نقيب الصحفيين: اتفقنا مع وزير الأوقاف على أهمية صون الحياة الشخصية بما يكفل حرية الصحافة    هالة السعيد: انخفاض معدل حوادث الطرق 33% بين عامي 2018 و2022    النرويج: ملتزمون باعتقال نتنياهو حال أصدرت «الجنائية الدولية» مذكرة بحقه    عار عليك.. متظاهرون يمنعون بلينكن من التحدث ويقاطعون كلمته 4 مرات متتالية    هشام نصر يشيد بأداء يد الزمالك أمام الأهلي في نهائي دوري المحترفين    الزمالك يشكر ياسين البحيري لاعب نهضة بركان المغربي    حسين السيد: زيزو وعواد وصبحى لن يرحلوا عن الزمالك ولم نفكر فى لاعبى نهضة بركان    الرئيس التنفيذي لاتحاد جدة يجتمع بوكيل أليجري للتفاوض حول تدريب الفريق الموسم المقبل    كاميرات المراقبة تكشف كذب ادعاءات «أجنبي» باستبدال أمواله بعملات محلية| فيديو    ننشر تفاصيل ضوابط تصوير الجنازات.. أبرزها تخصيص «فيست» للمصورين    "مبقيش كتير".. موعد وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    أزهري: ليس من حق الآباء إجبار بناتهم على ارتداء الحجاب    المصري يفوز على النصر القاهري بهدفين لهدف وديا استعدادا لمودرن فيوتشر    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    البحوث الفلكية: الأحد 16 يونيو أول أيام عيد الأضحى المبارك 2024    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    «رفعت» و«الحصري».. تعرف على قراء التلاوات المجودة بإذاعة القرآن الكريم غدا    محمد عبد الحافظ ناصف نائبا للهيئة العامة لقصور الثقافة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    رفقة سليمان عيد.. كريم محمود عبدالعزيز يشارك جمهوره كواليس «البيت بيتي 2»    خصومات تصل حتى 65% على المكيفات.. عروض خاصة نون السعودية    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من تنفيس جهنم على الدنيا    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    تأثير استخدام مكيفات الهواء على الصحة.. توازن بين الراحة والمخاطر    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    رئيس الوزراء يتابع موقف منظومة رد الأعباء التصديرية    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    ب ممارسات حاطة بالكرامة والتقييد.. شهادات توثق تعذيب الاحتلال ل معتقلي غزة (تقرير)    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    "سيارة الغلابة".. انخفاض أسعار بي واي دي F3 حتى 80 ألف جنيه (صور)    زراعة النواب تقرر استدعاء وزير الأوقاف لحسم إجراءات تقنين أوضاع الأهالي    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    في اليوم العالمي للشاي.. طريقة تحضير «بسكويت الماتشا» في المنزل    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    روسيا تفشل في إصدار قرار أممي لوقف سباق التسلح في الفضاء    «ختامها مسك».. طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان اللغة الإنجليزية دون مشاكل أو تسريبات    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مارك فوتا: الإسماعيلي تواصل معي لتولي الأكاديميات وتطوير الشباب    شبانة: مندهش من الأحداث التي صاحبت مراسم تتويج الزمالك    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    استعدادات وترقب لقدوم عيد الأضحى المبارك 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السببية في الفيزياء الكلاسيكية وفيزياء الكوانتم
نشر في البديل يوم 01 - 11 - 2013


السببية في الفيزياء الكلاسيكية
يمكن القول أن البنية المنطقية لجميع نظريات الفيزياء الكلاسيكية تقوم على أساس أن الحوادث في العالم الخارجي، والتي دائماً ما تقتصر على الطبيعة غير الحية، إنما تتبع تطور سببي صارم، والذي يكون محكوماً عن طريق قوانين صارمة في الزمان والمكان.وهذا يعني؛ أنه عند لحظة معينة تكون لدينا فيها معرفة تامة لفئة من الظروف الأولية لحالة نسق فيزيائي ما، والذي قد يكون نسقاً ميكانيكياً، أو مجالاً كهرومغناطيسيا، أو غيرهما، فإن التطور المستقبلي لهذا النسق يمكن استنتاجه بيقين رياضي كامل من قوانين الطبيعة، ويكون قابلاً للتنبؤ به تماماً)1(.
ومن ثم فإن العالم قد بدا في الفيزياء الكلاسيكية لكي يكون محكوماً عن طريق مجموعة من القوانين التي تصف وتتنبأ بدقة بجميع الحالات الممكنة للأنساق الفيزيائية منذ بداية الكون وحتى نهاية سلسلة الحالات المستقبلية. ولذلك فإن الفيزيائيين النظريين الكلاسيكيين بدوا أنهم مقتنعون تماماً بالسببية الميكانيكية الكاملة كساعة مصنوعة بشكل دقيق)1(.
