(1) شهدت الجامعات المصرية منذ ثورة 25 يناير حراكا طلابيا متصاعدا، أحدث تطورات ملحوظة في مناخ وبنية المجتمع الجامعي، من أبرزها ما يرتبط باللوائح والقوانين الطلابية. وتقوم فلسفة بناء اللائحة الطلابية – منذ لائحة 1958 – على كونها لائحة "لتنظيم" الأنشطة في الجامعات، أو بمعنى أدق تقييد الأنشطة الطلابية وانتهاك حريات الطلاب. ورغم أن لائحة يناير 2013 التي صاغها اتحاد طلاب مصر المحسوب آنذاك على جماعة الإخوان المسلمين، لم تختلف كثيرا عما سبقها من لوائح، إلا أنها كانت النسخة الأفضل في تاريخ اللوائح الطلابية رغم الملاحظات الكثيرة حولها، وهذا ما تجلى فى إجراء انتخابات طلابية شهدت تراجع طلاب الإخوان وعودة اتحاد طلاب مصر قانونا. وقد منحت لائحة يناير 2013 الطلاب حق تعديل اللائحة الطلابية من خلال المؤتمر العام لاتحاد طلاب مصر، الذي يُشكل من المؤتمرات العامة لاتحادات طلاب الجامعات الحكومية (رئيس الاتحاد ونائبه وأمناء وأمناء مساعدي اللجان إلى جانب رئيس ونائب رئيس اتحاد كل كلية بالجامعة)، ويختص المؤتمر العام لاتحاد طلاب مصر باقتراح تعديل اللائحة الطلابية بناءً على طلب مقدم من ثلث عدد الأعضاء ويقره الثلثان. وبناءً على نتيجة الانتخابات الطلابية التي أجريت في مارس وأبريل 2013، يمتلك طلاب الإخوان المسلمين نسبة تزيد على الثلث في المؤتمر العام لاتحاد طلاب مصر مما يمكنهم من تعطيل أي تعديل للائحة لا يحظى بتوافق جميع القوى الطلابية، ولكن منحت التطورات السياسية منذ سقوط مرسي وإقصاء طلاب الإخوان من المكتب التنفيذي لاتحاد طلاب مصر، الفرصة للمجلس العام لاتحاد طلاب مصر لتعزيز علاقته بالحكومة الجديدة ووزير التعليم العالي. وافق الوزير على تعديل اللائحة من خلال المجلس العام لاتحاد طلاب مصر (والذى يتكون من رئيس ونائب رئيس اتحاد كل جامعة حكومية واثنين ممثلين لكل من المعاهد العليا وجامعة الأزهر والجامعات الخاصة)، في مخالفة قانونية واضحة للائحة الطلابية.وتشكلت عقب ذلك لجنة من قبل المجلس العام لاتحاد طلاب مصر (رفض طلاب الإخوانالعمل معها)، وعملت هذه اللجنة على تعديل اللائحة، إلا أن المناقشات تجاوزت تمامانصوص لائحة يناير 2013. وطرحت اللجنة من خلال المسودة التي فتحت باب الاقتراحات حولها "قانون طلابي" قائم على أفكار لاتحاد طلاب كلية الهندسة بجامعة الاسكندريةقدمها العام الماضي ورفضها طلاب الإخوان آنذاك. (2) يمنح القانون المقترح الاتحادات الطلابية للمرة الأولى في تاريخ مصر دورا نقابيا للدفاع عن حقوق الطلاب والمشاركة في صناعة القرار بالكليات والجامعات، بدلا من حصر دور الاتحاد في تقديم الأنشطة والخدمات والترفيه عن الطلاب. وسيمتلك اتحاد الطلاب صلاحية قانونية لتمثيل الطلاب في مجالس الكليات والجامعات والمجلس الأعلى للجامعات، والرقابة على كل ما يخص شئون الطلاب، ومشاركة ممثلي الطلاب في مجالس التأديب، ومحاولة تحديد العقوبات والتهم بها. ويفرق القانون في بابه الأول بين اتحاد