بين اقتصاد رسمي تعمل الدولة على النهوض به من عثرته، واقتصاد غير رسمي تسعى الدولة لجمع خيوطه ولملمة أطرافه في سبيل تقنينه، يجد الفقراء والعاطلون أنفسهم على هامش الحياة، يبحثون لهم عن لقمة عيش، فلا يجدونها سوى في أكوام الزبالة وصناديق القمامة، حتى صار المجتمع يعرف هذه المهنة الجديدة "نابش القمامة" الذي يبدأ يومه قبل مطلع الفجر باحثا عن ما يسد به جوعه، أو ما يمكن بيعه ليسد به فقره، غير عابئ بالقمامة التي يتركها مبعثرة غالبا، أو بما يمكن أن ينتقل إليه من أمراض. انتشرت فى الآونة الأخيرة، ظاهرة "نبش القمامة" بعدد كبير من مدن محافظة سوهاج، وهي عادة غريبة على المجتمع السوهاجي، خاصة أن من يقوم بها هم أطفال وصبية صغار، ومع تفشي هذه الظاهرة، أصبحت عملية "نبش القمامة" والبحث فيها عن كل ما هو مفيد أمرا يدر عليهم دخلا وفيرا، حتى صارت مهنة تجتذب عددا من الشباب وكبار السن أيضا. فى البداية التقت "البديل" مع أحد "نابشى القمامة" ويدعى مصطفى حسن، وشهرته "صاصا" 20 سنة، حيث بادرنا بالحديث: نعم أعمل في نبش القمامة، وبين القاذورات أعيش أكثر ساعات اليوم، ألتقط لقمة العيش حتي أتمكن من إطعام أسرتي وأنفق عليهم بعد فشلى فى الحصول على فرصة عمل بطريقة آدمية ، خاصة وأن مؤهلي "دبلوم صنايع" أصبح مجرد ورقة تقلل سنوات التجنيد ل سنتين. وأوضح "صاصا" أنه يقيم بمنطقة غرب الكوبرى، وأن والده الذي كان عامل يومية أصبح طريح الفراش بعد أن أصابته أمراض الشيخوخة ولا يقوي على العمل، ولا يوجد أي مصدر دخل سوي بضعة جنيهات يتحصل عليها من عمله في "نبش القمامة" لرعاية أسرته وإخوته الصغار. وتابع "صاصا": أستيقظ يوميا مع صلاة الفجر، وأتوجه إلى مكبات القمامة لجمع كل ما أجده صالحا للاستخدام، من بلاستيك وعبوات وزجاجات عصائر فارغة، لبيعها لتجار الخردة من أجل بضعة جنيهات. يضيف شاب آخر يدعى "سيد.أ.م" 17 سنة، أنه لم يجد أمامه سوى تلك المهنة "نبش القمامة" والبحث داخل النفايات عن لقمة العيش التي يعود بها إلي أسرته، مؤكدا أنه لا يريد أن يتسول، لذلك اضطر لهذه الوسيلة المتاحة له حتي يجد قوت يومه، مشيرا إلي أنه يتمني أن يأتي اليوم الذي يشعر فيه أنه "إنسان" له حقوق، وأنه مواطن مصري يتمتع بالحقوق التي كفلها له الدستور والقانون، حتي لا يصبح مثل القطط والكلاب الضالة التي تشاركه "نبش القمامة". وعن هذه الظاهرة يقول أشرف عمار، مدير إحدي منظمات حقوق الإنسان: إن انتشار ظاهرة "نبش القمامة" يرجع إلى الفقر، خاصة وأن سوهاج من المحافظات الأكثر فقرا على مستوى الجمهورية، مشيرا إلي أنه يرى الأطفال صباح كل يوم يقومون بتفريغ صناديق القمامة لفرزها، ثم يجمعونها قبل مجيئ سيارات جمع القمامة التابعة للحي التي تأتي لتجد القمامة مبعثرة في قارعة الطريق بسبب "نابشي القمامة"، ما يؤثر سلبيا على المظهر العام للشوارع. وتؤكد أمل القاضى، أمينة المرأة