لم يكتف تنظيم داعش الإرهابي بذبح وقتل وإعدام مئات البشر فحسب، بل يقوم هذا التنظيم التكفيري الآن بشن حملاته البربرية الشعواء لهدم وتدمير، وإبادة التراث الإنساني والحضاري في سورياوالعراق بحجة مخالفته للشريعة. بدا أنه ليس غريباً على هذه التنظيمات عدوانها على التراث الثقافي، فهذه الظاهرة متجذرة في الفكر التكفيري الذي يضع النصب والهياكل ذات القيمة التاريخية والروحية على رأس قائمته العدائية ضد الإنسانية، ففي عام 1802م هاجمت جماعات إرهابية مدينة كربلاء بالعراق وقتلت أكثر من 9 آلاف من الرجال والنساء والأطفال وقامت بنهب الضريح المقدس للإمام الحسين، وفي عام 2001 قامت حركة طالبان الأفغانية بتدمير تماثيل بوذا في باميان بذريعة مخالفتها للشريعة وهي الحجة ذاتها التي فجر بموجبها تمثال آشوري يبلغ عمره ثلاثة آلاف سنة على يد تنظيم داعش في سوريا قبل أيام. فتاوى الهدم والتكفير امتدت إلى مصر أيضاً في عام 2012، نذكر منها فتوى الداعية مرجان سالم الجوهري القيادي في جماعة "الدعوة السلفية الجهادية" بتحطيم تمثال أبو الهول، والأهرامات، والتماثيل الفرعونية، الأمر الذي تسبب في حالة من الاستياء بين أهالي الأقصر، وقبل حملة لتشويه التماثيل في الميادين، فارتدت أم كلثوم النقاب حتى لا تثير الفتنة، ولبس طلعت حرب الجلباب ليداري عورته- بحسب ما ردد المتطرفون- وقتئذ. قائمة طويلة من الحملات التدميرية والتخريبية قام بها الإرهابيون، من أقساها ما يحدث في العراق وتحديداً في مدينة الموصل التي أصبحت خالية من معالمها الحضارية وتماثيلها ذات القيمة التاريخية العريقة، حيث قامت العناصر الإرهابية الهمجية بتحطيم وإزالة تمثال الشاعر العباسي أبي تمام الطائي، وتفجير تمثال الموسيقار والعالم الملا عثمان الموصلي، ونبش قبر المؤرخ ابن الأثير صاحب كتاب الكامل في التاريخ، وإزالة كل التماثيل الفنية التي تزخر بها شوارع المدينة العريقة،وفي كركوك قاموا بتفجير ونسف مقام الإمام علي، ومقام الإمام الرضا وحسينية ومكتبة الميرزا جواد التبريزي. كما أزالت أيضًا كل التماثيل الفنية التي تزخر بها شوارع المدينة العريقة. تقف الموصل جريحة بعد أن انتزع منها تراثها وتاريخها، وبالطبع لا يملك المثقفون سوى الشجب والإدانة، إذ أكدوا في بيان لهم: إن إزالة هذه المعالم الحضارية دليل على ظلامية القائمين بهذه الأفعال الشنيعة التي لا تمت للحضارة بصلة وتؤكد على أنهم عناصر همجية تعود إلى عصور مظلمة سحيقة، فهذه التماثيل دلالات على عظمة المدينة بتاريخها العريق الممتد إلى أقاصي الحياة ومدنيتها، وعلى إبداع أبنائها عبر الأزمنة في مختلف المجالات، وهؤلاء الثلاثة الكبار كانت أمجادهم عناوين مضيئة تتمثل فيما حققوه من روائع إنسانية ظلت سامقة على مر السنوات، وقد احتفظت الذاكرة بالكثير من نتاجاتهم التي كانت تنمو وتترعرع مع الأجيال الموصلية التي تبدي اعتزازًا بها. وكانت منظمة التربية و العلوم و الثقافة "اليونسكو" قد أصدرت عدة بيانات تدين فيها ما يحدث في العراق من نهب وسرقة وتدمير للتراث الثقافي والمقدسات الدينية، وتحذر من أن التدمير المتعمد للتراث يندرج في إطار جرائم الحرب، كما دعت الشعب العراقي إلى بذل أقصى الجهد للحفاظ على تراث بلادهم. لكن الحديث عن البيانات يبدو مضحكاً أمام الحملات التكفيرية الممنهجة التي قامت مؤخراً بتفجير أكبر وأقدم مكتبة غرب مدينة الموصل، التي تأسست قبل أكثر من 100 سنة على يد الملا محمود أصلان، وكانت تحوي عشرات الآلاف من العناوين، والكتب، والوثائق، والمخطوطات. من يعوض أحفاد الآشوريين عن تراثهم وحضاراتهم العريقة التي أبادها ويبيدها الإرهابيون، بل من يعوض الحضارة الإنسانية عن تراث يمتد عمره لآلاف السنين؟