موروثنا الشعبي يذخر برصيد من الحكم والأمثال التي تبارك العنف ضد المرأة، وأبرزها " اكسر للبنت ضلع يطلع لها اتنين"، وهو ما يعكس الصورة السلبية والظالمة التي كرستها الأمثال للمرأة؛ لذا انطلق المجلس القومي للمرأة في مبادرته متحديًا هذا المثل العقيم المسيء للمرأة؛ ليأتي شعارها "اكسري حاجز الهوان.. من حقك تعيشي في أمان"، فلم يعد من المقبول في القرن 21 أن تظل المرأة هي التي تدفع الثمن وهي الفئة الضعيفة التي تكون مشاعًا للعنف، داخل وخارج الأسرة. "البديل" رصد الهدف من المبادرة وأهميتها في ظل حديث الإعلام ليل نهار عن الدور الذي لعبته المرأة منذ ثورة يناير، وكيفية القضاء على العنف الموجه ضدها.. تقول السفيرة منى عمر الأمين العام للمجلس القومي للمرأة إن العنف ضد المرأة بكافة أشكاله يعتبر من القضايا المسكوت عنها منذ فترة طويلة، ومن ثم يقوم المجلس بالتعاون مع صندوق الأممالمتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة من تنفيذ مبادرة تحت شعار "اكسري حاجز الهوان من حقك تعيشي في أمان"، من خلال العمل على ثلاثة محاور، أولها الإعلام وكسر حاجز الصمت الإعلامي حول كافة أشكال العنف ضد المرأة، ثانيها تطوير الخطاب الديني سواء إسلامي أو مسيحي، وآخرها توعية طلبة وطالبات المدارس بأضرار العنف والآثار المترتبة عليه. وأضافت عمر أن المبادرة تستهدف توفير المعلومات الأساسية حول موضوع العنف ضد المرأة من زوايا وأبعاد متعددة، وما يجب على المرأة المعنفة اتخاذه من خطوات حال تعرضها للعنف؛ من أجل بلوغ مرحلة تسهم بدرجة ما في الحد من هذه الممارسة الضارة التي استشرت في المجتمع المصري، والتي تنتهك حقوق المرأة في حياة آمنة، بل وتنتهك أيضًا حقوق الأسرة في السعادة والاستقرار. وأوضحت عمر أن "العنف ظاهرة عالمية تعاني منها النساء في مختلف المجتمعات، كما يشكل انتهاكًا شديدًا لحقوق النساء وخرقًا لكافة القيم الدينية، واعتداء على الأعراف والمواثيق الدولية"، مشيرة إلى أنه تم تعريف العنف في الإعلان العالمي للقضاء علي العنف ضد المرأة والذي وقعته الأممالمتحدة عام 1993 بأنه "أي فعل عنيف قائم على أساس الجنس، ينجم عنه أو يحتمل، ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة". وأشارت عمر إلى أنه تم عقد ورشة عمل لخطباء المساجد والدعاة وقساوسة الكنائس، حاضر فيها عدد من علماء الدين المسيحي والإسلامي من ذوي المصداقية العلمية والشعبية، مؤكدة أهميةالخطاب الديني ودوره في التأثير بشكل جوهري على اتجاهات وسلوك الرأي العام في مصر؛ لذا يسعى المجلس إلي الاستعانة بجهود السادة الدعاة والأئمة لنشر الوعي لدي الرأي العام المصري بصحيح الدين الذي ينبذ العنف ضد المرأة، وخطورة وأبعاد تلك الظاهرة. وأضافت أن المبادرة تستهدف أيضًا تقوية قدرات الإعلاميين عن طريق إقامة ورش عمل للصحفيين ومعدي البرامج؛ من أجل تكوين وعي عام جديد رافض لممارسات العنف ضد المرأة بوعي وقناعة، وإنتاج مواد إعلامية تتبنى منهجًا ثقافيًّا ومعلوماتيًّا متكاملاً يخاطب عقل ووجدان كافة شرائح الجمهور المصري. ويقول الشيخ رمضان عبد الرازق الداعية الإسلامي إنه من الضروي إعادة بناء الشخصية المصرية، وإعادة بناء للمجتمع بمفهوم جديد صحيح مبني على مبادئ الإسلام، مؤكدًا أن مظاهر العنف التي تُرتكب خلال الفترة الحالية تُعزى إلى ابتعاد الناس عن الأخلاق والقيم الحميدة، مشيرًا إلى أن آفة المجتمع هي الجهل. وأكد عبد الرازق وجوب التمييز بين صحيح الإسلام والأفعال والسلوكيات الصادرة عن