بحزب المؤتمر، أن معظم من يشتغلون في هذه الأعمال هم من الأطفال الذين تدفع بهم أسرهم إلى صناديق القمامة نتيجة للفقر الشديد برغم الأخطار الصحية التي يتعرضون لها أثناء فض صناديق القمامة وفصل محتوياتها، خاصة نفايات المستشفيات والعيادات الطبية، وما تخلفه من سرنجات ومستلزمات طبية تم استخدامها مع مرضي قد يكونون مصابين بأمراض خطيرة ناقلة للعدوى. وطالبت ثناء توفيق، عضو حملة الجمهورية الثالثة، بإيجاد حل لهؤلاء الأطفال والصبية وأسرهم، وتوفير فرص عمل لهم، وأكدت على واجب الدولة في توفير لقمة عيش وسكن آدمي وكوب ماء نظيف لمثل هؤلاء. الدقهلية – مى يوسف يرتدون ملابس ربما تكون ثرية، ورائحتهم ليست بالكريهة، ووجوههم لا يبدو عليها ملامح القفر، عيونهم حادة، وأيديهم تنبش في القاذورات والقمامة، اعتدنا علي وجودهم صباحا وسط القاذورات والقمامة، بعد أن كانوا يستترون الليل، ربما نشاهدهم يوميا، إلي أن أصبح تواجدهم ظاهرة جديدة علينا جميعا، أغلبهم من الأطفال "نباشين القمامة"، وأصبح هؤلاء يحملون مهنة "نباش القمامة"، مهنة جديدة علي الشارع الدقهلوى، أغلبهم يقطنون المدينة، ولا يخشون رؤية أحد، النساء والرجال قليلون، ولكن الأطفال والشيوخ والشباب أغلبهم. الكثير منا خدع بهم، وأخذته الشفقة بهم منذ بداية ظهورهم، لكن الحقيقة أنهم أياد لكبار التجار والحيتان، متوسط يومية الفرد تتراوح بين "30 – 50″ علي حد قول أحدهم ل"البديل"، يفرزون القمامة ب3 حقائب، واحدة للزجاج والمعادن، وأخرى للورق، وثالثة لبقايا المأكولات، ويتم تسليمها نهاية اليوم للمعلم الذي يدير المنطقة، ويحصلون علي دخلهم يوما بيوم. حاولت "البديل" التحدث مع بعضهم، فقال علي، طفل بالعقد الثاني، وهو الوحيد الذي قبل التقاط صورة له: أنا مش زبال، نبش القمامة صنعة، يوميتى من "30- 50″ وأنت وشطارتك بقى، بصرف علي نفسى وبدى لأبويا 20 جنيه يوميا، في الأول كنت بشتغل من وراه ولما شافنى ضربنى ورفض ولما عرف المبلغ اللي باخده في اليوم قبل ومبسوط جدا. الإسكندرية- شيماء عثمان بين نار الحصول على قوت يومهم في ظل غلاء الأسعار، وبين ملاحقة الأحياء لهم، باعتبارهم عاملا من عوامل تلوث البيئة، وسببا لبعثرة القمامة حول الصناديق المخصصة لها في الشوارع المختلفة يقف نباشو القمامة في الإسكندرية. يقول البدري عبد الرحمن، أحد النباشين، إنه امتهن عددا من الأعمال خلال السنوات القليلة الماضية، إلا أنه قرر الاستقرار في جمع القمامة لكسب لقمة العيش، بعد أن عمل على مدار ثلاثة أشهر في قطاع الشحن والتفريغ بالجمرك لم يتقاض خلالها أجراً لتوقف حركة الاستيراد والتصدير. وأضاف ل"البديل" أنه عمل كمعماري لستة أشهر كان يعمل خلالها يوماً واحداً في الأسبوع، وبمرور الأيام قرر عبد الرحمن العمل كماسح أحذية ثم تركه نظراً لعجرفة بعض الشباب ونظرتهم المتعالية له، وهو الأمر الذي رفضته آدميته