولا يعمل بها إلا كل من هو أمين وصادق بدءًا من الخرتى (أى البائع الذى يمسك بورق البردى والتحف) الذي يستقبل السائح منذ نزوله من الأتوبيس السياحى بكل ذوق ولباقة، وصولاً للجمال والخيال الذى يرافق السائح فى جولته عبر الأهرامات، مشيرًا إلى أن الخيال قد يكون حاصلاً على مؤهل متوسط، ولكن فى نفس الوقت تمكن بالممارسة عبر الصغر أن يتعلم لغات مختلفة من السياح سواء الإنجليزية أو الفرنساوية. وأوضح العسكرى أن "أهم مطالبنا كنقابة جديدة تحت التأسيس للعاملين بالخدمات السياحية أن تنظر وزارة السياحة إلى الخيالة والجمالة باهتمام من خلال تقديم مادى شهرى لهم، نظرًا لركود الموسم السياحى، بالإضافة إلى عودة الموقف القديم الذى تستقر عنده الأتوبيسات السياحية وتنزل بجوار قسم الهرم، فكان المكان يمثل قلعة أمان للسائح، فهو دائمًا فى حماية الشرطة والأهالى عكس الموقف الجديد الذى لا يوفر نفس المميزات، مؤكدًا أن أكثر فئة دفعت ثمن الثورتين هم العاملون بنزلة السمان، فالأولى تركت صورة ذهنية سيئة عن أهل نزلة السمان الذين ظلموا في موقعة الجمل، وكف الجميع عن زيارة المكان المصريون قبل الأجانب، والثورة الثانية عندما اندلعت أعمال عنف الإخوان المسلمين تركت مخاوف لدى السياح من زيارة بلد تحولت إلى تفجيرات إرهابية، وكل ما نطلبه من الإعلام أن ينظر إلى المستقبل نحو دعم السياحة وعدم الحديث نهائيًّا عن الإرهاب". وأشار نبيل الصياد – أحد مؤسسى نقابة العاملين بالخدمات السياحية – إلى أن المهنة يعمل بها قطاع كبير من العمالة غير المنتظمة، يتجاوز 2000 عامل فقط فى الأهرامات، ولكن النقابة سوف تسعى إلى الحصر فى الفترة المقبلة بمنطقتى أبو صير وشبرامنت السياحيتين أيضًا، مؤكدًا أن الهدف الذى قامت من أجله النقابة هو استرداد حقوق هؤلاء العاملين فى ظل الحالة الاقتصادية السيئة التى يعانون منها، وأهمها إلغاء فكرة تنفيذ الطفطف المجول بالأهرامات؛ لأن ذلك يقضى على مهنة الجمال والخيال التى طالما اشتاق إليها السائح ليركبها عند مجيئه مصر. وأضاف أن من الأسباب الأخرى مطالبة وزارة السياحة والداخلية باستخراج تراخيص لكل من له الحق بالعمل داخل المنطقة؛ ليكون عملهم بشكل قانونى بعيدًا عن المخالفات، بالإضافة إلى منع الدخلاء الذين يسيئون للواجهة الحضارية، وأن يعمل بالمهنة كل من كان أبواه أو جده في المنطقة ويتم استخراج رخصة لهم. بينما قال عم فوزى – خيال – إن المهنة فى خطر والعاملين بها يعانون من أوضاع مادية سيئة نتيجة لضعف النشاط السياحى، مشيرًا إلى أن الأزمة بدأت منذ عام 2000 عندما تم بناء هذا السور المحيط بمنطقة الأهرامات تحت إشراف اليونسكو، وأصبح العمل فقط من الساعة 8 صباحًا حتى الرابعة عصرًا؛ لتتحول المنطقة الأثرية إلى حالة صمت وهدوء، بعد أن كان كثير من السياح وخاصة العرب يفضلون ركوب الخيل فى المغرب والمساء. وأضاف أن المهنة تقوم على "الرزق اليومى" وليست كالموظفين لهم مرتب ثابت، وبعد أن كنا فى ذروة النشاط السياحى نستطيع أن نكسب 300 جنيه يوميًّا، انخفض الدخل إلى 40 جنيهًا، بل وأحيانًا كثيرة نعود إلى المنزل بدون دخل لأسرنا. وأشار إلى أن لديه بنتين أميرة 19 عامًا ومى 10 سنوات، ويخجل كثيرًا من عودته إلى المنزل دون أن يلبى احتياجاتهم، مناشدًا المسئولين الاهتمام بالعاملين بمنطقة نزلة السمان والهرم، خاصة من يعملون باليومية وليس أصحاب بازارت أو اسطبلات خيول. ويحكى فرح أبو مناع – صاحب جمل بمنطقة الأهرام – أنه يعمل فى المهنة وعمره 13 عامًا مع والده، وتوارثها من خلاله، معربًا عن أنه تعلم منها الكثير وأبرزها اللغات المختلفة سواء الإنجليزية أو الإيطالية أو الفرنسية، مشيرًا إلى أن "الشغلانة زمان كانت جايبة تمنها أكثر من 10 