وفي الحقيقة، فإن وصف الظواهر في الفيزياء الكلاسيكية، بصفة عامة، إنما يرتكز على كميات قابلة للقياس بوصفها أسباب، وكميات أخرى بوصفها نتائج.حيث أن الميكانيكا النيوتينية، والتى فيها حالة نسق ما من الجسيمات المادية تكون محددة عن طريق معرفة سرعاتها ومواضعها في آن واحد، قد برهنت على أنه يكون من الممكن، عن طريق مبادئ بسيطة معروفة تماماً؛ أي، قوانين الحركة، استنتاج حالة النسق في أي لحظة مستقبلية، انطلاقا من معرفة حالته في لحظة معينة، وانطلاقا من معرفة جميع القوى المؤثرة عليه )2(.
ومن ثم، وكمبدأ عام، فإن الحالة الآنية لأي نسق من الأنساق الفيزيائية هي سبب لحالته المستقبلية، وهي أيضاً نتيجة لحالته الماضية.ومن هنا ارتبطت السببية بالحتمية في الفيزياء الكلاسيكية؛ فإذا كانت السببية Causality إنما تشير إلى العلاقة الحاصلة بين الأسباب والنتائج بصورة آنية، فإن الحتمية Determinism إنما تشير إلى ديمومة وضرورية تلك العلاقة في كل آن. وبذلك يمكن القول، وفي ضوء الحتمية، بأن الحالة الآنية لوضعية ما هي نتيجة ضرورية لحالتها السابقة، وهي علة ضرورية لحالتها اللاحقة.ومن ثم، وبوضع هذه الضرورة بعين الاعتبار، تعتبر الحتمية حالة خاصة للسببية.
على أية حال، فإن العلاقة الضرورية للسببية وصورتها الأكثر تطرفا؛ أعني الحتمية، شكلت العقيدة الحتمية العلمية للفيزيائيين الكلاسيكيين بصفة عامة.وهو ما عبر عنه لابلاس Laplace (1749 – 1827) في عبارته الشهيرة حيث يقول :
"يجب علينا أن نضع في اعتبارنا حالة الكون الراهنة بوصفها نتيجة لحالته السابقة، وأيضاً كسبب لحالته اللاحقة.وإذا افترضنا وجود كائن خارق الذكاء يعرف جميع القوى المؤثرة في الطبيعة في لحظة معينة، بالإضافة لجميع المواضع المتكررة في كل لحظة لجميع الأشياء في الكون، فإنه سوف يكون قادراً على أن يتضمن في معادلة واحدة مُفردة، حركات أكبر الأجسام بالإضافة إلى حركات أصغر الذرات في العالم، شريطة أن ذكاءه يكون من القوة بما يكفي لأن يُخضع جميع المعطيات للتحليل، وبما يكفي لأن لا يكون هناك شيء غير متيقن منه بالنسبة له، وحينئذ فإن المستقبل بالإضافة للماضي سوف يكون بادياً أمام ناظرَيْه")1(.
من هنا يتبين لنا أن لابلاس يرتكز في فلسفته، وكشأن معظم الفلاسفة الطبيعيين الكلاسيكيين، على التسليم بمبدأ السببية باعتباره مبدأ قبليا apriori، والذي يتضمن ضرورة وحتمية تلازم الأسباب بمسبباتها.وبما يعنيه ذلك من إمكانية التنبؤ اليقيني بالأحداث المستقبلية شريطة المعرفة التامة بجميع ظروف الوضعية الراهنة.إن هذا يتضمن أيضا أن عدم إمكانية التنبؤ اليقينى بالتطورات المستقبلية لحالة نسق ما، أو مجموعة من الأنساق، إنما يعزى للجهل ببعض المعطيات الآنية للحالة.ومن ثم فإننا نلجأ للاحتمالاتprobabilities لتعويض ذلك النقص أو"الجهل".فالاحتمال"بخلاف اليقين"إنما يتضمن في جوهره نقص بالمعرفة الدقيقة للمعطيات والظروف الأولية المتطلبة من أجل تحديد التطور المستقبلي أو التنبؤ، بحالة نسق ما، لا لكونها غير قابلة للتحديد أصلا ومن حيث المبدأ.