وكرامته كمواطن يعمل عملاً شريفاً. ورفض البدري عبد الرحمن، اتهامه ببعثرة القمامة وتلويث الشوارع، ملقياً بتلك الاتهامات على أصحاب المحال الذين يفرغون فضلاتهم خارج الصناديق لتكون نهبا للقطط التي تقوم بنبش تلك الفضلات. ولا يطمع عبد الرحمن في أي مطالب سوى أن تتركه الحكومة يأكل عيش، أو أن توفر له العمل في شركة نظافة. ومن جانبه وصف هيثم محمد السيد، مدير المكتب الفني بحي الجمرك، النباشين ب "القنبلة الموقوتة" التي إن كبرت ستكبر على الخطأ، والتي تتطلب تأهيلها من قبل الدولة، مضيفاً أنها مشكلة كبرى، يسعى حي الجمرك لحلها. وأضاف أن الحي سيقوم بالتحفظ على أي شخص يضبط أثناء قيامه بنبش القمامة وتسليمه لقسم الشرطة لتحرير مخالفة بيئية ضده، وتفرض عليه غرامة مالية، ثم إطلاق سراحه بعد التحفظ على معداته والتعهد بعدم ارتكاب الفعل مرة أخرى. البحيرة : محمود دوير تحولت "نباشة القمامة" فى البحيرة إلى مهنة تمتهنها أسر بأكملها وتتوارثها، وصار التخصص بها قائما، فمع مطلع كل فجر ينتشر نباشو القمامة فى الشوارع بحثا عن أكوام الزبالة فى سباق مع الزمن، قبل أن يبدأ عمال النظافة عملهم فى جمع القمامة فى صناديق، لتبدأ السيارات فى حملها إلى مصانع تدوير القمامة والتى يلبغ عددها ثلاثة مصانع فقط فى حوش عيسى وإدكو وكوم حمادة. يروى "جابر الصعيدى" تفاصيل يومه الذى يبدأ عقب صلاة الفجر حيث يصطحب طفله "أحمد" 14سنة، على عربته الكارو ويتجول فى حى شبرا بدمنهور ليلتقط من أكوام القمامة الكراتين الورقية وأى ورق ثمين. ويضيف "الصعيدى" أنه يعمل فقط فى جمع الكراتين، بينما يقوم آخرون بجمع المواد الصلبة مثل الحديد والصفيح والنحاس، بينما يجمع آخرون الأكياس البلاستيك الفارغة، ويؤكد أن السريحة من النبيشة مجرد "أنفار" يقومون بتوريد البضاعة حسب نوعها إلى التجار ولا يحصلون سوى على الفتات. ومابين عمالة كثيفة للأطفال، وبين شيوخ المهنة، يبدو للنساء نصيب من مهنة تتزايد مخاطرها الصحية يوما بعد يوم، فقد اعتاد سكان شارع العزيز عثمان بوسط دمنهور على رؤية الحاجة "سيدة" وقد أعياها المشيب وانحنى ظهرها من متاعب الزمن، اعتادوا أن يشاهدوها وهى تعبث بأكوام القمامة بحثا عن أى شئ مفيد، وقد اعتبرت أن عملها هذا أكرم من التسول، مضيفة أن سكان هذا الشارع لا يلقون أشياء غالية الثمن مثل شوارع دمنهور الجديدة، وتؤكد أن زبالتهم كلها أكياس بلاستيك وأدوات مطبخ وزجاج مكسر "وهو ده اللى أنا باجمعه". وفى حى دمنهور الجديدة وميدان الساعة وحى أدمون، يبدو الأمر مختلفا، حيث السكان أكثر رغدا فى عيشتهم، لكن "عبد الرحمن" أو "عبده" كما يطلقون عليه هو المسيطر على زبالة دمنهور الجديدة وحى ادمون، بينما يخشى النباشون من مطاردات الشرطة فى ميدان الساعة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فهناك فريق من العاملين فى هذا المجال تخصصوا فى نبش عربات