يتأثر الإنسان بغيره ممن يشاركهم الحياة جوارا وتعاملا إنسانيًا، حقيقة قديمة قدم البشر، لكن الغريب أن يتأثر الإنسان بالجماد، وهذا هو حال عمال مصنع الحديد والصلب الذين اكتسبوا من الحديد صلابته وقوته، فرغم ملامح الحزن التي تكسو وجوههم بسبب ما يتعرض له المصنع الذي بني بسواعدهم ودمائهم، فإنهم يواصلون الاعتصام الذي فجره تجاهل الدولة لمصنع من أكبر المصانع في مصر، وكذلك تجاهل حقوقهم المادية وعدم صرف أرباحهم السنوية. بدأ التفكير في إنشاء مصنع الحديد والصلب عام 1932 بعد توليد الكهرباء من خزان أسوان، إلا أن قرار تأسيس شركة الحديد والصلب لم يصدر إلا عام 1954، بهدف استغلال مناجم الحديد وكل الأنشطة المتعلقة بصناعة الحديد والصلب كأول مجمع متكامل في العالم العربي، وأقيم المصنع في التبين، بالكيلو 35 جنوبالقاهرة، على مساحة حوالي 1700 فدان، وتزايد العمال به حتى وصل عددهم حاليًا إلى 12 ألف عامل. بدأت الشركة العمل عام 1961 وقيدت في البورصة المصرية في نفس العام، على أن يكون إنتاجها للاستهلاك المحلى والتصدير بطاقه إنتاجيه 2ر1 مليون طن صلب خام سنويا مطابقة للمواصفات العالمية والمحلية. بعد رحلة استمرت أكثر من 50 عاما من العطاء وخدمة الاقتصاد المصري، لم يتم إحلال وتجديد المعدات خلالها على الإطلاق، بالإضافة إلى عدم توفير الفحم اللازم لتشغيل جميع القطاعات، توقفت 3 أفران "1، 2 ، 4″ بالمصنع؛ وفرن رقم 3 فقط هو الذي يعمل بنسبة 30% من طاقته الإنتاجية، حتى أوشك المصنع على الانهيار تماما. بدأت الأزمة منذ 2006، وتفاقمت منذ 2010، حتى وصلت ذروتها في الوقت الراهن بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، حيث كلفها رفع الدعم عن أسعار الطاقة المستخدمة في مراحل الإنتاج زيادة قدرها 14% بالنسبة للكهرباء فقط بخلاف الغاز الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع تكلفة الطن من المنتج. تم التوسع في مصانع حلوان بالتعاقد مع الاتحاد السوفيتي السابق في سبتمبر عام 1964، وكان العقد ينص علي زيادة إنتاج الصلب من 300 ألف طن إلي 1.5 مليون طن سنويا، واعتمد هذا التوسع علي توقف منجم أسوان واستخدام خامات الواحات البحرية للمجمع بأكمله والأفران العالية الأربعة الموجودة فيه. تبدأ المراحل الإنتاجية بالشركة من جلب المواد الخام من المناجم التلبيد الأفران العالية الصلب الأكسجينى الصب المستمر الدرفلة على الساخن درفلة الكتل والقطاعات الدرفلة على البارد التشكيل على البارد. وتنتج المصانع: «مربعات سحب لحديد التسليح مسطحات مدرفلة على الساخن والبارد قطاعات إنشائيه خفيفة ومتوسطة وثقيلة قطاعات مشكلة على البارد». مر المصنع برحلة زمنية طويلة، بدأت قواه في التناقص مع الوقت، فتهاوت المعدات، وقل الفحم الذي يعتمد عليه في التشغيل، وحينما طالب العمال بإعادة المصنع إلى سابق عهده باعتباره يمثل صناعة من أهم الصناعات الكبرى التي يجب الحرص عليها، إلا أن مطالباتهم ظلت تلاقى بالرفض من كل مسئول، حتى اضطروا مؤخرا إلى الاعتصام، وظل أمر الاعتصام بين شد وجذب حتى التقى بهم وزير القوى العاملة أمس الاثنين، ووعد بعرض مطالبهم على مجلس الورزاء. كان اقوى اعتصام لعمال الحديد والصلب في الأول من أغسطس 1989 كما يذكر صلاح الأنصاري – القيادي العمالي السابق بالحديد والصلب، قائلا إن هذا الاعتصام كان ملحمة بمعنى الكلمة، حيث انطلقت الرصاصات الحية والمطاطية والقنابل المسيلة للدموع صوب صدور العمال المعتصمين في عهد وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، عن طريق حوالي 15 ألف جندي تقلهم المصفحات، وأسفر الاقتحام عن مصرع العامل عبد الحي محمد، وإصابة عشرات العمال بالرصاص، وتم إلقاء القبض على ما يقرب من ألف عامل، واجهوا اعتداءات بالضرب والسب طوال الطريق أثناء اقتيادهم إلى أقسام الشرطة التي لاقوا فيها أشد صنوف التعذيب، خصوصًا قادة الاعتصام الذين سلموا أنفسهم بعد فشلهم في الهرب. ويضيف «الأنصاري»: شهد هذا الاعتصام آنذاك عدة صور للتضامن، بدرجة لم يستطع زكي بدر – وزير الداخلية آنذاك مجابهتها إلا بشن حملات اعتقالات واسعة، لمحاربة هذا التضامن وتفتيته وتبديد قواه، حيث تشكلت لجنة تضم أحزاب «التجمع، الوفد، الأحرار، الحزب الناصرى»، بالإضافة إلى الشيوعيين، المنظمة المصرية لحقوق الإنسان – كمراقب، فضلا عن لجنة الحريات بنقابة المحامين، والفنانين والفنانات والكتاب، فمن الفنانين والفنانات تواجد على سبيل المثال «تحية كاريوكا، محسنة توفيق، توفيق صالح، عاطف الطيب، حمدى غيث، عبد الرحمن أبو زهرة» وغيرهم. وعن الأوضاع المتدهورة الراهنة التي يشهدها مصنع الحديد والصلب العريق، قال يحيى عبد العال – أحد العمال، إن سبب التوقف النهائي للإنتاج يرجع إلى عدم توريد فحم الكوك. أما عن مطالب العمال المعتصمين، فقال المهندس محمود بكير – المدير العام للشركة، صرف الأرباح ليس المطلب الأوحد أو الأول للعمال، وإنما يتمثل مطلبهم الأساسي في ضرورة إصلاح أحوال الشركة وتدخل الدولة لدعمها وتوفير الاحتياجات اللازمة، وخاصة فحم الكوك، حتى تعود عجلة الإنتاج إلى الدوران وتعاود الشركة الاضطلاع بدورها في دعم الاقتصاد الوطني. وأشار إلى وجود مطالب أخرى للعمال، منها إقالة رئيس الشركة القابضة للصناعات المعدنية، لأنه متواجد في منصبه منذ عهد حكومة نظيف وما زال في منصبه كل هذه المدة التي تقترب من 10 سنوات، رغم تخطيه عمر 75 عاما. فيما كشف مصطفى نايض – عضو اللجنة النقابية بالشركة، وأمين عمال حزب التجمع عن أن رئيس الشركة القابضة يرفض إبرام عقد جديد بين الحديد والصلب وشركات أخرى لتوريد الفحم، حتى تتلاعب شركة الكوك بالأسعار، ولا تلتزم بالتوريد دون مسؤلية. وأضاف «نايض» أنه فى أكتوبر 2010 رفض مسئولو الشركة ضخ استثمار بقيمه 300 مليون جنيه لتحديث المعدات، فى الوقت الذى يسمح بتأجير سيارات من أحد المقاولين ب 250 ألف جنيه شهريا لنقل العمال، رغم وجود أسطول سيارات تابع للشركة، متسائلا: ما جدوى نقل العمال دون توفير الخامات اللازمة للإنتاج؟، مطالبا بضرورة تدبير جميع عناصر تشغيل الشركه (مكن صالح – خامات – عمال)، مضيفا أن وجود المستشارين التابعين للإدارة يكلف الشركة نحو 154 ألف جنيه شهريا دون أن يؤدوا أي دور. أما شركة النصر لصناعة الكوك والكيماويات الأساسية، فقد أنشئت بغرض توفير الفحم للشركة، وخفضت من توريداتها لتصل في بعض الأحيان إلى 30% فقط من الكميات التي ينص عليها عقد التوريد، حيث يتم توريد 650 طنا كمتوسط يومي من الفحم الخشن، بدلا مما يتراوح بين 1800 و2000 طن يوميا، مما تسبب في انخفاض كميات الإنتاج بنسب بلغت في بعض الفترات 60% من الكميات المخططة بالموازنة التقديرية. وعن أزمة مصنع الكوك مع مصانع الحديد والصلب، يقول صبحي بدير – القيادي النقابي بشركة الكوك، إن سببها تقادم معدات المصنع التى مر عليها أكثر من 30 عاما، وتوقف البطارية الثالثة المصنعة للفحم، كاشفا عن أن مديونية شركة الحديد والصلب لمصنع الكوك وصلت حاليا مليار جنيه. وأضاف أحد العمال أنه حتى الإنتاج الحالي "الضئيل" تتم سرقته بسبب الغياب الأمني والهجوم المتكرر على الشركة الذي راح ضحيته أفراد الأمن. وأشار إلى وجود مخزون من الحديد يقدر بنحو مليار جنيه تعجز الإدارة عن تسويقه بسبب الفشل والتجاهل المتعمد – بحسب وصف العامل- . وأضاف عامل آخر، أن دولة أوكرانيا كانت عرضت على رئيس الشركة منحنا الفحم مقابل الحديد، غير أنه رفض هذا العرض وغيره من العروض دون أن نعلم لماذا. وتساءل وائل أبو زيد – أحد العمال: «لحساب مين الشركة واقفة؟ الأول كانت لحساب عز وهشام مصطفى، دلوقتي مين المستفيد؟». يذكر أن نتائج أعمال شركة الحديد والصلب خلال النصف الأول من العام الماضي تظهر تسجيل خسائر 311.6 مليون جنيه، وخلال الفترة من يونيو 2011 حتى نهاية مارس 2012، سجلت خسائر نحو 396.8 مليون جنيه، بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتعرض منتجاتها للسرقة خلال فترة الاضطرابات الأمنية التي شهدتها البلاد، فعمليات السطو المسلح التي طالت ممتلكات الشركة كبدتها خسائر بنحو 20.1 مليون جنيه. وكشف العمال أنه منذ عدة سنوات عندما وصل سعر طن الحديد إلى 8 آلاف جنيه، بلغت أرباح الشركة مئات الملايين من الجنيهات (مثلاً في عام 2003/2004 بلغت الأرباح 332 مليون جنيه)، ووقتها تم إيداع 2.6 مليار جنيه لدى الشركة القابضة، ولم يستثمر هذا المبلغ في تطوير أو تحديث المصنع حتى الآن.