وطبقا، لهذا التحليل، فإنه يمكننا أن نفهم كيف يمكن أن تتضمن الميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية classical statistical mechanics أيضا، بشكل أو بآخر، السببية والحتمية في جوهرها. حيث أن الميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية في صورتها الأصلية تفترض أن غازًا ما، مثلا، هو عبارة عن مجموع عدد هائل من الجسيمات الدقيقة أو الجزيئات، والتي يمكن تحليل حركتها في ضوء معادلات الميكانيكا النيوتينية.ولكن لما لم يكن بالإمكان التحقق بالتجربة من الحالة الميكانيكية الأولية لنسق من الجزيئات كهذا، فضلاً عن عدم إمكانية التنبؤ بالحالات الميكانيكية الأخرى للنسق بسبب الصعوبات الرياضية؛ فإن اللجوء للطريقة الإحصائية كان أمراً لا مفر منه، والتي تتنبأ فقط بقيم متوسطة average values معينة للمقادير المرتبطة بالحركات المفردة للجزيئات.)1(
ولذلك، فإن العبارات الواردة في الميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية، إنما كانت"إحصائية"بسبب نقص المعلومات عن العلاقات السببية التي تربط جزيئات الغاز، حيث أن جزيئات الغاز كانت كبيرة جدا بما يكفي لعدم إمكانية تحديد حركات كل منها بدقة تامة في وضعيتها الآنية، فضلا عن عدم إمكانية التنبؤ بتطورها المستقبلي.وحيث أن المواضع والسرعات الأولية للجزيئات كانت غير معروفة، فإن المسارات الإحصائية كانت هي المسارات الوحيدة المتاحة.ومن ثم، فإن التوزيعات الإحصائية كانت لا مناص منها، والتي تعزي فقط لنقص المعلومات عن العلاقات السببية السائدة بين أجزاء النسق (جزيئات الغاز)؛ أو بمعنى آخر، وبمصطلحات لابلاس، بسبب الجهل بجميع عناصر الحالة الراهنة)2(. وبكلمات أخرى، فإن التوزيعات الإحصائية في الميكانيكا الكلاسيكية إنما تكون نتيجة للقيود restrictions التي تفرض نفسها self – imposed بشكل تلقائي، والتي تَحُدُّ من مقدار المعلومات الأفضل، والتي يمكننا من خلالها الحصول على تقريب نافع لوصف تفصيلي تام وقابل للمعرفة بشكل مثالي لسرعات ومواضع الجزيئات المفردة )3(.
وبناء على ذلك، فإنه يمكن القول، أنه وعلى الرغم من أن الميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية لا تتنبأ بالحالات الميكانيكية المُفردة لجزيئات الغاز، فإنه سيكون من الخطأ أن نستنتج أن الميكانيكا الإحصائية لا تتضمن السببية والحتمية؛ بسبب أن الميكانيكا الإحصائية تتضمن مبادئ الميكانيكا الكلاسيكية، حيث أنها تفترض مبدئياً أن الحالة الأولية الميكانيكية للجزيئات المُفردة تحدد بشكل فريد الحالة الميكانيكية في أي لحظة أخرى)4(. ومن ثم، فإن الميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية تتضمن في جوهرها السببية والحتمية التي قامت عليها الميكانيكا النيوتينية، والفيزياء الكلاسيكية عموماً.
كذلك، فإن الوصف السببي الحتمي للظواهر الكهرومغناطيسية يكون متضمنا في صلب وجوهر معادلات ماكسويل عن المجال الكهرومغناطيسي والتي تُخبرنا بالتطور المستقبلي الذي يمكن أن يتخذه ذلك المجال في المكان والزمان بشكل دقيق.فعند معالجتنا لمجال كهرومغناطيسي يتطور مع الزمن، فإننا لا نضع في اعتبارنا فقط مواضع وسرعات الجسيمات المشحونة (كما في الميكانيكا النيوتينية)، بل إننا نضع في اعتبارنا أيضا اتجاه وكثافة القوى الكهرومغناطيسية عند كل نقطة في الفضاء في لحظة معينة، والتي يمكن لنا منها أن نتنبأ بمواضع وسرعات واتجاهات وكثافة القوى الكهربية والمغناطيسية في اللحظة التالية)1(.
ومن هنا، فإنه يمكننا القول، أن الإليكتروديناميكا الكلاسيكية قد احتفظت في معالجتها للأنساق الكهرومغناطيسية، بالسببية والحتمية، التي كانت سائدة في معالجة الأنساق الميكانيكية النيوتينية، على الرغم من أن حالة الأنساق الكهرومغناطيسية قد ازدادت تعقيداً بشكل لافت للنظر. وبذلك يمكننا أن نقرر حقيقة أن الميكانيكا النيوتينية الكلاسيكية لم تكن النظرية الوحيدة التي اعتنقت عقيدة السببية والحتمية؛ بل إن تلك العقيدة كانت قد شكلت، ولو بشكل أقل وضوحًا، صلب وجوهر العديد من نظريات الفيزياء الكلاسيكية الأخرى، كالميكانيكا الإحصائية الكلاسيكية والالكتروديناميكا الكلاسيكية.
