هيئة الرقابة الإدارية توقع مذكرة تفاهم مع هيئة مكافحة الفساد الفلسطينية    الشعب الجمهوري بالشرقية يكرم النماذج المتميزة في صناعة وزراعة البردي    أسامة كمال: اتحاد القبائل العربية حائط صد لمنع زعزعة الاستقرار    الكهرباء تعلن عن خطة جديدة لتخفيف الأحمال    أسعار الحديد الآن في مصر بعد فتح التصالح على مخالفات البناء    فلسطين تدين اعتداء مستوطنين إسرائيليين على قافلة مساعدات أردنية    رابطة الأندية ترد على إنبي: لم يتم تحديد الفرق المشاركة بالبطولات الإفريقية    جهود مكثفة من الحماية المدنية للسيطرة على حريق في مخزن بالإسماعيلية    قصواء الخلالي تطالب بمعاهدة سلام جديدة مع إسرائيل بقيادة السيسي    تحديد موعد انطلاق مهرجان أجيال السينمائي    انعقاد ثالث المجالس الحديثية بالمحافظات.. السبت المقبل 11 مايو    «الأزهر للفتوى الإلكترونية»: الأشهر الحرم فيها نفحات وبركات    جو بايدن يعلن دعم بلاده لإسرائيل ثابت ولن يتغير رغم الخلافات    أماني ضرغام: تكريمي اليوم اهديه لكل إمراة مصرية| فيديو    «عبدالمنعم» يتمسك بالإحتراف.. وإدارة الأهلي تنوي رفع قيمة عقده    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع لجنة تطوير الاتحاد الدولي للجامعات    زراعة عين شمس تستضيف الملتقى التعريفي لتحالف مشاريع البيوتكنولوجي    تخفيض الحد الأدنى للفاتورة الإلكترونية إلى 25 ألف جنيها من أغسطس    الفريق أول محمد زكى يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    بصور من كواليس "بدون مقابل".. منة فضالي تكشف عن تعاون سينمائي جديد يجمعها ب خالد سليم    تعرف على موعد حفل نانسي عجرم ب باريس    بوينغ تلغي أول رحلة مأهولة لها إلى الفضاء بسبب خلل في صمام الصاروخ    موظفة استخبارات سابقة: ادعاءات أمريكا بخطط روسيا لمهاجمة الناتو كاذبة    بالفيديو.. خالد الجندي: الحكمة تقتضى علم المرء حدود قدراته وأبعاد أى قرار فى حياته    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    مراقبة الأغذية بالدقهلية تكثف حملاتها بالمرور على 174 منشأة خلال أسبوع    في اليوم العالمي للربو.. مخاطر المرض وسبل الوقاية والعلاج    وصفة تايلاندية.. طريقة عمل سلطة الباذنجان    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    البرلمان العربي: الهجوم الإسرائيلي على رفح الفلسطينية يقوض جهود التوصل لهدنة    محافظ جنوب سيناء: مصر تطور مناطق سياحية في نويبع وسانت كاترين ودهب    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    «الداخلية» تستجيب ل«المصري اليوم»: ضبط المتهمين في مشاجرة أسوان    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    انطلاق فعاليات المؤتمر السادس للبحوث الطلابية والإبداع بجامعة قناة السويس    بعد الإنجاز الأخير.. سام مرسي يتحدث عن مستقبله مع منتخب مصر    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    أسامة جلال يخضع لعملية جراحية ويغيب عن بيراميدز 3 أسابيع    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    ضبط نصف طن أسماك مملحة ولحوم ودواجن فاسدة بالمنيا    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجاني : شركاء الفساد
نشر في البديل يوم 04 - 06 - 2011

بداية لا يجافي المنطق أن يكون للحاكم المستبد والفاسد المخلوع شبكة ضخمة من الشركاء في الفساد الفاجر هائل الضخامة، والذي ما زلنا لم نحط بكامل أبعاده بعد. وقد توقفت جهود السلطة الانتقالية في مكافحة الفساد والقصاص من المفسدين عند عائلة أس الفساد وبعض هوامش بطانته، وتعاملت مع المخلوع وعائلته وبطانته برفق بالغ ولم تأخذ التحقيقات معهم منحى جديا إلا بعد تمكينهم لفترة طويلة من توفيق أوضاعهم لإخفاء أغلب آثار جرائمهم، في ظل التمسك بالإجراءات البطيئة للقضاء الطبيعي والقوانين التي فصلها زبانية النظام الساقط لتعطيل اكتشاف جرائم الفساد والعقاب عليها. وحتى عندما ثبتت عليهم جرائم أطلق سراحهم، مثل إطلاق سراح “السيئة” الأولى بعد ثبوت تهمة التزوير في أوراق رسمية عليها في صفقة فساد ضخمة. بل بلغ التهاون حد تهريب رأس أفعي الفساد حسين سالم، ربيب الفاسد الأكبر المخلوع ومرشده على طريق الفساد، وبعض آخرين من رؤوس الفساد من البلاد بتيسير من بعض قادة الحكم في ظل السلطة الانتقالية مثل نائب رئيس المخلوع وآخر رئيس وزارة عيّنه، والاثنان ، حتى لا ننسى، من المؤسسة العسكرية، وما زالا محصنين من المساءلة وإن تراكمت القرائن على فسادهما، ولا غرابة.
