التعليم العالي: تقدم 28 جامعة في تصنيف التايمز العالمي للجامعات الناشئة 2024    طلاب الشهادة الإعدادية في البحيرة يؤدون امتحان العلوم    المجلس الأعلى للحوار الإجتماعي يستكمل جلساته برئاسة وزير العمل    «الصحفيين» تدعو قيادات الصحف للاجتماع التحضيري للمؤتمر العام الثلاثاء المقبل    مفتى الجمهورية: الالتزام بالقوانين المنظمة للحج ضمن شرط الاستطاعة ويجب عدم مخالفتها    برلماني عن قانون إدارة المنشآت الصحية: من فشل في الإدارة لن يكون كفء في الرقابة    توريد 200 ألف طن من محصول القمح لصوامع البحيرة    وصول 96 ألف طن قمح على متن سفينتين لصالح هيئة السلع التموينية والقطاع الخاص    مؤتمر أخبار اليوم العقاري | أحمد العتال: أسعار العقارات لن تنخفض خلال الفترة القادمة    الرئيس السيسي يهنئ نظيره التشادي بفوزه في الانتخابات الرئاسية    محمد حمزة يهزم لاعب التشيك ويضمن ميدالية لمصر في بطولة الجائزة الكبرى لسلاح الشيش    وسام أبوعلي: سنقاتل للفوز بدوري أبطال أفريقيا    مصدر من نادي إينتراخت فرانكفورت يكشف ل في الجول مصير عملية مرموش الجراحية    ياسر إبراهيم: جاهز للمباريات وأتمنى المشاركة أمام الترجي في مباراة الحسم    إصابة طالبة بإعدادية الأزهر بالزائدة الدودية في الشرقية    أمن الجيزة يضبط طرفي مشاجرة بالأسلحة البيضاء داخل مدرسة بفيصل    متى تبدأ العشر الأوائل من ذي الحجة 1445 وما الأعمال المستحبة بها؟    السجن 3 سنوات ل حارس عقار و2 آخرين بتهمة «السرقة بالإكراه» في منطقة التجمع الخامس    «دراما الشحاذين» يستهل فعاليات المهرجان الختامي لنوادي المسرح ال31    خفة ظله «سر» شهرته.. ذكرى وفاة الفنان حسن مصطفى    تعرف على النجم الأقل جماهيرية في شباك تذاكر أفلام السينما السبت    «القومي للبحوث» يوجه للأمهات بعض النصائح للتعامل مع الجدري المائي    نصائح مهمة من «الصحة» بسبب الطقس الحار.. تجنبوا الخروج واغلقوا النوافذ    الوقوف فى طابور وحفر المراحيض وصنع الخيام..اقتصاد الحرب يظهر فى غزة    ولي العهد السعودى يبحث مع مستشار الأمن القومى الأمريكى الأوضاع فى غزة    أوكرانيا: القوات الجوية تسقط 37 طائرة روسية دون طيار    المصرين الأحرار عن غزة: الأطراف المتصارعة جميعها خاسرة ولن يخرج منها فائز في هذه الحرب    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    إصابة 4 مواطنين فى مشاجرة بين عائلتين بالفيوم    رئيس النواب: القطاع الخاص لن يؤثر على تقديم الخدمة للمواطن أو سعرها    رئيس جهاز السويس الجديدة تستقبل ممثلي القرى السياحية غرب سوميد    وزير المالية: حريصون على توفير تمويلات ميسرة من شركاء التنمية للقطاع الخاص    وزيرة التضامن الاجتماعي تشهد إطلاق الدورة الثانية لملتقى تمكين المرأة بالفن    عماد الدين حسين: تعطيل دخول المساعدات الإنسانية لغزة فضح الرواية الإسرائيلية    توقعات الأبراج 2024.. «الثور والجوزاء والسرطان» فرص لتكوين العلاقات العاطفية الناجحة    وزيرة التضامن تلتقي بنظيرها البحريني لبحث موضوعات ريادة الأعمال الاجتماعية    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ترامب ينتقد بايدن مجددًا: «لا يستطيع أن يجمع جملتين معًا»    صور| باسم سمرة ينشر كواليس فيلمه الجديد «اللعب مع العيال»    وزير الصحة: التأمين الصحي الشامل "مشروع الدولة المصرية"    طريقة عمل الكمونية المصرية.. وصفة مناسبة للعزومات    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    