تزخر المناهج الدراسية منذ مراحل التعليم الأولى بالعديد من العبارات التي تشدد على اشتراك أقطار الوطن العربي في وحدة اللغة والثقافة والتاريخ والمصير المشترك.. هذه الكلمات التي في الوقت الحالي لا استخدام لها باستثناء التلقين المدرسي تبقى من الضرورات الملحة لوقوف هذه الأمة أمام ما تواجهه من تحديات تصل إلى حد المؤامرات. وتبرز القاهرة التي يطلق المصريون عليها اسم (مصر) أو (المحروسة) ودمشق التي يحلو للسوريين مناداتها ب(الشام) كأكثر العواصم العربية التصاقا بوحدة المصير المشترك.. فمن قبل تقسيمات سايكس بيكو وارتسام خريطة الوطن العربي بشكلها الحالي، كان الأمن القومي المصري معلقا ببلاد الشام حتى أن التاريخ الذي على طول فصوله ومع افتقاده لرفاهية النسيان، لا يتضمن بين صفحاته واقعة تعرضت فيها مصر أو بلاد الشام إلى خطر دون أن تنال الأخرى نصيبها منه، كذلك فإن الخطر على إحداهما يمر في الغالب عبر الأخرى، وذلك منذ أن شهدت مصر أول وأطول احتلال لها من الهكسوس في العام 1789 قبل الميلاد. ومنذ هذا التوقيت كانت معارك مصر الفاصلة تجري دائمًا في أرض الشام؛ ففي التاريخ الحديث على سبيل المثال وبعد أن انهزم قنصوة الغوري على يد العثمانيين في بلاد الشام في أعقاب معركة مرج دابق عام 1516، كان من السهل على العثمانيين احتلال مصر في أعقاب معركة الريدانية عام 1517. وما يؤكد أن الدفاع عن إحداهما إنما يبدأ في الثاني ما قامت به سوريا في خضم العدوان الثلاثي على مصر حينما استبق الشعب السوري حكومته مستشعرا حجم الخطر الذي يمثله تآمر القوى الاستعمارية وعدوانها على القاهرة وأصداء ذلك على دمشق. ففي يوم الجمعة الثاني من نوفمبر عام 1956 قامت الطائرات الفرنسية والبريطانية بتوجيه ضربات جوية على الأهداف المصرية امتدت إلى الثالث من نوفمبر، ونجحت إحدى الغارات في تدمير هوائيات الإرسال الرئيسية للإذاعة المصرية قبل أن يلقي الرئيس جمال عبدالناصر خطبته من فوق منبر الجامع، فتوقفت الإذاعة المصرية عن الإرسال، وهنا كانت المفاجأة الكبرى التي صعقت من أراد إسكات صوت القاهرة .. انطلقت إذاعة "دمشق" على الفور بالنداء "هنا القاهرة". ولم يكتفِ السوريون بهذه الخطوة للقيام بواجبهم لدعم أشقائهم في مصر، بل قام العمال السوريون بنسف خط أنابيب البترول الذي يمر عبر سوريا حاملًا البترول إلى أوروبا، فنسفوا خط التابلاين الممتد إلى مرفأ طرابلس في لبنان على البحر المتوسط، وكذلك خط أنابيب البترول الواصل إلى مرفأ بانياس السوري على البحر المتوسط، وأصبح واضحًا لكل القوى الطامعة في المنطقة أن هناك محورًا مصريًّا سوريًّا يقاوم العدوان رغم ما تحمله هذه الخطوة من خسائر تحملها السوريون عن طيب خاطر. كما واجه المصريون والسوريون معا عدوهم المشترك وتجرعا معا مرارة الهزيمة في حرب 1967، واستفاقا معا لينسقا معا حتى تم كسر أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في أكتوبر 1973، ولم يفقد الشقيقان يقينهما بارتباط أمنهما القومي حتى بعد الإسفين الذي تم دقه بينهما برعاية أميركية خلال التحضيرات التي تكللت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وفي أتون الخطر الذي تشهده المنطقة منذ أن نصب الأميركي نفسه راعيا للثورات العربية محتكرا نسائم (الربيع العربي) بات جليا أن كلا من مصر وسوريا تقفان في خندق واحد مشكِّلتَيْنِ رأس حربة في وجه مشروع تقسيمي تحالفت فيه أوهام بسط امبراطورية استعمارية عبر مداعبة أحلام الخلافة الإسلامية لصب نيران الإرهاب على الجيوش تمهيدا للإجهاز على الشعوب. فكما يواجه الجيش العربي السوري حربا ناعمة من الشائعات، وأخرى خشنة من جماعات مسلحة توافدت على سوريا من كل حدب وصوب تحت مسميات الجهاد، يواجه الجيش المصري حملات يشنها قرناء من يستهدفون الشقيق السوري، مستخدمين كل ما هو خسيس وكاذب لزعزعة ثقة المصريين في جيشهم وقادته، وذلك إضافة للحرب التي يخوضها الجيش المصري ضد مجموعات مسلحة في سيناء تسعى لنقل إرهابها إلى قلب القاهرة. ومن هنا بات من المقدر والمحتوم بعد التلويح الأميركي بشن عدوان على سوريا والذي عبرت الدبلوماسية المصرية عن رفضها له جملة وتفصيلا أن يكون لدى مصر العديد من البدائل للقيام بواجبها نحو الحفاظ على أمنها القومي الذي يبدأ كما تؤكد كتب التاريخ والجغرافيا من قلب بلاد الشام، ويستوجب الحفاظ على الجيش المصري الذي نأى بنفسه عن دعاوى الجهاد التي أطلقها الرئيس المعزول محمد مرسي، بل ونقل عن أحد المصادر العسكرية قوله إن "قلق الجيش من الطريقة التي يحكم بها الرئيس محمد مرسي البلاد بلغ مداه عندما حضر الرئيس مؤتمر (نصرة سوريا)، الذي كان مكتظًّا بمتشددين من أنصاره، دعوا خلاله إلى الجهاد في سوريا".