هذا بينما لم تتحرج السلطة الانتقالية من تكرار إرهاب المدنيين بتحويلهم لمحاكمات عسكرية شبه فورية لم تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة لمجرد إبداء الرأي أو التظاهر، وهما حقان مكفولان أصولا. ولم تتوان أجهزة القوات المسلحة عن ارتكاب انتهاكات جسيمة من دون وجه حق مثل التعامل بعنف مع المتظاهرين، والتردي لأساليب بربرية مثل فحص العذرية الهمجي للمتظاهرات، الذي أساء لسمعة مصر كلها في جميع أنحاء العالم، وأنكروه أولا ثم عادوا للاعتراف به لوسيلة إعلام أمريكية، مع إخفاء اسم المعترف وإن ذُكِر أنه لواء بالجيش، أبدى للفضيحة النكراء تبريرات ساذجة ومدانة هي الأخرى. ويدخل في النطاق نفسه تهديد أعضاء في المجلس العسكري لأصحاب الرأي بالمحاكمة “على الهواء”، واستدعاء اصحاب الرأي للقضاء العسكري لما صار يعرف بفنجان القهوة، وليس إلا ترهيبا مغلفا بغلالة رقيقة، وزاد الطين بلة تحويل وزارة العدل بعض قضاة للمساءلة بسبب اعتراضهم على مثول مدنيين أمام القضاء العسكري، ما يمثل في حد ذاته انتهاكا صارخا للإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة نفسه.
وقد دعانا هذا التباين الصارخ بين الإبطاء المقيت في مواجهة شبكة الفساد من ناحية والإسراع المتلهف في العقاب وانتهاك حقوق مواطنين أبرياء من ناحية أخرى، إلى الشكوى أكثر من مرة من ” العدالة الانتقالية العرجاء”، وصححني أحد القراء بأنها ليست عرجاء وإنما ” كسيحة”، وله الحق!
وعودة إلى الشراكة في الفساد، نجد فيما رشح عن التحقيقات مع الطاغية المخلوع، كما نُقل لنا، أنه، في محاولة مستميتة للدفاع عن نفسه في فضيحة فساد عمولات توريد السلاح للقوات المسلحة لم يجرؤ على النفي وإنما برر جرائمه بأنه لم يستحدث جديدا فلم يرفع نسبة العمولة وإنما أبقي عليها عند حد 35% “كما كان يقتضي عبد الناصر والسادات”، وكأنه تقليد راسخ عند رؤساء جمهورية مصر ان يتقاضوا مثل ههذ العمولات الفاجرة حتى بمعايير جرائم الفساد العالمية، وبأنه كان على أي حال يتلقي تفويضا مطلقا من مجلس الشعب بأن يتولى أمر توريد السلاح. ويتعين لتأكيد هنا بداية، بأن تفويض مجلس الشعب لم يشمل قطعا تقاضيه للعمولات.