القمامة بعد تجميعها ربما يجدون ما لم ينجح زملاؤهم فى التقاطه، ويقول "زكريا الشيخ": إن كل شئ فى الزبالة له ثمن، وأى حاجة لها زبونها وتجارها، لكن كل واحد بيشتغل فى الحاجة اللى يفهم فيها. وعلى الجانب الرسمى، فلا توجد أى خطوات لمواجهه تلك الظاهرة، ويكتفى مسؤلو البحيرة بالشجب وإدانة الظاهرة، ويقول اللواء "سيد عيسى" رئيس مدينة دمنهور: إن مواجهة ظاهرة "نباشى القمامة" يحتاج إلى قيام عمال النظافة بجمع القمامة من المنازل مباشرة، وهذا يحتاج إلى مضاعفة أعداد عمال جمع القمامة وهو ما لم يتوفر، وبالتالى فنحن نحاول مواجهة الظاهرة بنقل القمامة فى أسرع وقت إلى مصنع تدوير القمامة بحوش عيسى، والذى يبعد عن دمنهور حوالى 20كيلو متر. دمياط: صبرى أنور مئات من الأشخاص يبدأون عملهم بكل همة ونشاط قبل مطلع الشمس، فى نبش القمامة لإستخراج ما يمكن الاستفادة منه وبيعه، وعلى حد تعبير أحد هؤلاء من نباشي القمامة: فيها كنوز مخفية عن أعين الكثير من الناس ولا يعلم قيمتها إلا العاملون فيها. "عاصم.س.م." من كفر الشيخ يقول: أنا معى مؤهل عال، ولكن نظرا لعدم وجود وظائف حضرت إلى دمياط لأبحث عن أى فرصة عمل، وخطر ببالى أن أجمع كرتون من القمامة ومن أمام المحلات، وبدأت بالفعل منذ عدة سنوات أجمع الكرتون وأقوم ببيعه لتاجر الجملة بسعر الطن 800جنيه، وهو بدوره يقوم ببعيه للمصانع لإعادة تدويره. ويضيف: هناك من يقوم بجمع فوارغ الحاجة الساقعة مع قطع المعدن ويقوم ببيعها، وهناك من يقوم بتجميع كسر الزجاج وزجاجات المياه الغازية، وكل هذا يعاد استخدامه مرة أخرى، وتحتاجه المصانع لإعادة التدوير،حتى أوراق الكتب والكراسات المدرسية القديمة تباع ولها ثمن، ونحن نبدأ عملنا بعد صلاة الفجر حتى نستطيع الحصول على ما تم رميه فى الليل، وهى بالإجمال مربحة فى كثير من الأحيان، ولكن نضطر أن نخفى طبيعة عملنا عن الكثير من أهالى بلدتنا لأن الشغلانة فى ظاهرها مهين، أن يكون شاب حاصل على مؤهل متوسط أو عال ثم يضطر للنبش فى القمامة حتى يستطيع أن يعف نفسه بالحلال، وذلك على الرغم من كونها مربحة. ويضيف "عادل" أحد المشتغلين بالنبش فى القمامة وتجميع النافع منها: يوجد فى مدينة دمياط فقط المئات من الشباب يعمل فى هذه المهنة، ونقوم باستئجار مخازن نجمع فيها ما نستطيع من زجاجات مياه فارغة وبلاستكات ومعادن وكرتون، ونقوم بفرز هذه الاشياء لأن لكل صنف سعره وزبونه، ثم تأتى سيارات تجار الجملة لتحميل ما تمكنا من تجميعه، والذهاب إلى الميزان لتحديد الوزن والثمن. وهناك خاصية لدمياط وهى توافر نشارة الخشب أمام ماكينات الأخشاب وورش تصنيع الموبيليا، وتجد المئات من الشباب يتصارع على تجميع هذه النشارة من أمام الورش ومن داخلها، وتخزينها فى مخازن كبيرة، وتعبئتها فى عبوات تصنع خصيصا لها، وتحمل هذه النشارة لبيعها لأصحاب مزارع الدواجن لاستخدامها كفرش فى أرضية المزارع.