علاقات اللايقين لهيزنبرج:
يمكن القول أن علاقات اللايقين Uncertainty Relations التي اكتشفها فيرنر هيزنبرج Werner Heisenberg (1901 1976) في مارس من العام 1927، تشكل حجر زاوية في تأويل مدرسة كوبنهاجن لنظرية الكم، والتي تمت صياغتها بطريقة رياضية محكمة. إننا هنا سوف نقصر أنفسنا على الدلالة الفيزيائية لهذه الصياغة وتضميناتها الفلسفية، والتي تضع، بشكل عام، قيدًا على التحديد المتآني لزوج من المتغيرات المقترنة معًا، كموضع وكمية تحرك جسيم ما، أو الطاقة والزمن؛ حيث أن المعرفة الدقيقة لإحداها، تستتبع تلقائيًا نقصانًا في تحديد الخاصية الأخرى المرتبطة بها (1).
وفي الحقيقة، فإنه يمكننا أن نستكشف جذور علاقات اللايقين لهيزنبرج من خلال التأويل الإحصائي لبورن للمعادلة الموجية لشرودنجر. فطبقًا لبورن فإن الدالة الموجية المتضمنة في المعادلة الموجية لشرودنجر، إنما تعبر عن احتمال تموضع جسيم ما في مكان ما من الفضاء. فإذا كانت حالة النسق ممثلة عن طريق الدالة الموجية، فإن احتمالية تموضع الجسيم في مكان معين، إنما تكون متناسبة طرديًا مع قيمة الدالة الموجية في تلك المنطقة، أو بالأحرى، مع مربع الدالة الموجية. فإذا ما كانت الدالة الموجية منتشرة في طول الذرة وعرضها، حينئذ فإنه لا يمكننا تحديد موضع الإلكترون، رغم أن بعض المواضع تكون أكثر احتمالاً من الأخرى. إن الدالة الموجية هنا تمثل موضع الجسيم بدرجة تقريبية، وتمثل كمية تحركه أيضًا بدرجة تقريبية. هذا يعني أنه يكون من المستحيل عمليًا تعيين موضع الجسيم وكمية تحركه معًا في نفس الوقت بدقة مطلقة، فهذه الأشياء هي موجودة فقط بقدر ما يمكن تعينيها عن طريق دالة الموجة المتعلقة بالتوزيع الاحتمالي (2).
على أية حال، فإن هذا الوصف الفيزيائي الجديد لحالة نسق ما والمتعلق بالتوزيع الاحتمالي لإحداثى الموضع وكمية التحرك، قد أدى بهيزنبرج لإعلان مبدأه اللايقين وتعميمه على أي زوج من المتغيرات؛ أي، زوج من القابلات للملاحظة الخاصة بنسق ميكانيكي كمي المترابطة معًا مثل الموضع وكمية التحرك أو الطاقة والزمن (3). فلو أن التوزيع الاحتمالي لإحداثى الموضع يكون مرتكزًا على قيمة أكثر احتمالاً، فإن التوزيع الاحتمالي لكمية التحرك سوف يكون منتشرًا على نطاق واسع، ومن ثم يكون ذي قيمة أقل احتمالا ً(1). إن نفس حالة الأمور يمكن تطبيقها مع زوج آخر من المتغيرات المقترنة معًا كالزمن و الطاقة. فلو أن التوزيع الاحتمالي للحظة الزمنية Lifetime، التي يمكن أن تنحل فيها ذرة ما، يرتكز على قيمة أكثر احتمالاً، فإن التوزيع الاحتمالي للطاقة المصاحبة لهذه الحالة، يكون أقل احتمالا ً (2)، والعكس بالعكس.
والآن، فإنه يمكننا أن نوضح ما المقصود بمبدأ اللايقين الذي يتضمن العلاقات المنوه عنها سابقًا. إن مبدأ اللايقين يشير، وبكلمات ادنجتون Eddington، إلى :
"أنَّ جسمًا ما قد يمتلك موضعًا دقيقًا أو قد يمتلك سرعة دقيقة، ولكنه لا يمكنه أن يمتلك كليهما معا بأي معنى دقيق"(3).
ومن هنا، فإنه ينبغي علينا التأكيد على نقطة جوهرية، والتى تتضمن وضع مبدأ اللايقين في صورته الصحيحة، والتي غالبًا ما يساء فهمها، وهي: أن هيزنبرج لم يُشر إلى أنه لا يمكن تحديد موضع الجسيم أو كمية تحركه بدقة مطلقة؛ ولكنه أشار إلى أنه لا يمكن تحديدهما معًا في نفس الوقت Simultaneous بدقة مطلقة.ومن ثم، فإن مبدأ اللايقين لا يسري إلا عند قياس زوج من المتغيرات المقترنة معًا لنسق مفرد؛ حيث أن الدقة في قياس أحدهما يستتبع تلقائيًا نقصانًا في دقة قيمة الكمية الأخرى القابلة للملاحظة المرتبطة بها.وبالرغم من حقيقة أنه لا يمكننا التنبؤ بدقة مطلقة بقيمة إحدى القابلات للملاحظة لنسق كمي مفرد من عملية قياس مفردة، فإنه يمكننا، على أية حال التنبؤ بدقة كاملة من قيمة قياس هذه الخاصية، عندما نقوم بإجراء عدة عمليات لقياس تلك الخاصية، والتي نحصل في كل مرة منها على قيمة مختلفة.وبحساب المتوسطات الإحصائية لهذه العمليات فإنه يمكن التنبؤ بكل دقة من قيمة تلك الخاصية، وفي تلك الحالة فإن قيمة الخاصية المقترنة بها تصبح غير متيقن منها (4).