ونرجو الا يلومنا أحد من السلطةالانتقالية على تسقط التسريبات من وسائل الإعلام، فلو كانت السلطة الانتقالية تتناول أمور البلاد بالشفافية المجلية للحقيقة، وهي حق الشعب غير المنكور، ما لجأنا لتشمم التسريبات في مناخ خنق حرية تداول المعلومات الذي يثير الريب بأن هناك لا بد مستفيدون من هذا التعتيم الكثيف الذي تبنته السلطة الانتقالية استمرارا لنهج الحكم التسلطي في حرمان الشعب من الحق في التوصل للمعلومات. وقد تردد في الأخبار مؤخرا أنه فُرض على أعضاء اللجنة الطبية التي شُكلّت لفحص الجلاد المخلوع تمهيدا لاتخاذ قرار بشأن سجنه ومكان محاكمته أن يُقسموا بعدم التصريح عن حالته، وقد بدا ذلك جليا في اتصال واحدة من المذيعات اللامعات بأحد أعضاء اللجنة من الأطباء المرموقين التي أصر فيها لفترة طويلة على عدم قول كلمة واحدة عن حالته الصحية، ما يتيح للسلطة أن تقول ما تشاء لتبرير أي قرار تتخذه.
وقد يمكن صرف النظر جزئيا عن الجزء الأول من دفاع الفاسد المخلوع كونه دفاعا بالباطل متزيدا بالافتراء على اعتبار أن القاصي والداني لا يضع ذمة جمال عبد الناصر محل شك وأن الرجل لقي ربه فقيرا، بل مدينا.
إلا أن القسم الثاني من الدفاع الفاجر صحيح لا ريب. فالجميع يعلم أن أعضاء مجلس الشعب عن حزب الحاكم المخلوع، وغالبيتهم الساحقة أنجحوا بالتزوير الفاجر من قبل المخلوع الفاسد وأدواته، وبعضهم مجرمين أصلا، أساسا من أجل تمرير مثل هذه الصفقات الحرام، قد أعطوا الجلاد الفاسد المخلوع مثل هذا التفويض المطلق بدعوى تمكين القوات المسلحة، من خلال قائدها الأعلى، من الدفاع عن البلد.
والقول عندي أن كل أعضاء مجالس الشعب هؤلاء، وعلى رأسهم زعيمهم قائد أوركسترا الموافقة في مجالس الشعب السابقة والمزورة جميعها، شركاء في جريمة فساد عمولات السلاح ويتعين أن يقدموا للمحاكمة ولو كأدوات للجريمة، وإن لم يتلقوا قسما من عمولات السلاح ذاتها، وإن كنا لا نعلم ذلك يقينا الآن، ومن يعلم ماذا يمكن أن تنجلي عنه تحقيقات جادة وفعالة؟. كما أن الرأي عندي أن ما تلقاه هؤلاء المجرمين من أعضاء مجالس الشعب المزيفة من مزايا ضخمة كان يوازي في الواقع نصيبهم من عمولات السلاح وإن زاد المخلوع فسادا فوق فساد بمنحهم بعضها من أموال الشعب، وليس مما جنى من العمولات التي تصمه بحضيص السفالة.
ومن هنا فإن التباطؤ في تحويل كل هؤلاء إلى صنف من العدالة الناجزة يستجدي سؤالين، أحدهما بالغ الخطورة.
السؤال الأول هو من سيكون مسئولا أمام التاريخ عن إفلات أعضاء شبكة الفساد الفاجر من المساءلة الجادة؟ والإجابة القاطعة واضحة: ليس إلا السلطة الانتقالية، المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكومته. علّهم يفقهون، ويتصرفون بداع من المسئولية التاريخية.
أما السؤال بالغ الخطورة والذي سيبقى من دون إجابة في هذا المقال على الأقل، فهو: هل يمكن تفسير هذا الرفق البالغ والتدليل لمجرم من أخطر من أضروا، هو وعائلته وبطانته، بمصالح البلد في التاريخ المعاصر، والتعتيم الشديد على مجريات التحقيق معهم، والتأجيل المستمر والطويل للحظة الحقيقة التي يمثل فيها الفاسد الأكبر أمام القضاء وتذاع محاكمته علانية، بحرص شركاء آخرين في الفساد الفاجر على ألا يتفوه الفاسد المخلوع بما يضر بأمنهم أوبمصالحهم الحالية أو المستقبلية؟
ما يستدعي تساؤلا فرعيا سيبقى هو الآخر بدون إجابة الآن.
هل القصد من كل التأجيل والتعتيم على تحقيقات الفساد، خاصة مع الفاسد الأكبر، هو إخفاء أسرار فساد أشد فجرا مما اقترف الطاغية المخلوع عسى يقضي الله أمرا كان مفعولا ويستعيد وديعته أو يلقي الفاسد المخلوع مصير عبد الحكيم عامر، وربما يشيّع في جنازة عسكرية، وتدفن معه هكذا أسرار جبل الفساد الذي يراد له أن يظل مخفيا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.