الأمور تشتعل.. التفاصيل الكاملة للخلافات داخل مجلس الحرب الإسرائيلي    رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب    بيت الأمة.. متحف يوثق كفاح وتضحيات المصريين من أجل استقلال وتحرير بلادهم    رئيس النواب يفتتح أعمال الجلسة العامة    إقبال الأطفال على النشاط الصيفي بمساجد الإسكندرية لحفظ القرآن (صور)    «البحوث الإسلامية» يوضح أعمال المتمتع بالعمرة إلى الحج.. «لبيك اللهم لبيك»    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    كيف تستمتع بنوم عميق في الطقس الحار؟    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    الحكم الشرعي لتوريث شقق الإيجار القديم.. دار الإفتاء حسمت الأمر    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    مدرب نهضة بركان: نستطيع التسجيل في القاهرة مثلما فعل الزمالك بالمغرب    عماد النحاس: وسام أبو علي قدم مجهود متميز.. ولم نشعر بغياب علي معلول    الأزهر يوضح أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حرب رمضان/ أكتوبر .. دراسة لأثر عامل المفاجأة والمبادرة في الحرب
نشر في البديل يوم 02 - 10 - 2013


السادات والشاذلي
د. عماد حسين محمد – 2012-10-09 09:04:21
تظل ذاكرة الشعوب المصدر الرئيس لقوة عزيمتها، فكما أن ذاكرة الأفراد تعمل على توجيه الإنسان للصواب بعيدا عن الخطأ، تتعلم الأمم من تجارب تاريخها، فتكون ثورتها ضد الظلم لتحرير إرادتها، وحروبها ضد المحتل الغاصب لتحرير أرضها، دروسا ملهمة لها على الدوام، منها تستمد روح المقاومة في وقت الأزمات، وروح التحدي للتغلب على العقبات. ومن ثم يظل نصر حرب العاشر من رمضان/السادس من أكتوبر درسا لا تنساه الأمة بأسرها، وهو درس لم يكن خاصا بمصر، إذ لم تكن حربا مصرية، بل كانت وستظل حربا عربية إسلامية، شاركت فيها قوى الأمة لتحقق نصرا عزيزا، سيظل فخرا لمن خاضها وعاشها، وزادًا للأجيال تتعلم منه ما يمكن أن تحققه متى صدقت العزيمة، وصدّرت الأكفاء من كوادرها، وخططت وفق إمكانات الواقع، ونفذت برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.
ومما لاشك فيه أن الجيش المصري يعد أعرق جيوش العالم، باعتباره أول جيش نظامي عرفه التاريخ، ورغم ما سطره من مفاخر وأمجاد في ساحات القتال على مر العصور، فإن الفرصة لم تتح له في التاريخ المعاصر لإثبات مقدار عظمته ومبلغ شجاعته، وروعة أدائه وبسالته، وقد جاءته الفرصة عندما توفرت له القيادة الواعية، والخطة المحكمة، فكانت حرب رمضان/ أكتوبر.
لقد كان أساس العقيدة العسكرية الإسرائيلية أن التفوق في التسليح العسكري، والسبق في توجيه الضربة الأولى للحصول على المبادأة، هما بمثابة الوسيلة الأساسية لإحراز المفاجأة الاستراتيجية، وتلك هي عوامل التفوق التي اعتمدت عليها في معاركها السابقة، بالإضافة لمعونة القوى الدولية الكبرى لها. لكن حرب أكتوبر 1973 مثلت نقطة تحول في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، ويكفي أن نطالع مذكرات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي، والوثائق الأمريكية عن فترة الحرب التي اشتملت عن حوار له مع نظيره الصيني يوم 8 أكتوبر، والتي عبر فيها عن قناعته بأن إسرائيل سوف تسحق القوات العربية، ومن ثم أدار خطة استراتيجية تؤدي إلى تأجيل وقف إطلاق النار، فإذا برئيس الأركان الإسرائيلي يوقظه في منتصف ليل 9 أكتوبر مطالبا بسرعة إنقاذ إسرائيل التي انهارت قواها تحت الضربات المصرية بشكل خاص.
