مصادفة غريبة أن يكون اسم قرية "عِرْسال" اللبنانية على وزن اسم "سِنمار" الذي ضرب المثل بمصيره في الجحود والنكران والشر كجزاء للمعروف! عرسال من أكثر البلدات اللبنانية إيواء للنازحين السوريين من القلمون وغيرها! وكان الجدل دائرا في لبنان خلال الفترة الماضية حول السلاح المنتشر في معسكرات الإيواء تلك! فقد كتب "رضوان مرتضى" في الأخبار اللبنانية في 8 أكتوبر (تشرين أول) 2012م مقالا حول معسكرات الإيواء المسلحة فقال نصا "انتشار المسلّحين السوريين لا يقتصر على مناطق الشمال، بل يمتد أيضاً الى مناطق الشمال الشرقي والبقاع، وخصوصاً مناطق عرسال وجرودها"!! إذا فما حدث اليوم هو فتح لخراج قديم تقيح في جسد بلدة عرسال حتى انفجر عن صديده! وليس جرحا عابرا! فمن معسكرات الإيواء تلك (وفق تصريحات قائد الجيش العماد جون قهوجي) خرجت طليعة الجراد الذي روع أهل عرسال! قبل أن تأتي عناصر النصرة وداعش من الحدود السورية لتشتبك في معركة خاضها الجيش اللبناني ببسالة، مقدما الشهداء والجرحى من رجاله! مشهد عرسال كاشف وفاضح للخطر الوجودي الذي يتهدد واقعنا العربي المعاصر! يا كل من قالوا أن حرب الجيش المصري ضد الإرهاب هي حربٌ إعلامية؛ كيف حالكم اليوم؟ يا كل من زعموا أن داعش أسطورة! وأن ما حدث في الموصل هو انتفاضة سنية؛ كيف حالكم وقد صار مع المسيحيين في الموصل ما جعل فرنسا وبعض دول الغرب تفتح باب الهجرة لمسيحيي العراق؟ ومع ذلك، تستمر "صحافة الدواعش" في تضبيب المشهد العربي عمدا! وتمارس الزنا بالكلمات جهارا نهارا! وليست "صحافة الدواعش" منتمية بالفكر الديني أو السياسي لتنظيم الدولة الإجرامية في العراق والشام، أو لأخواته مثل النصرة وغيرها! لكنها من الأقلام "المؤلفة جيوبها" لصالح ممولي الإرهاب حينا، ولصالح أطراف عربية تتوهم أن بوسعها الاستقواء بالإرهاب على خصومها السياسيين أحيانا. صحافة الدواعش تسمي الإرهابيين "مسلحين"!! فقط مسلحون!! لفظ باهت ومحايد جدا! ثم تبرر العمل الإرهابي باعتقال الجيش اللبناني لأحد منسوبي داعش تارة! وبإيداع أعداد من الموقوفين والمحكومين في سجن رومية تارة! كأن الدولة اللبنانية لا يحق لها ممارسة سيادتها بتوقيف ومحاكمة من تراه خطرا على سيادتها وأمنها! ثم تتناول تلك الصحافة المستأجرة للإرهاب مسألة الجنود المخطوفين من قبل جماعات الإرهاب، فتبدأ في الترويج لمنطق مبادلة الأسرى!!! كأن الإرهاب كيان شرعي أو حتى كيان واقعي معتبر يجوز التفاوض معه! ولا أجد ردا على مسألة التفاوض أفضل مما قاله الرئيس اللبناني الأسبق العماد "إيميل لحود" في حوار تليفزيوني؛ العمل العسكري هو الخيار الوحيد للتعامل مع الإرهابيين وعلى السياسيين في لبنان أن يتركوا العماد جون قهوجي ولا يربكوه بحساباتهم وحديثهم عن التفاوض! من يروج للتفاوض مع الخاطفين عليه أن يجيبنا؛ بأي صفة ستتفاوض مع المدعو "أبي حسن الفلسطيني"؟ بصفته أمير الدولة الإسلامية في عرسال والقلمون كما يسمي نفسه؟ لبنان العروبة اليوم – كما كانت دائما – على ثغر من ثغور الأمة العربية!! لكنه اليوم ثغر حيوي في مواجهة الإرهاب! الإرهاب الديني والطائفي الذي صنعه سادته لتكسير الجيوش العربية ومن ثم تفكيك الأوطان. لهذا، فمواجهة الجيش اللبناني مع إرهابيي النصرة وداعش في عرسال واستعادة الجنود المخطوفين ليست قضية لبنانية وحسب، بل قضية عربية بحكم امتداد مواجهة الجيوش العربية مع الإرهاب من الموصل لحلب، ومن القلمون لعرسال! لا يمكن أن نخرجها من هذا السياق. ولنا أن نقول مع اقتراب ذكرى النصر في 14 أغسطس (آب) أن الأمة اللبنانية التي كسرت العدوان الصهيوني قادرة بحول الله على كسر الإرهاب، لتخرج لبنان مع مصر وسوريا والعراق جميعها مشدودة الزمام من تلك الحرب، رغم الجراحات والمرارات! يقيننا من النصر اليوم هو يقين من معدن تلك الشعوب الأبية على الكسر، العدية على من تآمر عليها.