تمر قطر في ظل قيادة الأمير تميم بن حمد آل ثاني بعملية "إعادة تموضع محدود. Limited Re-positioning، لن ينتج عنها تغير سياسات قطر الخارجية، ليس تجاه دول الخليج فقط، وإنما إزاء القضايا الإقليمية الرئيسية أيضًا، وتكشف جولة الأمير تميم الأخيرة إلى كل من البحرينوالإمارات وعمان والكويت، عن اتجاه قطر إلي "مهادنة" دول الخليج، فيما يتعلق ببعض القضايا الخليجية، دون أن تمتد هذه "المهادنة" إلى قضايا إقليمية أخرى، علي غرار العلاقات مع إيران والصراع في سوريا. رسالتان رئيسيتان: ارتبط بجولة الأمير تميم بن حمد الأخيرة إلى كل من البحرينوالإمارات وعمان والكويت، ارتفاع التوقعات حول ما ستكشف عنه هذه الجولة فيما يتعلق بتوجهات الأمير تميم إزاء دول الخليج، خاصة وأنه منذ وصوله للسلطة لم يكشف عما إذا كان سيسير على نهج والده، وما إذا كان قادرًا على علاج القضايا محل الخلاف بين قطر ودول الخليج أم لا. ولكن يبدو أن هذه الجولة هدفت إلى توجيه رسالتين، مرتبطتين تحديدًا بسياسات الأمير تجاه دول الخليج، تتعلق الرسالة الأولى بحاجة قطر إلي " تبادل وجهات النظر" حول القضايا الإقليمية والدولية مع هذه الدول، خاصة وأن تطورات العامين الماضيين، كشفت عن وجود فجوة في المواقف والتوجهات والتقييمات الخاصة بالتطورات التي شهدتها المنطقة، سواء تلك المتعلقة بصعود الإخوان المسلمين للسلطة في مصر وتونس، أو تلك المرتبطة بالوضع في البحرين واليمن، فضلا عن عدم وجود أطر تسمح بمناقشة هذه التطورات مع قطر. وتتمثل الرسالة الثانية، في حاجة قطر إلى تفعيل دورها في إطار مجلس التعاون الخليجي، دون أن يتعارض مع دور المملكة العربية السعودية، في إطار "تفاهم" ما بين الدولتين، وهو ما يشير إليه حديث الأمير تميم عن دعم قطر للمبادرة التي طرحها العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، في 21 ديسمبر2011، للانتقال من مرحلة "التعاون" بين دول الخليج العربية الست إلى مرحلة "الاتحاد". "مناخ" إقليمي معادٍ لقطر؟ تأتي زيارة الأمير تميم إلي دول الخليج، في إطار عملية "إعادة تقييم" تقوم بها القيادة القطرية الجديدة لسياساتها الخارجية، خاصة في ضوء الحقائق الجديدة التي فرضتها ثورة 30 يونيو في مصر، وتلك المتعلقة بمحدودية النفوذ الذي يمكن أن تمارسه واشنطن للتحكم في مسار التغيير في المنطقة، لا سيما في سوريا، حيث أصبح من الواضح أن المكانة التي احتلتها قطر في الفترة الماضية، من حيث كونها "عاصمة سياسية" يناقش فيها مستقبل التغيير في المنطقة، وطبيعة التحولات الإقليمية التي دعمت ذلك، لم تعد قائمة، إذ أصبح هناك تزايد في نشاط الإمارات والسعودية باعتبارهما الدولتين الداعمتين للاستقرار في المنطقة. كما بات واضحًا، أن الأوضاع الإقليمية التي خلقت "الحالة" القطرية طوال العامين الماضيين، لم تعد كما هي، خاصة فيما يتعلق بسياسات قطر تجاه الخليج، ويعد تصريح رئيس الاستخبارات السعودية الأمير بندر بن سلطان، في شهر أغسطس الماضي، عن أن دولة قطر "ليست سوى 300 شخص.. وقناة