لقد تعرضت إسرائيل لمفاجأة استراتيجية كاملة أفقدت الإسرائيليين توازنهم وثقتهم سواء في جيشهم الذي لا يقهر أو أقوى جهاز مخابرات (الموساد)، فقد سمعوا من وزير دفاعهم مساء 6 أكتوبر أنه سيحطم الجيوش العربية المهاجمة، فإذا بهم يجدون القوات المصرية والسورية تتقدم على كافة المحاور، وتأتي الأنباء بتحطم أكثر من نصف قوة النسق الثاني في سيناء، وانهيار قواتهم في الجولان أمام التقدم السوري، وتأتي تقارير التحقيق بعد الحرب لتثبت كفاءة خطط الخداع الاستراتيجي التي ضللت صانع القرار الإسرائيلي .
مثلت حرب أكتوبر- بحق- نقلة في العلوم العسكرية المعاصرة، وذلك بإدارة معارك الأسلحة المشتركة، وإدارة أكبر معارك المدرعات بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية حقيقية للحرب الإلكترونية في العالم، بخلاف خطط الخداع والتضليل السابقة على الحرب، وكانت الأسطورة الحقيقية في الميدان هو الجندي المصري، الذي استطاع أن يشل حركة ما ظنته إسرائيل سر قوتها الممثلة في قوة الطيران وسلاح المدرعات، فكان المفاجأة الحقيقية لخرافة الجيش الذي لا يقهر .
ولتحقيق الخطوة الأولى، أرسل في يوم 9 رمضان الموافق 5 أكتوبر 1973 الرئيس أنور السادات والقائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية التوجيه الاستراتيجي التالي إلى الفريق أحمد إسماعيل وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة نصه:
1- بناء على التوجيه السياسي والعسكري الصادر لكم منى في أول أكتوبر 1973 وبناء على الظروف المحيطة بالموقف السياسي والاستراتيجي قررت تكليف القوات المسلحة بتنفيذ المهام الاستراتيجية التالية:
أ‌. إزالة الجمود العسكري الحالي بكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 6 أكتوبر 1973
ب‌. تكبيد العدو أكبر خسائر ممكنة في الأفراد والأسلحة والمعدات
ج. العمل على تحرير الأرض المحتلة على مراحل متتالية حسب نمو وتطور إمكانات وقدرات القوات المسلحة .
2- تنفيذ هذه المهام بواسطة القوات المسلحة المصرية منفردة أو بالتعاون مع القوات المسلحة السورية "
انتهى
بهذا القرار بدأت ملحمة العبور والنصر
الأوضاع عقب حرب يونيو 1967
انتهت أوضاع الحرب بعد 1967 باحتلال كامل أرض سيناء على الجانب المصري، واستطاعت إسرائيل أن تنشر دعايتها عن جيشها الذي لا يقهر، بعد أن استطاعت أن تنزل الهزيمة بالدول العربية للمرة الثانية بعد حرب 1948، وفي هذه المرة استطاعت أن تستولي على أراض في الدول المجاورة.
وانتهت الأوضاع في أرض سيناء إلى وضع وصفه الخبراء العسكريون بأنه مستحيل، فقناة السويس مانع مائي صعب وخط بارليف حصون منيعة وخطوط الدفاع الثابت والمتحرك تجعل من أي محاولة للهجوم عملية انتحارية، بالإضافة لمواسير النابالم الممتدة تحت مياه القناة لتحويلها لكتلة مشتعلة عند بادرة أي هجوم.( انظر أوضاع ما بعد الحرب)
التخطيط لتحرير الأرض المحتلة
بدأت القيادة السياسية والعسكرية في مصر في الإعداد العسكري والسياسي لاسترداد الأرض السليبة، والثأر من هزيمة لم يكن للجندي أو السلاح المصري أي سبب فيها، فبدأ الإعداد للمعركة، واستطاعت القيادة وضع خطة لطرد المحتل، أطلق عليها خطة " جرانيت " ، وتعددت الآراء عن مصداقية هذه الخطة، بمعنى قدرة القوات المسلحة على تنفيذها، رغم تأكيد الفريق فوزي على أنها اعتمدت من الرئيس جمال عبد الناصر قبيل وفاته.
مع تولي الرئيس أنور السادات، وبعد أن تولى القيادة العامة الفريق أحمد إسماعيل ورئاسة الأركان اللواء سعد الدين الشاذلي، تمت دراسة الأوضاع مجددا، ووضع الشاذلي خطة "المآذن العالية"، التي تؤمن بأن قدرات الجيش لا تسمح بأكثر من العبور وتكوين رؤوس كباري لعمق 12 إلى 15 كيلومتر في عمق سيناء( انظر الملحق رقم 2).
