ما زالت مصر تعاني التخبط وعدم القدرة على اتخاذ القرارات التي تنهض بالقطاع الزراعي وتحافظ على مواردنا المائية المهددة من قبل أثيوبيا التي انتهت من بناء 30% من سد النهضة دون الالتفات إلى الأضرار التي تقع على دول المصب، وكأن مصر تفتقر إلى الكفاءات القادرة على وضع إستراتيجية تعيدنا إلى مصاف الدول المتقدمة في الزراعة. «البديل» حاورت الدكتور نادر نور الدين – أستاذ الموارد المائية والأراضي بكلية الزراعة جامعة القاهرة، في محاولة للوقوف على بعض الخطوط العريضة التي تسهم في التوصل إلى حلول لمشكلاتنا المزمنة التي نعاني منها في كلا القطاعين. ما الأخطاء التي ارتكبتها مصر خلال مفاوضات سد النهضة؟ من أخطر الأخطاء التي ارتكبتها مصر، ولم ينتبه لها أي مسئول الموافقة على الشرط الأثيوبي بأن يدون في أوراق اللجنة الدولية المكلفة بمعاينة السد (معاينة سد تحت الإنشاء) وليس (مقترحا لإنشاء سد) لأن الفارق كبير بين العبارتين، فلو رفض الجانب المصري إدراج هذه العبارة ما كان باستطاعة أثيوبيا أن تبدأ في بناء السد أثناء المفاوضات التي ستمتد لفترة ليست بقصيرة، بجانب امتثال الجانب المصري لطلب أثيوبيا تقديم الاعتذارالرسمي عما بدر من نظام محمد مرسي «الاجتماع الشهير الذي تمت إذاعته على الهواء وتضمن تهديدا لأثيوبيا»، وبالفعل قدمت مصر الاعتذار، مما أضعف الموقف المصري. لماذا استجابت أثيوبيا لطلب مصر بإجراء حوارات تفاوضية طالما هي الجانب الأقوى؟ السبب الحقيقي وراء قبول أثيوبيا الجلوس على «ترابيزة المفاوضات» مشكلة التمويل، لأن أثيوبيا طلبت من كل دول العالم تمويل عملية الإنشاء التي تقدر بخمسة مليارات و500 مليون دولار لبناء جسم السد ومليارين و500 مليون دولار للتوربينات وخطوط الضغط العالي، وبالفعل استجابت بعض الدول في بداية الأمر لطلبها، إلا أن الضغوط المصرية على حكومات هذه الدول جعلها تنسحب من تمويل السد كالصين وكوريا والإمارات، مع العلم أن البنك الدولي رفض من بداية الأمر تمويل المشروع، وعندما فقدت أثيوبيا مصادر التمويل، اضطرت إلى فتح قنوات التفاوض بعد مرور سنة ونصف من رفضها الاجتماع مع الجانبين المصري والسوداني لتعرض عليهم أن يكونوا شركاء في بناء السد، في محاولة لإعادة رسم ميزان القوى في المنطقة، وتكون أثيوبيا المتحكمة في مقدرات باقي الشعوب، وهو الهدف الرئيسي من بناء السد؛ وقد اتفق على هذا الرأي العام الدولي، حيث نشرت إحدى الصحف الأجنبية تقول إن «أثيوبيا تبني مجدها على جثث المصريين». هل يعني هذا أن الغرض الحقيقي من بناء السد ليس توليد الكهرباء أو إحداث تنمية بأثيوبيا؟ هل يعقل أن تملك أثيوبيا أربعة عشر نهرا، وأقامت بالفعل 13 سدا لتوليد الكهرباء، ولا يكفي كل هذا لسد حاجتها من الكهرباء وتنمية دولتها؟. بالإضافة إلى ذلك فإن أثيوبيا غيرت مواصفات السد بعد ثورة 25 يناير، حيث كان بارتفاع 90 مترا تحتجز خلفها بحيرة بسعة 14 مليار متر مكعب من المياه، وهي المواصفات التي رفضها الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، لدرجة أنه في أعقاب رحلة الوفد الشعبي لأثيوبيا عقب قيام الثورة قال رئيس أثيوبيا عن مبارك: «لقد رحل الشيطان» لأنه من وجهة نظره كان يرى أن العقبة في تنفيذ بناء السد هي «مبارك». وقد استغلت أثيوبيا انشغال المسئولين المصريين بالشأن الداخلي، وشرعت في بناء السد، بل ذهبت أبعد من ذلك بأن غيرت مواصفاته ليصبح ارتفاعه 145 مترا، ووزادت سعته التخزينية لتصل إلى 74 مليار متر مكعب، مع العلم بأن المواصفات الجديدة لن تزيد من الطاقة الكهربائية المتولدة بدرجة كبيرة إذا كان الدافع منها زيادة توليد الكهرباء! ما حقيقة أن سد النهضة في حقيقة الأمر 4 سدود؟ هذه حقيقة لا خلاف عليها، فسد النهضة ليس سدا واحدا لكنه بالفعل سلسلة مكونة من أربعة سدود بسعة إجمالية 200 مليار متر مكعب على النيل الأزرق الذي كل تصرفه 48 مليار متر مكعب في السنة، ويمد مصر والسودان بنحو 64% من حصتيهما في مياه النيل، لأن معدل الطمي في مياه النهر عال للغاية حيث يبلغ 245 مليون طن طمي سنويا وهو المعدل الذي تؤكد الدراسات أن بإمكانه أن يردم سد النهضة كاملا قبل خمسين عاما، وبالتالي فلا بد من إقامة ثلاثة سدود خلفه (سد المابل – سد البوردر – سد كرادوبي ) لتقليل عملية الإطماء على السد الكبير، وسعة كل سد فيهم 40 مليار متر مكعب أخرى من المياه بخلاف البخر من بحيرة كل سد والتي تزيد عن 10 مليار متر مكعب سنويا لكل منهم، والخرائط المقترحة من موقع وزارة الري الأثيوبي تثبت صحة ذلك، إلى جانب أن النيل الأزرق آخر نهر يصلح لإقامة السدود عليه، وبذلك تكون أثيوبيا تتحدى مصر، وأؤكد أن هذا ليس سدا بقدر ما هو مشروع إبادة جماعية للشعب المصري وإعلان الحرب على مصر. كيف نتلافى أخطار السدود الأربعة؟ لا بد من تمسك مصر بالعودة إلى التزام الجانب الأثيوبي بمواصفات السد القديمة التي بدورها لن تكون في حاجة إلى بناء السدود الثلاثة الملحقة بالسد الرئيسي لأنهم في هذه الحالة بلا جدوى. وماذا سيطرأ على نهر النيل من تغيرات بعد الانتهاء من السد أو السدود الأثيوبية؟ سيتحول إلى مجرد «ترعة»، فبدلا من أن نحصل على حصتنا من مياه النيل خلال فترة الفيضان «ثلاثة أشهر» سنحصل عل احتياجاتنا من المياه يوما بيوم، ولن يقتصر الأمر على ذلك، بل سيلغي دور السد العالي وبحيرة ناصر، وبالتالي لن يكون عندنا أي مخزون من المياه نستخدمه أثناء أعوام الجفاف، فدورة مياه النيل نقسمها 3 مراحل، سبعة عجاف «فيضان شحيح» وسبعة سمان «فيضان عالي»، وستة في المتوسط، وفي سنوات الجفاف ستحصل أثيوبيا المياه كلها وتموت مصر من العطش. أثيوبيا اتهمت مصر بسرقة مياه النيل. ما دلائلهم على هذا الاتهام؟ لم يقتصر الاتهام على ذلك فقط، بل امتد إلى القول بأن مصر تعطي المياه للأغنياء فقط وتحرم الفقراء، وبررت ذلك بتوفيرالحكومة المياه لملاعب الجولف المتواجدة في المنتجعات السكنية، والحقيقة أن مصر تقوم بتوزيع حصتها من المياه كالتالي: 80% للزراعة، 10% للصناعة، 10% للمنازل والمحليات. كما ادعت أثيوبيا أن مصر تنقل المياه خارج مجرى نهر النيل إلى الصحراء، وهو ما يخالف القوانين الدولية، وأوضح هنا أنه منذ عام 1952 وطبقا لتقديرات البنك الدولي، فقدت مصر 2 مليون فدان، ومن حق مصر أن تعوضهم عن طريق زراعة الصحراء، فمنطقة توشكى وهي إحدى المناطق المستصلحة تقدر مساحتها ب 540 ألف فدان ومشروع ترعة السلام مساحته 620 ألف فدان، أي أن مصر لم تعوض ما فقدته من أراض زراعية، كما أن هذه المناطق لا تعد خارج حوض النهر لأن الفيضان كان يصل إليهاعن طريق الفرع البالوظي الذي وصل لسيناء «سهل الطينة». ما تقييمك لفريق المفاوضين المصريين؟ المفاوض المصري «ضعيف»، ويجب أن نضع في الاعتبار عند اختيار المفاوضين أن التفاوض مع أثيوبيا أصعب من التفاوض مع إسرائيل، فيجب أن يكون المفاوض ملما بعلوم المياه والزراعة والبيئة والتصحر وتغيرات المناخ، لكن للأسف مصر أرسلت «موظفين»، استطاعت أثيوبيا من خلالهم وضعنا في موقف الدفاع لا الهجوم.