تليفزيونية، وهذا لا يشكل بلدًا"، انعكاسًا لكيفية تفكير بعض قادة الخليج في قطر. ولعل اقتصار رد قطر على "تغريدة" وزير الخارجية القطري خالد العطية، والتي جاء فيها أن "مواطنًا قطريًا يعادل شعبًا، وشعب قطر عن أمة بأكملها، هذا ما نلقنه لأبنائنا مع كامل الاحترام والتقدير للآخر"، هو مؤشر آخر على عدم رغبة قطر في الاصطدام مجددًا مع السعودية، وذلك رغم أن النشطاء القطريون على "تويتر" عبروا عن استغرابهم من عدم صدور نفي سعودي لتلك التصريحات، التي رأوا فيها "إساءة لدولة قطر ولشعبها"، وشنوا حملة في "تويتر" على الأمير بندر عبر هاشتاج بعنوان "لله -درك – يا – قطر"، في حين أطلق ناشطون آخرون وسمًا بعنوان "قطر- 300 شخص- وقناة" سخروا فيه من تصريحات الأمير بندر ضد قطر. ويبدو أن تغير "المناخ" الخليجي، يمثل أحد أسباب التحول في توجهات الأمير تميم المعلنة تجاه هذه الدول، دون أن يترتب على ذلك، تحول في سياسات قطر الخارجية تجاه قضايا إقليمية أخرى، على نحو يخدم التوجهات الخليجية المعلنة، حيث لا يزال هناك خلاف فيما بينها حول الموقف من إيرانوسوريا. فمن ناحية، لا يزال الأمير تميم يرغب في مواصلة التقارب مع إيران، وهو ما بدا بشكل جلي عندما وجه دعوة إلى الرئيس الإيراني حسن روحاني، في 15 أكتوبر الفائت، لزيارة بلاده، والتي رد عليها الأخير، خلال اتصال هاتفي مع الشيخ تميم، بتأكيده أن سياسات طهران تتمثل في تطوير علاقاتها مع دول الجوار وتحديدًا الدول المطلة علي الخليج. ويمكن القول، إن هذا الانفتاح على "إيران-روحاني" قد يسمح لقطر بأن تقوم بمهمة "المُسهل" facilitator فيما يتعلق بدعم دور إيراني ما في التسوية السلمية للصراع في سوريا، وبلعب دور ما في مؤتمر "جنيف- 2″. ومن ناحية ثانية، باتت قطر تدعم الدعوة إلى حل سياسي في سوريا، فعقب إنهاء أزمة مخطوفي "أعزاز" في 18 أكتوبر الفائت، بالتعاون مع تركيا ولبنان، والتي تعثر حلها لمدة 17 شهرًا برغم تدخل عدة دول، بسبب تعنت نظام الرئيس السوري بشار الأسد، بدا أن ثمة نهجًا جديدًا يتبلور في سياسة قطر الخارجية، ويتمثل في التقارب مع النظام السوري، حيث دعا الأمير تميم، في 5 نوفمبر الجاري، إلى "حل سياسي" يحقق مطالب الشعب السوري على أساس "جدول زمني محدد"، لا سيما أن قرار واشنطن الأخير بعدم توجيه ضربة لنظام الأسد، لم يلق استياءً ملحوظًا من جانب قطر علي عكس السعودية، كما أن التركيز الأمريكي على "الكيماوي السوري" يعيد تأهيل الأسد كشريك للمجتمع الدولي. وأخيرًا، يمكن القول إن "إعادة تموضع" قطر في الإقليم في ظل قيادة الأمير تميم، لا تزال قيد التشكل، وإذا كانت جولته الأخيرة كشفت عن بعض توجهاته تجاه دول الخليج، فإن درجة استقرار هذه التوجهات، وتحولها إلى نمط مميز للسياسة القطرية خلال الفترة المقبلة، لا تزال تحكمها حالة عدم يقين، خاصة وأن سياسات قطر إزاء القضايا غير الخليجية لا تزال بعيدة عن صيغة التفاهم والتهدئة التي تتبعها مع القضايا الخليجية. المصدر: المركز الإقليمي للدراسات الإستراتيجية