على أية حال، فإن هيزنبرج، ومن أجل إيضاح مبدأه السالف، قد قام بفحص عدد من التجارب الذهنية. فلقد تفكر هيزنبرج في حقيقة الحالة التي نقوم فيها بملاحظة موضع إلكترون ما عن طريق ميكروسكوب ضوئي يطلق ضوءًا ذى تردد مناسب لتحديد موضعه.إن موضع الإلكترون يمكن تحديده بدقة هائلة عن طريق زيادة تردد الضوء الصادر من الميكروسكوب، ولكن التردد الأعلى يعطي صدمة أكبر للإلكترون، وذلك يؤدي إلى عدم يقين كبير في قياس كمية تحركه. وبالعكس، فإن كمية التحرك يمكن تحديدها بدقة كبيرة عن طريق استخدام شعاع ضوئي ذي تردد ضعيف، ولكن هذا التردد الضعيف للشعاع الضوئي يؤدي إلى عدم يقين كبير في قياس موضعه(1).
ومن هنا، فإننا نكتشف حقيقة أنه، على المستوى الكمي والذري، لا يمكن من حيث المبدأ، قياس زوج من المتغيرات المرتبطة معًا بدقة مطلقة في نفس اللحظة؛ إذ أن علاقات اللايقين دائمًا ما تكون سائدة. فالمعرفة الدقيقة لقيمة إحدى خصائص النسق الميكانيكي الكمي تستلزم حتمًا وبالضرورة، عدم تيقن من قيمة الخاصية الأخرى المقترنة بها.إن هناك استحالة متأصلة في اكتشاف قيم فورية لهذه الخصائص المقترنة معًا(2).
إنه لمن الأهمية بمكان أن ندرك حقيقة أنه وطبقًا لتصور هيزنبرج، وخلافًا لتصور بورن، أن اللاتيقنات السائدة فى عمليات القياس الكمية، ليست نتيجة للإجراءات التجريبية، وليست نتيجة للقيود التي تفرضها أدواتنا الكلاسيكية، وليست نتيجة لإخفاق تقنيات القياس المستخدمة؛ ولكن طبيعة الجسيمات الذرية ذاتها لا تسمح بالتيقن منها(3).على سبيل المثال، فانه من اجل تحديد موضع إلكترون ما، بوصفه تجمعًا لذرى حزمة موجية مختلفة، طبقًا لشرودنجر، فإن الدقة اللازمة لتعيين نقطة تقاطع الإحداثيات الأربعة، سوف تتطلب استخدام عدد لا نهائي من الموجات الإضافية الأخرى، بحيث يحدث التداخل الهدام الذي تنهار فيه الحزمة الموجية عند نقطة تقاطع الإحداثيات. وبمعنى ما، فإن ما يحدث يبدو وكأن العدد الإضافي من الموجات المرتبطة معًا يضغط الجسيم إلى نقطة ما.ومن ثم فإن معرفة الموضع الدقيق للجسيم يصاحبه نقصان في تحديد كمية تحركه، ولو أننا حاولنا تحديد كمية تحركه، فإن هذا سوف يتطلب تقليل وتخفيض الموجات الإضافية لأدنى حد ممكن، والذي يصاحبه تقليل كمية تحرك فوتونات الموجات الإضافية، وذلك يؤدي لانتشار الإلكترون لكي يشغل عددًا لا نهائيًا من المواضع الممكنة (4).
ومن هنا فانه يمكننا أن ندرك حقيقة أنه لا يمكن من حيث المبدأ، تحديد قيمة زوج من المتغيرات؛ أي، زوج من الخصائص القابلة للملاحظة المقترنة معًا، لنسق ميكانيكي كمي في نفس الوقت بدقة مطلقة كالموضع وكمية التحرك، حيث أن المعرفة الدقيقة بقيمة أحدها يؤدي بشكل تلقائي إلى نقصان تحديد الكمية الأخرى المقترنة بها.
