ظهر يوم 25يناير ، يتحرك ضمن مسيرة "مصطفى محمود" شاب عشريني بعد تلقي الدعوة عبر "الفيس بوك" يحمل بيده وردة حمراء وفي اليد الأخرى علم مصر، يهتف ضمن الهتاف الجماعي وتسحبه قدماه حتى يجد نفسه في مقدمة المسيرة فيعتلي أحد أركان الشارع ليقدر بنظره حجم المتظاهرين، فتتسع الابتسامة على شفتيه ويزداد احمرار وجهه حتى يلمح سوادا في نهاية الشارع يكتشف بعد ثواني أنه أحد كردونات الأمن المركزي يقطع الطريق أمام المسيرة، تتباطأ قدميه وتتراجع خطواته حتى يذوب وسط الموجه البشرية الهائلة ليشعر ببعض الأمان مع ترقب حذر للارتطام القادم لا محالة، تمر الدقائق بطيئة حتى تقترب مقدمة المسيرة وتندفع الصفوف الأولى باتجاه الكردون الذي ينفتح في حركة مفاجئة وتصطف العساكر على جانبي الطريق لتمر المسيرة بسلام، فتنفرج أسارير الشاب ويراجع تعلميات "الفيس بوك" ثم يتقدم إلى الضابط المسئول عن الكردون ويقدم له الوردة مع عبارة "شكرا يافندم" يردها إليه الضابط بإيماءة من رأسه، مع ابتسامة عريضة تظهر منها أسنانه، يمضي الشاب مع المسيرة ممتلئا بالتفاؤل، بينما يلقي الضابط الوردة على الأرض ويتناول اللاسلكي متحدثا إلى قيادته وتختفي الابتسامة من على وجهه بينما تظهر اليد الأخرى المتوارية خلف ظهره بالهراوة السوداء. كان يشعر بدمائه الساخنة تغطي وجهه والسواد يحيط به، بينما تخترق أذنه أصوات "الموتوسيكلات" التي كانت وروادها هم الإسعاف الحقيقي والناجز لمصابي أحداث "محمد محمود" وصراخ المحيطين به تجاه أحد المسعفين لنقله من مكانه، لم يكن يعلم كيف بدأت الأحداث أو كيف تنتهي وما الذي أتى به للمشاركة في فعاليات اليوم، كانت كل علاقته بالشرطة سابقا هي حكايات من أصدقاء مقربين بينما ظل تعامله مع الشرطة لم يتجاوز شباك السجل المدني ، الاحتكاك الأول كان في فض اعتصام 25 يناير ولكن الرعب الحقيقي شعر به أثناء خطبة الجمعة 28 يناير بمسجد الاستقامه عندما بدأت الداخلية هجومها قبل انتهاء الصلاة ، لم يدخل شارع محمد محمود الا لاستجلاء الحقيقة ، لماذا تصر الداخلية على استمرار الاشتباكات بالرغم من قدرتها على انهاء الاشتباك في أي لحظة ، هل عادت الداخلية لتنتقم لنفسها من أحداث 28 يناير ، وأين الضباط الشرفاء ؟ أين ذلك الضابط الذي فتح الكردون يوم 25 يناير ، ترتعد أطرافه حين يستعيد ذاكرته بأخر ما رأت عيناه فوهة البندقية الموجهة اليه وخلفه وجه مألوف أشبه ما يكون بوجه ضابط 25يناير ، ليس نفسه ولكن نفس الملامح بنفس الزي الأسود ونفس الباريه ، لقد اخترقت عيناه الغاز والدخان والظلام – كما اخترقته الرصاصة – لتتأكد من انه نفس الشخص ، بالتأكيد هو ولكن ألم يتعرف عليه أثناء تصويبه للبندقية، ألم تتعرف نفس اليد التي تناولت الوردة ظهر ذلك اليوم اليه فترفض اطلاق الرصاص .لم يحدث أبدا أن رفضت اليد اطلاق الرصاص . لم يصدق ما حكاه أصدقاءه حتى رأى بنفسه ، من خلف زجاجات نظارته الشمسية التي أصبحت رفيقا ملازما له منذ اليوم المشئوم ، نظر بعين واحدة تجاه شارع الذكريات "محمد محمود" وقد وقفت على مقدمته مدرعات القوات المسلحة بينما تحيط بالجزيرة الرئيسية بالميدان سيارات الأمن المركزي من كل جهة لتأمين موكب رئيس الوزراء الذي حضر لوضع حجر الأساس للنصب التذكاري لشهداء ثورتي يناير2011 ويونيه 2013 ، جال ببصره في الميدان ثم تركز بصره على ابتسامة مألوفة تعلو وجه أحد ضباط الأمن المركزي يقف وسط لفيف من ضباط الشرطة تتراوح رتبهم بين لواء ونقيب ، لم يكن زي الضابط يختلف قليلا ولكن الرتب فوق كتفه أصبحت أثقل حجما وتعلق بذراعه سلاح ألي أوتوماتيك أسود صناعة تركية ، تذكر الشاب كل ما تحدث عنه زملاؤه الرافضين النزول لاحياء ذكرى محمد محمود الثانية ، تذكر بيان الداخلية في اليوم السابق الذي أعلنت أنها ستشارك الثوار في الذكرى السنوية لهم ،ابتسم حين تذكر رفيقه الثوري في برنامج "التوك شو" وهو يحذر من النزول والاحتكاك بالداخلية التي تحمي الثورة من الارهابيين ، اتسعت ابتسامته حين تذكر تحية الرئيس المعزول محمد مرسي للداخية في خطابه الأخير ، ولكن لم تتحرك عيناه من على الضابط وفكر قليلا كيف يتشارك معه احياء ذكرى اصابته، ثم واتته الفكرة و تخيله في مشهد أخر يختلف عن ابتسامته يوم اعطاه الوردة ويختلف عن عبوسه أثناء تصويبه للبندقية ، ثم انطلق في طريق عودته الى ميدان طلعت حرب وقد حسم قراره بشأن المشاركة في احياء ذكرى محمد محمود الثانية.