وفقا لتقديرات القائد الأعلى لم تكن خطة المآذن العالية كافية، فوضعت خطة أخرى، وفي اجتماع للقيادة العامة تم إقرار خطة المآذن العالية كمرحلة أولى، ثم يتم تطوير الهجوم بخطة "جرانيت 2 المعدلة" (انظر ملحق رقم 3)
وفقا للرواية الإسرائيلية، فإن خطة الهجوم كانت لديهم بشكل كامل مع الخرائط التفصيلية منذ يوليو 1972، (تشير بعض الروايات أنها تم تسريبها من خلال جاسوس في مكتب رئيس الأركان سعد الدين الشاذلي، وتشير الرواية أنه كان شخص على صلة حميمة بالجاسوسة "عبلة" التي تم صنع فيلم مصري عنها بعنوان "الصعود للهاوية"، وقد تمت محاكمته، وحكم عليه بالإعدام رميا بالرصاص وفقا للقانون العسكري، وتشير الرواية إلى أنه في يوم التنفيذ قام رئيس الأركان بالاستئذان لتنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص بنفسه فيه، وقد تمت الاستجابة لطلبه)
ولكن لم تتوفر لدى القيادة الإسرائيلية أي معلومات عن الموعد المحتمل للهجوم.
استطاعت القيادة المصرية أن تعمل في صمت للإعداد للمعركة، واستطاعت أن تعمل على خطط تمويه بتكرار رفع حالة الاستعداد ثم التراجع عنها عدة مرات قبل الموعد المتفق عليه، ثم حشدت حشودها مع إخفاء ساعة الهجوم حتى قبيل ساعات قليلة من بدء العلميات, حتى عن قادة الفرق المشاركة في العلميات.
رصدت الدراسات العسكرية المصرية نقاط القوة في العسكرية الإسرائيلية، فكانت سلاح الطيران، وسلاح المدرعات، فرتبت عنصر المفاجأة في ميدان القتال بتوفير غطاء من الصواريخ المضادة للطائرات من طراز سام 2 ، 3 ، 6 ، وصورايخ ستريللا "سام 7 " المتحركة، وبهذا استطاعت من خلال حائط الصواريخ أن تحد من خطورة سلاح الطيران الإسرائيلي في سماء المعركة (انظر ملحق رقم4)
وعنصر المفاجأة الثاني كان سلاح المشاة المحمل بصواريخ محمولة مضادة للدبابات من طراز "ار .بي. جي" المضاد للدروع، وصاروخ "المالتوكا" المضاد للدبابات.
استطاعت العقلية العسكرية المصرية أن توجد حلولا لمشاكل الهجوم الممثلة في أنابيب النابالم تحت القناة، فقام رجال الضفادع البشرية إما بقطعها أو سد فتحاتها، كما استحدثوا سلالم الحبال المستخدمة في البحرية لتكون وسيلة لمعاونة المشاة على صعود الساتر الترابي كما يمكن بوضع اثنين مترافقين للعمل من خلالهما على سحب أسلحة ذات وزن لا يتحمله الجندي، وهامة في المرحلة الأولى من القتال مثل (مدفع عديم الارتداد ب 10، وب 11، وصاروخ الاستريللا المضاد للدبابات، ومدفع الماكينة الثقيل12,7 ملم…وغيرها)
وقد استقرت أوضاع القوات المصرية كما هو في ملحق 5 .
وقد كانت أوضاع القوات الإسرائيلية قبل بدء العمليات كما هو موضح في الملحق 7.
واستقرت خطة الهجوم على خطة بدر كما هو موضح في ملحق 6.
لقد تكاملت خطط القتال مع خطة الخداع في اللحظات الأخيرة للمعركة، إذ مع وجود الحشود العسكرية على الجبهتين المصرية والسورية، وصلت معلومات عن نوايا مصر وسوريا على بدء الهجوم، ولكن تم تسريب معلومة لقيادة الاستخبارات الإسرائيلية (الموساد) في الساعات الأخيرة قبيل ساعة الصفر المقررة، من خلال عميل مزدوج يحمل مصداقية عالية عند الطرف الاسرائيلي لحساسية منصبه في مصر، وخلاصتها أن الهجوم العربي سيبدأ السادسة مساءً، وبدأت القيادة الإسرائيلية العمل لبدء الهجوم قبل هذا الموعد، وذلك لإجهاض الهجوم، وكسب المبادرة كما تعودت إسرائيل في حروبها .