الآن، وقد أوشك استعراضنا للمغزى الفيزيائي لعلاقات اللايقين لهيزنبرج على الانتهاء، فإننا لنتساءل كيف أمكن لهيزنبرج أن يحل التناقض الواضح بين نموذج الموجة ونموذج الجسيم، والتي أثبتت التحقيقات التجريبية أنهما موجودان بالفعل في الظواهر الطبيعية ؟
في الحقيقة، فإنه يمكننا أن نستكشف الإجابة عن ذلك التساؤل عن طريق القول: بأن هيزنبرج قد قام بحل تلك المفارقة عن طريق استيعاب كل من مفهوم الموجة ومفهوم الجسيم بداخل إطار علاقات اللايقين. فعلى الرغم من تناقضهما في ضوء اللغة الكلاسيكية فإنهما، بمعنى ما، وصفان لازمان وضروريان لوصف الكينونة الكمية والتي لا يمكن في ضوء علاقاته اختزال أحدهما على حساب الآخر. إن علاقاته قد ربطتهما سويًا بإطار لا يمكن لأحدهما أن ينفصل عن الآخر.إن الدقة في قياس خاصية من زوج من الخصائص القابلة للملاحظة المقترنة معًا، أى الموضع والذي يعبر عن السمة الجسيمية، يستتبع حتمًا وبالضرورة نقصانًا في المعرفة الدقيقة لقيمة الخاصية الأخرى المقترنة بها؛ أي كمية التحرك والتي تعبر عن السمة التموجية ( لاحظ أن كمية التحرك تعبر عن السمة التموجية لأن كمية التحرك تكون مرتبطة بالطول الموجي طبقًا لعلاقة دي بروجلي ).ومن ثم فإن علاقات هيزنبرج قد ربطت مفهوم الموجة ومفهوم الجسيم بإطار لا يقبل الانفصال، كما ربطت الرؤية الأحادية لشرودنجر ذات السمة الموجية بالرؤية الأحادية لبورن ذات السمة الجسيمية بشكل لا يقبل الانتهاك.
التضمينات الفلسفية لعلاقات اللايقين :
يمكن القول أن علاقات اللايقين لهيزنبرج قد طرحت مشكلات أبستمولوجية وأنطولوجية خطيرة، داخل نطاق المعرفة العلمية، لكونها تنطوي على دلالات فلسفية عميقة، والتي تكون مُتناقضة تمامًا للرؤى والتصورات الكلاسيكية؛ سواء منها ما يتعلق بطبيعة العلاقة بين الظواهر الطبيعية، أو ما يتعلق منها بطبيعة الواقع الفيزيائي نفسه، ومدى استقلاليته عن الملاحظين المدركين له.ومن ثم فإن علاقات اللايقين تحمل فى طياتها تهديدات خطيرة للمقولات الكلاسيكية حول"الواقعية"و"الموضوعية"، والتي ترسخت عبر قرون عديدة، عن طريق تقديمها لرؤية جديدة مختلفة كلية، عما كنا قد ألفناه من قبل.
طبيعة العلاقة بين الظواهر الطبيعية في ضوء علاقات اللايقين :
إنه لمن نافلة القول، التأكيد على أن الرؤية الكلاسيكية لطبيعة العلاقة التي تحكم الظواهر الطبيعية إنما ترتكز على كونها علاقة سببية)*(؛ والتي تعني أن هناك أسبابًا محددة تؤدي إلى نتائج محددة. كما ترتكز الرؤية الكلاسيكية أيضا على مبدأ الحتمية، والذي يعني؛ بكلمات قليلة، أن هناك ارتباطًا ضروريًا بين الأسباب والنتائج التي تستحيل أن تتخلف عن مسبباتها.إن الرؤية الكلاسيكية تتضمن أيضًا، إمكانية التنبؤ بجميع الحالات المستقبلية التي يمكن أن يتواجد فيها نسق ما بكل دقة وبشكل يقيني، على الأقل من حيث المبدأ، بعد معرفة عدد من الظروف الأولية الملائمة التي يتواجد فيها النسق بالفعل. ومن ثم فإن الرؤية الكلاسيكية في جملتها ترتكز على اليقين والثقة بما سيحدث مستقبلاً بناءً على اليقين والثقة بما يحدث الآن.
