إذا كانت قضية "الزواج المبكر" من أهم القضايا التي تبدو في ظاهرها مضرة بنصف المجتمع، إلا أنها تحمل في طياتها عواقب وخيمة يضار منها المجتمع بشكل عام، حيث يترتب عليها زيادة أعداد أطفال الشوارع وارتفاع معدلات الطلاق، بجانب إهدار نص الطاقة العاملة في المجتمع نتيجة لحرمان الفتيات من التعليم والعمل. وتتراكم هذه النتائج في ظل دولة مكبلة ومقيدة بالكثير من الملفات الاقتصادية والاجتماعية، ويبقى الأمل في منظمات المجتمع المدني كأحد أهم أعمدة تنمية المجتمع المحلي من خلال تقديم حلول عملية لمواجهة الظاهرة خارج الصندوق. يرى "وحيد الدسوقي" خبير التنمية وعضو مؤسسة الحق في التنمية، ضرورة تحقيق التكامل بين مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، فإذا كانت الأسرة المراد توعيتها بنبذ ختان الإناث أو الزواج المبكر، ولكن في نفس الوقت تعاني من الفقر والمرض وعدم حصولها على الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء، فلن تقتنع هذه الأسرة بأي توعية اجتماعية فيما يتعلق بهذه الممارسات العنيفة ضد الفتيات. وأشار إلى ضرورة توحيد جهود المجتمع المدني في توفير الحد الأدنى من هذه الخدمات المعيشية للأسرة، ما يجعلها أكثر اقتناعا وثقة بما يراد توعيتها نحوه. وطالب بأهمية استغلال الفن كوسيلة لترسيخ مفاهيم اجتماعية جديدة معاكسة لتلك التقليدية المسيئة للمرأة، فإذا كانت المجتمعات الريفية والصعيدية والعشوائية تميل إلى الأغاني والمواويل، يتم كتابة نصوص غنائية توضح خطورة الزواج المبكر والنتائج السلبية المترتبة عليه بأسلوب فني بسيط يؤدي تكرار استماعه إلى طرد الأفكار السلبية عن سترة الفتيات أو الخوف من تأخرهن في سن الزواج. أما عن الإجراءات الوقائية القانونية يطالب الدسوقي، منظمات المجتمع المدني بالتعاون مع الدولة بكتابة قوائم سوداء للمأذونين المتورطين في كتابة عقود عرفي للقاصرات ويحتفظوا بها حتى تصل الفتيات للسن القانوني 18 عاما، ثم يبدأ في تسجيل وثيقة الزواج، وتساهم هذه القوائم في فضح هذه الألاعيب الرخيصة التي يلجأ لها المأذون وتجبر الأسر على التفكير جيدا في المسألة القانونية لتزويج فتياتهن مبكرا. بينما تطالب "أحلام القاضي" رئيس جمعية بنت الريف بقنا، بأهمية انتشار الخطاب الديني المعتدل الذي يرفض "الزواج المبكر"، مشيرة إلى أن قنا تعتبر من أكبر محافظات الوجه القبلي التي تأثرت بصعود التيارات الإسلامية بعد ثورة يناير، نظرا لانتشار القرى المهمشة والفقيرة التي كانت أرضا خصبة لامتصاص كل الأفكار المتطرفة التي أعادت أوضاع النساء بالمحافظة مليون سنة للوراء. وأشارت إلى أهمية الدولة في توفير الخدمات الأساسية من تعليم وصحة وأماكن ترفيه لهذه الأماكن الفقيرة، حتى تجعلها قادرة على محاربة ظواهر كالزواج المبكر والختان، مؤكدة أن بعض القرى بالمحافظة أصحبت ترفض تعليم فتياتها خوفا من عدم زواجها، لأن الخطاب الديني المتشدد وصم المرأة المتعلمة بصورة سلبية من التحرر وعدم النجاح في رعاية الأسرة وتربية الأطفال، وأن المتعلمة زوجة غير مطيعة بل ستجبر الزوج على النقاش والجدال، وهو بالطبع ما يرفضه فهو يحتاج لفتاة تابع ووسيلة لإنجاب الأطفال فقط. ومن جانبها قالت "عايدة نور الدين" رئيس جمعية المرأة والتنمية بالإسكندرية، إن أحد أهم الآليات لمواجهة ظاهرة الزواج المبكر ضرورة نشر الوعي لدى الفئات المستهدفة التي تعاني من نقصا حقيقيا في المعرفة بحقوق الطفل والقوانين التي تنظمها، وهم القضاة والمحامين، وأن القضاة ووكلاء النيابة مازالوا يتعاملون مع حقوق المرة والطفل من خلال قانون الأحوال الشخصية، فضلا عن أن المحامين لديهم قصور في عدم استخدامهم للمواثيق الدولية والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر بشان حقوق الطفل والمرأة، والتي تعتبر بمجرد توقيعها لها سلطة القانون المصري. كما أكدت على أهمية دور الإعلام في تغيير الصورة النمطية عن المرأة "الجسد" دائما، لأنه يكرس لمفهوم أن المرأة كائن جنسي قابل للانحراف، لأن هذه النماذج السلبية عن المرأة هي التي توصل للنتائج المرتبطة بأسباب إقبال الأسر علي الزواج المبكر تحت مصطلح "السترة" وهو مفهوم يرتبط بأفكار عن العار والحماية والشرف، الذي ترغب الأسرة في ستره سريعا حتى لا تجلب الفتاة العار لأهلها، ومن ثم يمثل الزواج الحماية لها لأن شرف كل رجال الأسرة مرتبط بسلوكها. بينما تنفذ "صباح الخفش" مدير الجمعية المصرية للتنمية الشاملة برنامجها "من أجل طفل متميز" في المناطق الشعبية كالمرج ودار السلام والفيوم، مؤمنة بأن التعليم هو الأساس للقضاء على ظاهرة الزواج المبكر، من خلال تنظيم حملات توعية في هذه المناطق تقوم برفع وعي الأطفال بأهمية التعليم ودوره في نجاح حياتهم ومجتمعهم، فضلا على توعية الطفل بحقوقه. في الوقت نفسه تعاني محافظة شمال سيناء من وجود المدارس التي تعد أحد الأسباب التي تدفع القبائل لتزويج فتياتهن مبكرا، حيث تؤكد "ميرفت" رئيس جمعية سيناء الخير بالعريش، أن الطابع القبلي بسيناء يعد عبئا إضافيا على الفتيات، فضلا عن البيئة الجغرافية للمحافظة من غياب التنمية والعمران الذي ترتب عليه حرمان القرى السيناوية من الخدمات الأساسية من المدارس والمستشفيات ومراكز الشباب والمواصلات، وتحولت سيناء إلى مساحات شاسعة تنتشر فوقها العشش التي تتباعد الواحدة عن الأخرى كيلومترات. أضافت أن الفتاة السيناوية تحرم من التعليم بعد المرحلة الابتدائية نظرا لانعدام المدارس والخدمات ويكون مصيرها للزواج المبكر علي الفور، بالرغم من رغبة الفتيات في التعليم بل وتفوقهن، إلا أن الظروف القبلية والاجتماعية تقتل ذلك الطموح، ومن ثم تتحمل الدولة مسئولية إعمار سيناء بشكل حقيقي وليس خططا على ورق.