بدء عمليات الأسلحة المشتركة
في تمام الساعة الثانية بدأت أكثر من 200 طائرة مصرية مقاتلة وقاذفة مقاتلة من طراز ميج21 وميج 17 وسوخوي في عبور قناة السويس على ارتفاع منخفض، وذلك لتنفيذ مهمتها في تدمير مراكز قيادة العدو ومراكز الرادار والشوشرة، ومراكز الاحتياط وبطاريات الصورايخ والمدفعية الثقيلة للعدو .
وفي الثانية وخمس دقائق بدأت 2000 قطعة مدفعية ثقيلة وهاون ولواء صواريخ تكتيكية أرض أرض، وهو ما يعد بحق أكبر عملية تمهيد نيراني في التاريخ.
بدأت عمليات إنزال لقوات الصاعقة والمظلات خلف خطوط العدو، وذلك لقطع الطريق على قوات الاحتياط ومدرعات النسق الثاني (قوات للعدو مستعدة للتقدم إلى خط القتال والاشتباك فورا في أوقات الطوارئ) من التقدم لخط القناة، وفي نفس الوقت قامت مجموعات قنص الدبابات من العبور بقوارب مطاطية سريعة للتعامل مع مدرعات العدو ومنعها من اعتلائها لمنصات الإطلاق المعدة لها داخل تحصينات خط بارليف، ومن ثم استطاعت تأمين أكبر قدر من سطح مياه القناة لعبور فرق المشاة.
قد أثبتت وقائع القتال أن العدو علاوة على المفاجأة الاستراتيجية التي حاقت به، مما دفع لبعض التحصينات أن تستسلم رغم قدرتها على المقاومة، وارتباك قيادته الميدانية في سيناء، فقد لحقت به مفاجأة تكتيكية، إذ لم يتمكن من رفع حالة الاستعداد للهجوم إلى الحالة القصوى ساعة الهجوم، مما عطل كثيرا من خطوطه أن تأخذ أماكنها المعدة لها لصد الهجوم .
استطاعت القوات المصرية خلال ساعات معدودة من اختراق خط بارليف والساتر الترابي وعمل رؤوس كباري تصل إلى ثمانية كيلو مترات بعرض خط القناة كلها ( 160 كيلو متر) .
استطاعت قوات المشاة أن تحقق نصرا كبيرا مثل أحد أكبر المفاجآت للعدو بتدمير أكثر من ثلث قوات المدرعات المتقدمة من قوات الاحتياط، وذلك باستخدام الصواريخ المحمولة على الكتف، واشتهر من بينهم عبد العاطي الذي دمر وحده 23 دبابة و3 مدرعات، وقد تم تسجيله في موسوعة جينز للأرقام القياسية، وعرف باسم صائد الدبابات.
أوضاع القتال يوم 7 أكتوبر انظر الملحق رقم 8
الحصار البحري الاستراتيجي لإسرائيل
كانت القوات البحرية المصرية في الفترة التي سبقت حرب يونيو 1967، قد أسندت إليها مهمة تنفيذ القرار السياسي للرئيس عبد الناصر في 18 مايو بإنهاء وجود قوات الطوارئ الدولية على أرض مصر، وإغلاق خليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وبإعلان بعض الدول عن إرسال القطع الحربية للمنطقة، سارعت القوات البحرية بحشد قوة بحرية مناسبة لكافة الاحتمالات، وذلك بهدف السيطرة على الملاحة ومواجهة كافة الظروف.
وقد تمكنت البحرية المصرية من تنفيذ القرار وسيطرت على خليج العقبة، وبعد حرب يونيو 1967 روجت أجهزة الدعاية الإسرائيلية أنها تمكنت بخطة خداع ماكرة من أن تجتذب الوحدات البحرية المصرية إلى البحر الأحمر لإبعادها عن البحر المتوسط، وعلى الرغم من أن القطع البحرية المصرية أصبحت عقب انتهاء الحرب وإغلاق قناة السويس عاجزة عن العودة إلى قواعدها بالبحر المتوسط، فإن ذلك الوضع قد أدى إلى تغيير جذري في ميزان القوى بالبحر الأحمر لصالح البحرية المصرية. كما كان له الفضل في تجميع القوة البحرية التي تمكنت بعد ست سنوات من فرض حصار استراتيجي محكم على إسرائيل في البحر الأحمر وخليج العقبة.