وفى الحقيقة فان الرؤية الكلاسيكية قد ارتكزت فى أُطروحاتها عن السببية والحتمية على النجاح المنقطع النظير لبرنامج الفيزياء الكلاسيكية بشكل عام، وللميكانيكا النيوتينية بشكل خاص. فطبقا لها، فإن جسمًا ما يكون معتقدًا فيه على أنه يمتلك نوعين من الخصائص في آن واحد. إنه، مثلا، يمتلك كل من موضع وكمية تحرك في أي لحظة وفي كل لحظة، بدون انقطاع. إن موضع وكمية تحرك الجسم الآنية تخبرنا عن المكان الذي يكون فيه الجسم الآن بالفعل، والمكان الذي سينتقل إليه مستقبلاً سواء كانت حركته على خط مستقيم أم على مسار منحني(1). ومن ثم فإنه يمكننا أن نعزو للجسم موضعًا دقيقًا، وكمية تحرك دقيقة في نفس الوقت، الآن ومستقبلاً.ومن ناحية أخرى، فإن الرؤية الكلاسيكية تفترض أن السمة الإحصائية التي تبدو في معالجة بعض الأنساق الميكانيكية، كمعالجة جزيئات غاز مثلاً، والتي تُظهر إخفاقاً في تحديد قيم الخصائص الدقيقة لنسق ما، إنما يكون نتيجة لقصور أدواتنا وتقنياتنا في إبراز قيم دقيقة لهذه الخصائص لا لكونها لا تقبل التحديد أصلاً، ومن ثم فإنه لا مناص من اللجوء للمتوسطات الإحصائية، والتوزيعات الاحتمالية.
لكن علاقات اللايقين تفشي وبصراحة الطبيعة الإحصائية الاحتمالية للأنساق الميكانيكية الكمية، وتعبر عن التنبؤات اللايقينية لقيمة قياس زوج من المتغيرات المقترنة معًا، كموضع وكمية تحرك نسق ما، بدقة مطلقة في نفس اللحظة.إن هذه التنبؤات تتصف بصفة احتمالية فى جوهرها.فطبقًا لعلاقات اللايقين، فإنه لا يمكن من حيث المبدأ التنبؤ بقياس زوج من المتغيرات المقترنة معًا.إنه لمن الحقيقي القول، أن الاحتمالات التي تقتضيها علاقات اللايقين في معالجتها للأنساق الكمية ليست مطلقا بسبب الجهل بالقيم الدقيقة المستقبلية أو بالقيم الدقيقة الحالية، ولكنها تدخل في علاقات اللايقين بسبب أن طبيعة الجسيمات ذاتها لا تسمح بذلك. فلقد اتضح من مناقشة الأمثلة السابقة: أن علاقات اللايقين هي علاقات ذات وجود حقيقي، والتي لا يمكن انتهاكها في ضوء أي نظرية مستقبلية، أو التخلي عنها في ضوء أية تطويرات وتحسينات على أدوات القياس. ومن ثم فإن علاقات اللايقين تنتهك الحتمية ليس فقط على المستوى الأبستمولوجي ولكن على المستوى الأنطولوجي أيضًا.
ومن هنا، فإنه يمكننا التأكيد على حقيقة أن القول بأن الأنساق الكمية تمتلك بذاتها قيمًا محددة في كل آن، بالضبط كالأنساق الكلاسيكية، ولكن لا يمكننا معرفة حقيقتها بسبب تقنياتنا البسيطة؛ لهو قول لا يتضمن أكثر من رغبات أو أمنيات في سيادة أنماط مسبقة من التفكير، والتي تعبر عن رؤى دوجماطيقية؛ حيث أنها تتضمن القول بأنه بينما لا يمكننا تحديد خصائص الأنساق الكمية بدقة، فإنها تمتلك قيمًا محددة ودقيقة.وهذه بالطبع ليست وجهة نظر فيزيائية (1)، ولكنها وجهة نظر فلسفية أخلاقية تتعلق بما ينبغي وما لا ينبغي أن نعتقد فيه ونؤمن به.
وبناء على ما تقدم فإنه يمكننا القول، أن علاقات اللايقين بقدر ما إنها تقوض التنبؤات اليقينية، فإنها تقوض أيضًا مبادئ السببية والحتمية، تلك المبادئ التي قامت عليها الفيزياء الكلاسيكية برمتها، وتُشيد بدلاً منها دعائم اللاحتمية وعدم اليقين. وخلافًا للدعوة المفرطة في التفاؤل التي أطلقها لابلاس Laplace في القرن الثامن عشر، والتي أشار فيها إلى أن المرء إذا كان باستطاعته أن يُلمّ بمواضع جميع الجسيمات المادية، وأن يُلم بالقوى المؤثرة بينها، فإن المستقبل بالإضافة للماضي سيكون باديًا أمام ناظريه، تلك الرؤية التي شكلت ما يعتبر بوصفه العقيدة العلمية لفيزيائيى القرن الثامن عشر؛ فإن هيزنبرج قرر وبشكل واضح انهيار مبدأ السببية، ومن ثم انهيار المبدأ المؤسس عليه؛ أعني، مبدأ الحتمية، على المستوى الذري.حيث أنه، وكما يرى هيزنبرج، لكي يمكننا التنبؤ بمستقبل النسق الذري، فإننا لابد وأن نعرف كل شيء عن حالته الراهنة، ولكن طبقًا لميكانيكا الكم، فإنه لا يمكننا من حيث المبدأ، أن نعرف الحالة الراهنة بكافة تفاصيلها(1). وبكلمات هيزنبرج نفسه:
"فيما يتعلق بالصياغة الواضحة لقانون السببية: لو أننا نعرف الحاضر، حينئذ فإنه يمكننا التنبؤ بالمستقبل.إن هذه ليست النتيجة، ولكنها المقدمة التي تكون كاذبة: فمن حيث المبدأ لا يمكننا أن نعرف جميع العناصر المُحَدِّدَة للحاضر"(2).