بعض المسلمين الذين يتخذون من الدين شعارًا لهم ولمصالحهم الضيقة الدنيوية، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يمثله شخص؛ وبالتالي فبعض التصرفات الفردية التي تنطوي على عنف تسيء للإسلام. وشدد على أن الإسلام كرم المرأة وأنصفَها، مدعمًا ذلك بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، ومن بينها تكريم الأم "الجنة تحت أقدام الأمهات"، كما كرمها كأخت، حيث إن رعاية الأخت تعد من أسباب دخول الجنة، وكرمها كزوجة "خيركم لأهله"، كما لم تُقدم الأنثى على الذكر في القرآن الكريم إلا في آية الإنجاب "يهب من يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء ذكورًا". كما أكد أن الأديان جميعها تدعو إلى الاحترام ونبذ العنف والتعايش السلمي وثقافة الحوار وصنع مجتمع متآلف متعاون، مؤكدًا أهمية خطبة الجمعة وعظة الأحد بالكنائس ودورهما في نشر الفكر السليم الذي ينبذ العنف بصورة عامة والعنف ضد المرأة بصورة خاصة. وتقول الدكتورة هبة العيسوي إخصائي الطب النفسي بجامعة عين شمس إن ظاهرة العنف سواء الأسري أو المؤسسي أو المجتمعي الذي تتم ممارسته ضد المرأة تحتاج إلى دراسته وتحليله نفسيًّا ومعالجته بشكل طبي أولاً قبل أن يتم توجيه العقوبة عبر القوانين أو الأجهزة التنفيذية عبر وزارة الداخلية. وأشارت العيسوي إلى أن العنف ظاهرة معقدة ومركبة وليس من السهل حلها أمنيًّا، بل هي تحتاج إلى توعية وإرشاد نفسي يبدأ من الأسرة ثم المدرس فالجامعة، ومن ثم خلق هذا المناخ الصحي العام لن يتولد عنه أي مظاهر للعنف ضد المرأة. وأكدت أن العنف الأسري أحد أخطار العنف ضد المرأة، ويترتب عليه العديد من الآثار الاجتماعية والنفسية، من ارتفاع معدلات الطلاق والتفكك الأسري، بالإضافة إلى نشأة أطفال يجنحون للعنف والعدوانية ويكون لديهم اضطراب في المسلك، بل تصبح النساء حزينات ويعانين من الاكتئاب والعصبية والشعور بالإهانة، فضلاً عن عدم الثقة بالذات، وفقدان الإحساس بالأمن والأمان مع الزوج. فيما أكد جمال فهمي وكيل نقابة الصحفيين ضرورة أن يتحول الدستور الجديد إلي تشريعات وقوانين تجرم التمييز والإخلال بمبدأ المساواة، مشددًا على أهمية وجود سلاح قانوني يلزم الصحفي باحترام القوانين التي تلزمه بعدم عرض أي مادة صحفية تتضمن تمييزًا ضد المرأة، مثل أن يكتب أحد الكتاب في عنوان مقال "النساء ناقصات عقل ودين"، فبموجب الدستور لا بد أن يمنع هذا المقال من النشر؛ لأنه يعتبر جريمة، مشددًا على أن تطبيق الدستور من خلال قوانين رادعة يعتبر بداية التطور وتغيير ثقافة التمييز. وفيما يتعلق بالتناول الصحفي لقضايا المرأة، أعرب فهمي عن أن المرأة كانت تقدم في صفحات الحوداث على أنها الجاني وليس المجني عليه، مشيرًا إلى أن هذه الصورة النمطية تم تغييرها خلال السنوات الأخيرة نتيجة التطور الفكري والسياسي الذي حدث في المجتمع، والدور الكبير الذي لعبته المرأة في الحياة السياسية الذي لا يستطيع أحد أن ينكره. وأشار فهمي إلى وجود العديد من المشاكل الخاصة بالتناول الإعلامي لقضايا العنف ضد المرأة؛ نظرًا للعادات والتقاليد والثقافة السائدة في المجتمع، فالصحفي غير ممكن من عرض هذه الحوادث بطريقة كاملة دون حجب أي معلومات بسبب الضغوط المجتمعية، مشيرًا إلي أن الخطاب الديني الذي كان سائدًا خلال حكم الإخوان الذي كان يستخدم الدين كستار يخفي وراءه كمًّا هائلاً من السلوكيات المنحرفة (على حد قوله) كان الأسوأ من حيث الإساءة للمرأة المصرية، وكان جزءًا من العدوان على المرأة.