وما يجب أن نذكره أن البحرية المصرية غيرت من التخطيط الاسترايجي الإسرائيلي نتاج عملياتها، لقد كان لإغراق لنشات الصواريخ المصرية المدمرة الإسرائيلية إيلات يوم 21 أكتوبر 1967 أثر كبير في تغيير الفكر الاستراتيجي البحري على المستوى العالمي، ففي إسرائيل ابتعد الفكر عن حيازة القطع البحرية الكبيرة، وأخذت تبني قوتها البحرية على أساس أن اللنشات السريعة والمسلحة بصواريخ سطح سطح هي أساس القوة الضاربة، ولهذا الغرض قامت بشراء 12 قاربا من طراز SAAR من فرنسا.
قبل الحرب:
لم يتولد التخطيط لعملية إغلاق باب المندب فجأة في الفترة التي سبقت حرب أكتوبر 73، بل إن التخطيط لهذه العملية الاستراتيجية الكبرى بدأ في الواقع في أكتوبر 71 أي قبل عامين من نشوب الحرب ضمن إجراءات القائد الأعلى للقوات المسلحة والقوات المسلحة في خطة الخداع الاستراتيجي لتحقيق المفاجأة؛ أحد أهم المبادئ الرئيسية لمعركة الأسلحة المشتركة الحديثة، فقد تم إيفاد مجموعة من الخبراء البحريين المصريين إلى منطقة جنوب البحر الأحمر لإعداد الدراسات التفصيلية للموقفين البحري والجوي في هذه المنطقة، وفي مايو 1973 تم وضع الخطة التفصيلية وتنسيقها بين القيادات العليا.
خطة الخداع:
ومن أجل خداع الجانب الإسرائيلي عن حقيقة النوايا المصرية أرسلت القطع البحرية المصرية في زيارات مختلفة لبعض الموانئ العربية والأجنبية كي تعتاد إسرائيل على تحركات هذه القطع في اتجاه الجنوب، وحتى لا يثير تحركها قبل الموعد المحدد لبدء المعركة شبهات وشكوك في النوايا المصرية.
وبناء على أوامر اللواء بحري فؤاد أبو ذكري قائد القوات البحرية تم خروج قوة بحرية تتكون من بعض المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ في أول أكتوبر 1973 من قواعدها في البحر الأحمر إلى عرض البحر مع الإعلان عن وجهتها إلى باكستان لإجراء عَمرة ولإصلاح بعض الأجهزة والمعدات الحيوية بها.
وكان خروج هذه القوة البحرية لتتخذ أوضاع القتال في باب المندب وتستعد للقيام بالمهام المحددة لها يعني أن الحرب قد بدأت بالنسبة لها منذ أول أكتوبر، فقد فرضت لأغراض الأمن والسرية ضرورة التزام هذه القطع البحرية بالصمت اللاسلكي طوال مدة إبحارها حتى لا يلتقط العدو الإشارات اللاسلكية المتبادلة بينها وبين قياداتها فيضيع بذلك عامل المفاجأة، ولم تكن من وسيلة اتصال بين هذه القطع وبعضها ولا بين قياداتها إلا بعد بدء العملية يوم 6 أكتوبر، ولتأكيد هذه الحقيقة تم تحقيق اتصال بين اللواء بحري فؤاد أبو ذكري قائد القوات البحرية والقيادة العامة قبل خروج القوة البحرية في أول أكتوبر لإفادتها أنه عقب إبحار هذه القوة لن تصبح لديه أية وسيلة للاتصال بها لإجراء أي تعديل في التوقيت.
بدء العمليات:
عند بدء الحرب في الساعة الثانية بعد ظهر السادس من أكتوبر تم إبلاغ القوة البحرية المصرية التي كانت قد وصلت إلى باب المندب بالكلمة الكودية عن طريق اللاسلكي لكي تبدأ في تنفيذ المهام الموكولة إليها. وبهذا سددت البحرية المصرية ضربة استراتيجية كبرى لإسرائيل لم تكن تخطر لها على بال، فقد سيطرت القطع البحرية المصرية على مضيق باب المندب، المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وظهرت فجأة المدمرات والغواصات ولنشات الصواريخ لتباشر حق التفتيش واعتراض السفن التجارية التي ترفع العلم الإسرائيلي، وكذا السفن الأخرى من مختلف الجنسيات المتجهة إلى إسرائيل وهو حق يكفله لها القانون الدولي.