ومن هنا فإن هيزنبرج يكاد يقول لنا: أن مبدأ السببية لا يمكن أن يكون مشتقًا من الخبرة على الإطلاق حيث أنه وعلى المستوى الكمي لا يمكننا معرفة جميع العناصر الحالية المحددة لحالة النسق. فعلى سبيل المثال: فإننا نعرف أن ذرة الراديوم Radium، مثلاً، لابد أن تُطلق إلكترونًا في اتجاه ما إن آجلاً أو عاجلاً. ولكننا لا يمكننا التنبؤ بيقين باللحظة الزمنية التي تنحل فيها الذرة مطلقةً ذلك الإلكترون، أو التنبؤ بيقين بالاتجاه الذي يمكن أن ينطلق فيه. إنه يمكننا فقط التنبؤ عن طريق المتوسطات الإحصائية لعدد كبير من ذرات الراديوم، بالمدى الذي يمكن أن تنحل فيه الذرة تقريبًا، أو الاتجاه الذي يتخذه الإلكترون تقريبًا. ولذلك يقرر هيزنبرج:
"إنه لا يمكننا، وهذا يعني انهيار قانون السببية، أن نُفسر لماذا أن ذرة معينة سوف تنحل في لحظة محددة وليس في اللحظة القادمة، أو ما أسباب انطلاق الإلكترون في هذا الاتجاه بدقة أكثر من اتجاه آخر.إننا مقتنعون، لأسباب عديدة متنوعة، أنه لا يوجد مثل ذلك السبب"(3).
في الحقيقة فإن هذا النص لهيزنبرج يتضمن، وبشكل واضح، انتهاكًا للسببية والحتمية ليس فقط على المستوى الأبستمولوجي ولكن على المستوى الأنطولوجي أيضًا بالنسبة للميدان الذري. فبالنظر إلى عبارته: أنه"لا يوجد مثل ذلك السبب"، نجد أنها تتضمن النفي الوجودي الأنطولوجى للعلاقة السببية أصلاً، وليس فقط نقصًا معرفيًا أبستمولوجيًا عن الارتباطات السببية بين الظواهر الكمية.ومن ثم فإن هيزنبرج يقوض هنا مبدأ السببية بالمفهوم الكانطي؛ أي، باعتباره مفهومًا قبليًا أوليًا.
وبناء على ذلك، فإننا نقرر، وفي ضوء علاقات اللايقين، أن عدم اكتشاف العلاقة السببية وعدم إمكانية التنبؤ الدقيقة بالأحداث الكمية؛ لا يعني فقط أن معرفتنا عن تلك الأنساق هي معرفة ناقصة والتي يمكن تجاوزها بشكل ما عندما تتحسن أدوات قياسنا، ولكنه يعني أيضًا أن هذه الأنساق لا تمتلك منذ البدء قيمًا محددة أصلاً. إن أدوات قياسنا وتجاربنا وتنظيماتنا الملاحظية، تكشف لنا عن حقيقة ما يكون موجودًا بالفعل، والذي دائمًا ما يكون غير محددا، وغير متيقن منه، وليس وراء ما نلاحظه وما تسجله أدوات قياسنا من واقع آخر أو حقيقة بعيدة يمكننا إدراكها، فطبقًا لهيزنبرج:
"إننا نعتقد أن جميع ما يكون مكتشفًا لدينا، يكون موجودًا في هذا المجال"(1).
وفي الحقيقة، فإن هذه العبارة تنطوي على دلالات خطيرة والتي تُفشي سمات عديدة لعلاقات اللايقين، ومن ثم لتأويل مدرسة كوبنهاجن كما سنرى، والتى تنبثق من حقيقة كونها تنتهك التقسيم الكانطي لعالم الظواهر وعالم الشيء في ذاته؛ إذ أنها تتضمن وبوضوح أنه لا يوجد مثل هذا الشيء في ذاته، فما لا يمكننا معرفته لا يكون موجودًا، كما أن الظواهر تتجلى لنا بمثل ما هي عليه وليس وراء ذلك من واقع آخر بعيد يمكننا اكتشافه. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن العبارة السابقة لهيزنبرج، تحمل تهديدًا خطيرًا للرؤية الكلاسيكية للواقع الموضوعي وللعالم الخارجي، والتي تفترض تمييزًا جوهريًا بين الأنساق الملاحَظية والأنساق الملاحِظية أو أدوات القياس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.