أفواج سياحية فى اليوم قبل الثورة وبعيد عن الاضطرابات والتفجيرات، لكن الآن لو حضر للهرم فوج سياحى فى اليوم نفرح بأننا هنرجع بيوتنا ب 50 جنيه للعيال". وأضاف أبو مناع أنه لا يتمنى أن يتعلم ابنه المهنة ويصبح جمالاً، فلم يأخذ منها سوى آلام الظهر وخشونة الركب، وفى النهاية لا يوجد تأمين صحى ولا معاش بعد الوفاة يترك للأسرة، مؤكدًا أن السياح ما زالوا يخافون أن يأتوا لمصر، مناشدًا وزارة السياحة والإعلام تكثيف حملاتهم الإعلانية والدعاية لزيارة الأهرامات والمناطق السياحية والأثرية بمصر، والتوقف عن تقديم صورة بأن مصر بها تفجيرات وإرهابيون. وبسؤاله عن المعرفة التى اكتبسها من المهنة، قال أبو مناع إنه تعلم الانضباط والالتزام بالوقت مع الخواجات، وطرق جذب كل سائح على حدة، فالإيطالى يتمتع بدم خفيف مثل المصرى، بينما السائح الأمريكى متغرطس متعالٍ، أما الألمانى فهو يعتز بشدة بالحضارة المصرية القديمة، والإنجليزى يشعر بالجمال والخيال والعظمة. وأوضح مناع أنه اضطر لبيع أحد الجملين اللذين كان يعمل من خلالهما بعد أن فقد القدرة على إطعامها بشكل جيد يوميًّا، حيث يتكلف الجمل أكثر من 50 جنيهًا غذاءًا يوميًّا من ذرة بيضاء ومحمصة وفول وذرة شامية. ويقول علام ممدوح – صاحب إسطبل خيول ومحلات تحف – "من أهم عيوب منطقة الأهرامات ونزلة السمان الآن أنها أصبحت مغلقة ومحددة بوقت معين، بعد أن كانت فى السبعينيات مفتوحة 24 ساعة، وكانت المنطقة آمنة جدًّا، والتشغيل كان مستمرًّا، وكانت هناك فرص كثيرة للعمل، ولكن تحديد التوقيت أدى إلى ضيق الفرصة للعمل، وهو ما ولد التكالب بين العاملين بالهمنة على الأفواج السياحية التى أصبحت قليلة جدًّا فى السنوات الأخيرة، ومن ثم فالجمال مظلوم فى لهاثه على السائح، مشددًا على أن غلق المنطقة السياحية لا يؤدى إلى خدمة المجال. وأضاف أن ركود العمل أدى إلى بيع بعض الخيالة؛ ليكتفي باثنين بعد 10 خيول، بل إن البعض باع أثاث بيته وماتبقى لديه من مدخرات خلال سنوات حياته فى ظل الاضطرابات الأخيرة التى شهدتها البلاد، وطالب علام بتوفير تأمين صحى واجتماعى للعاملين بالخدمات السياحية، لأنهم من أصحاب الدخول غير المنتظمة، ويضطر الخيال حال مرضه للذهاب إلى أطباء القطاع الخاص بتكاليف باهظة، مضيفًا أهمية إصدار التراخيص التى تقنن وضع العاملين بالمهنة منعًا للمخالفات، وتوفير باكيات للعاملين بالبيع بدلاً من الجرى وراء السائح بطريقة تبدو همجية وغير منظمة، بحيث يتم وضعهم فى باكية صغيرة يلجأ لها السائح لشراء ما يلزمه من ورق بردى وهدايا. أما عن الاتهامات الموجهة للجمالة والخيالة بالتحرش بالسائحات، نفى علام ذلك، مؤكدًا أن الطريقة التى يلاحق بها السائح تبدو وكأنها تحرش، ولكنها هى رغبة من البائع أو الجمال لأن يفوز بالسائح قبل غيره، وبعض السائحين يعتقدون أن إمساك الجمال بأيديهم نوع من التحرش الجنسى، ولكن هذا غير حقيقى، فالسائح فى أمان من شرطة السياحة والأهالى فى نفس الوقت. وأضاف "نطالب وزارة السياحة بوضع تسعيرة موحدة عادلة على الخيالة والجمالة، ومن يخالفها يخضع للقانون، بالإضافة إلى توفير رعاية صحية بيطرية جيدة للخيول والجمال؛ لأنها الأساس ومصدر رزق لأهالى المنطقة، بدلاً من وجود وحدة صحية خاوية على عروشها لا يوجد بها أى دواء، بل إن تكاليف علاج الحصان أو الجمل المريض تتجاوز أحيانًا 300 – 400 جنيه، فضلاً عن إطعامه من العلف السليم ب 50 جنيهًا يوميًّا، فالخيل والجمل الواحد يفتح فرص عمل لأكثر من أسرة منها بائع العلف والسايس الذى ينظف الخيل، والخيال نفسه". وتابع "يترواح سعر الجمل ما بين 8 و20 ألف جنيه، وعندما يكبر ويعجز الجمل، يتم بيعه، بينما أسعار الخيول تتراوح ما بين 20 و50 ألف جنيه".