قطعت البحرية المصرية بهذا الحصار الذي فرضته الشريان الحيوي لإسرائيل الذي يربطها بإفريقيا وآسيا والذي اتخذته في حربي 1956 و1967 ذريعة لكي تمنع سيطرة مصر على مضايق تيران وشرم الشيخ على مدخل خليج العقبة حتى لا تقطع مصر عنها الطريق إلى ميناء إيلات.
لقد أفاد العمق الاستراتيجي للوطن العربي القطع البحرية المصرية وهيأ لها إمكانات ممتازة من حيث التمركز في موانئ صديقة والتزود بكل احتياجاتها من الوقود والطعام والمياه، وكان اختيار مضيق باب المندب المتحكم في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر لفرض الحصار البحري على إسرائيل والتعرض لخطوط مواصلاتها البحرية عملاً استراتيجياً بارعاً إذ لم يكن في مقدرة الطائرات الإسرائيلية ولا القطع البحرية الإسرائيلية الوصول لهذا المضيق والذي يبعد عنها أكثر من 2500كم للقيام بعملية فك الحصار.
لقد أثرت هذه الصدمة العنيفة على القيادات الإسرائيلية إلى الحد الذي جعل موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلي يأمر بمنع نشر أي أنباء عن الحصار البحري المصري في أي وسيلة من وسائل الإعلام الإسرائيلي.
تأمين الموانئ المصرية:
وفي نفس الوقت عجزت البحرية الإسرائيلية عن المساس بأمن وسلامة حرية الملاحة إلى الموانئ الرئيسية المصرية على البحر المتوسط كميناء الإسكندرية أو تلك التي على البحر الأحمر كميناء سفاجا مما جعل هذه الموانئ تستمر في العمل بحالتها الطبيعية وبنفس طاقاتها المعتادة.
كانت نتائج إغلاق مضيق باب المندب هي قطع الإمدادات تماماً عن ميناء إيلات أي أن نسبة نجاح عمليات البحرية المصرية في البحر الأحمر وصلت إلى 100%.
أما في البحر المتوسط فإنه نتيجة لقيام وحدات الأسطول المصري بنشر الغواصات والمدمرات وبث الألغام استطاعت تحقيق مهمة قطع خطوط المواصلات إلى الموانئ الإسرائيلية بنسبة 80% مما يعد نجاحاً باهراً للقوات البحرية المصرية.
المشاركة في التمهيد النيراني للعمليات:
قامت القوات البحرية المصرية أيضاً بدور فريد في حرب أكتوبر فاشتركت في عملية التمهيد النيراني للمدفعية المصرية التي بدأت في الساعة الثانية وخمس دقائق يوم 6 أكتوبر فقصفت المدفعية الساحلية في بورسعيد نقط العدو الحصينة شرق بور فؤاد المعروف بحصن بودابست وكذا النقطة الحصينة عند الكيلو 10 جنوب بورفؤاد في منطقة رأس العش والمعروف بحصن أوركال.
كما قصفت المدفعية الساحلية في السويس الأهداف المعادية التي كانت تواجه قطاع الجيش الثالث الميداني، كما قامت لنشات الصواريخ بتوجيه صواريخها ضد تجمعات العدو في رمانة ورأس بيرون على ساحل البحر المتوسط، وعلى خليج السويس وجهت لنشات الصواريخ صواريخها على أهداف العدو الحيوية في رأس مسلة ورأس سدر، كما وجهت صواريخها ضد أهداف العدو في شرم الشيخ ورأس محمد على مضيق تيران في خليج العقبة، وهاجمت الضفادع البشرية منطقة البترول في بلاعيم وتمكنت من تعطيل الحفار الضخم بها، وقامت وحدات بث الألغام بإغلاق مدخل خليج السويس بالألغام لمنع العدو من نقل البترول من حقول خليج السويس إلى إيلات.
في الختام يجب أن نقول إن العمود الفقري لتحقيق أي نصر أو إنجاز هو الإنسان، متى كان مؤمنا بقضيته، مستعدا لخوض معركته، عارفا بواقعه، مدركا لإمكاناته، مخططا لخطواته، معدا ما يستطيع من قوة، فإن الله معه، ولن يخذله ربه ولن يضيعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.