الطلاب الذي يمثل الطلاب ويحصل على عضوية المجالس الجامعية ويراقب على المنظومة التعليمية، وأمانة النشاط التي تختص بالقيام بالأنشطة الطلابية المختلفة. إلا أنه يمنح اتحاد الطلاب كذلك سلطة الرقابة على أمانة النشاط وعلى الأنشطة التي تقوم بها الكيانات الطلابية (الأسر والحركات)، إلى جانب الإشراف على هذه الأنشطة، وتلزم الأسر والحركات بتقديم طللب للاتحاد قبل تنظيم النشاط يشمل كافة التفاصيل عنه، مما يعد إهدارا لحق الطلاب في التعبير الحر عن آرائهم وتنظيم الأنشطة دون تدخل أو رقابة من أي سلطة – حتى إذا كانت منتخبة -، فالأصل كفالة الحريات الأساسية لجميع الطلاب ولا يمكن تقنين رقابة الطلاب على أنفسهم. وعندما نقلت لائحة يناير 2013 الرقابة على الأنشطة من إدارة الكلية أو الجامعة إلى اتحاد الطلاب، ومنحت الحق لمجلس اتحاد الطلاب بأغلبية الثلثين في رفض إقامة أي نشاط بحجة مخالفة "أهداف الاتحاد"، استخدم طلاب الإخوان ذلك في العام الدراسي الماضي لإلغاء نشاط المسرح في كلية العلوم بجامعة القاهرة ! (3) تنقسم لجان اتحاد الطلاب وفقا لمسودة القانون إلى لجنة الحقوق والحريات التي تتيح للطلاب المنتخبين عضوية مجالس التأديب والاطلاع على موازنة الكلية أو الجامعة ومتابعة صندوق التكافل، ولجنة البنية التحتية والمنشآت التي يحق لها الاطلاع على المناقصات والمزايدات ومتابعة المكتبات وتوفير مقرات للأنشطة والأسر، بالإضافة إلى لجنتي شئون التعليم والرقابة. ويثير دور لجنة شئون التعليم تساؤلات حول تعارضه مع الحرية الأكاديمية، فكيف يمكن أن يتم تمثيل الطلاب في مجالس الأقسام العلمية ؟ أو أن يقوموا بتقييم الأساتذة والمناهجومتابعة درجات الامتحانات وحضور المؤتمر العلمي للكلية أو الجامعة.. إذ تعد هذه الاختصاصات شئون أكاديمية وعلمية بحتة، لا يمكن بأي حال من الأحوال مشاركة الطلاب فيها. أما لجنة الرقابة التي تتابع عمل أمانة النشاط (6 لجان للأنشطة) والفصل في المشاكل التي تحدث مع الأسر والحركات، فدورها لا منطق له، في ظل ضرورة تفكيك أمانة النشاط، وقصر دورها فقط على تنسيق الأنشطة الطلابية الكبيرة (مسابقات المسرح والجوالة إلخ)، ليتم فتح المجال العام بالجامعات أمام الأسر والحركات الطلابية والأفراد للتعبير عن الرأي وتنظيم الأنشطة وممارستها بحرية تامة. حتى الآن لا يبدو في الأفق أننا بانتظار حوار طلابي موسع يشارك به ممثلو الحركات الطلابية والأسر ومجموعات النشاط ويتيح الفرصة لجموع الطلاب لقراءة مسودة القانون الطلابي المنتظر ومناقشة محتواها، وإذا كان اتحاد طلاب مصر ووزير التعليم العالي بالحكومة الانتقالية قد اعتبرا أنه بالإمكان تجاوز الطريقة القانونية لتعديل اللائحة الطلابية، وطرح مسودة قانون طلابي بدلا عنها، فإنه من اللازم – والمنطقي أيضا – أن يكون القرار الأخير للطلاب بطرح القانون الطلابي المنتظر لاستفتاء عام، لبيان مدى قبول أو رفض المجتمع الطلابي له، ولضمان إقراره وفقا لطريقة ديمقراطية دون إقصاء.