"حسناً لقد حاولوا إخراسي منذ الطفولة، سأريهم سأتكلم متى أشاء و في أي وقت و بأعلى صوت، لن يقوي أحد على اسكاتي".. ربما تجسد وتلخص هذه العبارة المسيرة النضالية للشاعر الفلسطيني الكبير سميح القاسم، الذي لم يسكته شيء حتى الموت أمس في أحد مستشفيات مدينة صفد شمال فلسطينالمحتلة بعد صراع طويل مع مرض السرطان ليكون آخر الراحلين من ثالوث شعراء المقاومة، بعد الكبيرين "محمود درويش، وتوفيق زيادة" ظل الشاعر ذو القلب الأحمر يلملم الرصاص من الصور العائلية، ويتتبع مسرى الصواريخ في لحم الأشياء المنزلية ويحصى ثقوب شظايا القنابل في جسد الطفلة النائمة، ويرقص مع إيقاع قنبلة الغاز، ثم ينهض في اللحظة الحاسمة ليلقي بقصيدته الملتهبة في وجه أعداء الشمس و يقول: ربما تسلبني آخر شبر من ترابي/ ربما تطعم للسجن شبابي/ ربما تسطو على ميراث جدي/ من أثاث و أوان/ ربما تحرق أشعاري و كتبي/ ربما تطعم لحمي للكلاب/ ربما تبقى على قريتنا كابوس رعب/ يا عدو الشمس/ لكن لن أساوم. ولد القاسم في قرية الرامة بفلسطين عام 1939 و انضم الى الحزب الشيوعي الإسرائيلي في شبابه، حمل الهم الفلسطيني على عاتقه فتعرض للسجن و الاعتقال و الإقامة الجبرية. كانت فلسطين بطاقة عبور الشاعر الى وجدان الجماهير العربية في فترة المد القومي العربي، إذ حظى في تلك الفترة بمكانة أدبية و شعرية كبيرة، و تحولت قصائده إلى أناشيد ثورية، أشهرها قصيدة " منتصب القامة أمشي" التي غناها مارسيل خليفة. و رغم ما كتبه النقاد عن ذلك الاقتران الأبدي بين شعرية القاسم وشعرية فلسطين وتصدير صورته كشاعراً حماسياً إلا أنه كتب نثريات تجاوزت تلك الصورة، فبجانب دواوينه الحماسية " دمي على كتفي، سقوط الأقنعة، ديوان الحماسة، الموت الكبير" كتب القاسم رواية " الصورة الأخيرة في الألبوم" وبعض المسرحيات والكثير من السرديات المهمة. عاش سميح القاسم حاملاً نعشه على كتفه، ورحل منتصب القامة في تلك اللحظة التي تشهد سقوط شهداء فلسطينيين على يد عدوٍ ظل يحاربه بشعره المقاوم. رحل القاسم ولكنه حتماً سيظل يزعجهم من هناك.