عن أخطاء الماضي.. واحتكار السلطة ( لا يمكننا التنبؤ بالمستقبل ؛ ولكن يمكننا عدم تكرار أخطاء الماضي ) [ قول مأثور ] لا أعرف كيف تتم إدارة جلسات مجلس الوزراء المصري؛ في ظل تقلد أحد أعضائه لمنصبين . فسيادة المشير طنطاوي – فضلاً عن تقلده لمنصب وزير الدفاع – فإنه أصبح منذ 11فبراير2011م يتقلد منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة . وبموجب الإعلان الدستوري فإن المجلس العسكري هو الجهة التي تتولى إدارة شئون البلاد ؛ وفقاً للسلطات والاختصاصات المقررة لرئيس الجمهورية في القوانين واللوائح . لذلك من حق الرأي العام أن يعرف ؛ كيف تتم إدارة جلسات مجلس الوزراء في ظل هذه الازدواجية ؟ فطبقاً للمادة 142 من الدستور الذي تم إلغاؤه ؛ فإن رئيس الجمهورية كان يترأس جلسات مجلس الوزراء التي يحضرها , وهى مادة حتى لو انعدمت بإلغاء الدستور ؛ إلا أنها كانت تقرر أمراً عرفياً مستقراً ؛ مفاده أن من يتولى منصب الرئاسة تكون له رئاسة أي جلسة يكون مشاركاً فيها . ونظراً لأن المشير طنطاوي بوصفه وزيراً للدفاع يكون حاضراً في كل جلسات مجلس الوزراء ؛ فإن صفته كرئيس للمجلس العسكري تجعل له رئاسة مجلس الوزراء طالما كان حاضراً لجلساته . ربما يرى البعض أن هذا أمراً شكلياً وفذلكة لا طائل منها , ولكن واقع الأمر يقرر بأن تلك الصفة المزدوجة بما ترتبه من سلطات تثير العديد من الإشكاليات ؛ وهى : أولاً – إن تجميع السلطات وتكديسها وتكريسها في يد شخص واحد ؛ يمثل أول الطريق دائماً لإساءة استعمال السلطة والافتتان بها ؛ والتشبث بها وعدم الرغبة في مفارقتها ؛ وذلك لأن السلطة مفسدة والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة . وبالتالي ؛ فإن منصب رئيس المجلس العسكري ؛ العضو – بحكم منصبه كوزير للدفاع – في مجلس الوزراء ؛ هو منصب يكرس عدد من السلطات في يد شخص واحد ؛ بما يفتح الباب لتكرار نفس المأساة التي ظننا أن قيام الثورة كفيلاً بإنهائها ؛ وهى مأساة احتكار السلطة . ثانياً – إن المجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ لم يقدم للرأي العام حتى الآن القرار الجمهوري أو قرار وزير الدفاع الذي يوضح كيف تتم إدارة جلساته ؛ وكيف يتم صنع قراراته ؛ وكيف يتم التصويت عليها بالمجلس ؛ خصوصاً وأن رئيس المجلس يتقلد منصب وزير الدفاع منذ عشرين عاماً . وبالتالي فإن كل أعضاء المجلس باعتبارهم مرؤوسين لوزير الدفاع يدينون له بالولاء التام بحكم استمراره في الوزارة لهذه المدة الطويلة ؛ كما يدينون له بالطاعة التامة بحكم كونهم مرؤوسين لسيادته . ولهذا فمن غير المتصور – بحكم المنطق – أن يخالف أحدهم رأى من يملك إعفائه من منصبه ؛ بالإضافة إلى أن التقاليد العسكرية تحتم الانصياع لأوامر وتعليمات القادة . وهذا يوضح بأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة – مع كل تقديرنا واحترامنا لأعضائه – لا يملك امتياز مخالفة توجهات رئيسه ؛ على الأقل من الناحية الأدبية . ثالثاً – إن آخر ما كان يمكن تخيله لكل من شارك في الثورة المصرية ؛ هو أن تتمخض الثورة عن قيادة البلاد بقيادة عسكرية غير مدنية طوال الفترة الانتقالية . وربما كان يمكن للأمر أن يكون مستساغاً ؛ لو كان مجلس الوزراء يمثل الجهة المدنية المشاركة للمجلس العسكري في إدارة شئون البلاد . ولكن حتى هذا لم يحدث ؛ لأن وجود رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة داخل مجلس الوزراء ؛ جعل الوزارة المدنية تابعة للمجلس العسكري وليست شريكاً مدنياً له في الحكم . رابعاً – لا أستطيع أن أتجاهل إنني أحمل – كما يحمل الكثيرون غيري – الكثير من التقدير للتاريخ العسكري المشرف للمشير طنطاوي . ولكن هذا لا يمنع من أن منصب وزير الدفاع الذي يتقلده المشير منذ 20 عاماً هو منصب سياسي لا علاقة له بالتاريخ العسكري ؛ ولنا في الرئيس مبارك أسوة غير حسنة . وبالتالي ؛ يحق للرأي العام بحكم الحق في المساءلة السياسية ؛ أن يطالب المشير طنطاوي بأن يقدم لنا كل المعلومات التي استطاع الاطلاع عليها بحكم منصبه خلال العشرين عاماً الماضية ؛ والتي قد تساعد كثيراً في تتبع خيوط الفساد المالي والسياسي في عهد مبارك . ولا أظن أن السيد المشير سيجد أي حرج في الإفصاح عن تلك المعلومات ؛ لأنها بحكم المسئولية الوطنية معلومات ملك الشعب المصري وجزء من حقه الأصيل في المعرفة . ولا شك بأن الملاحق العسكريين لمصر في الدول الغربية يملكون – هم أيضاً – معلومات هامة قد تفيد في تتبع الأموال المنهوبة من مصر . خامساً – إن المشير طنطاوي أصبح الآن – بحكم منصبه كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة المنوط به إدارة شئون البلاد خلال الفترة الانتقالية – مطالباً بأن يكون تحت أضواء وسائل الإعلام ؛ ولعل غيابه عن الظهور الإعلامي ناتج عن الاشتباك بين منصبه كوزير للدفاع ومنصبه كرئيس للمجلس العسكري . وبالتالي ؛ لا يمكن لمصر ما بعد الثورة ؛ أن تقبل بقيادات تختفي عن دائرة الأضواء الإعلامية ؛ بينما يتصدرها الناطقين باسمه أو مساعديه . لأن من يقوم برئاسة المجلس الذي يتولى اختصاصات رئيس الجمهورية ؛ مطالب بأن يخرج للرأي العام ويواجهه بصفة دورية مستمرة منتظمة ؛ أسبوعية أو شهرية ؛ لعرض السياسات ونتائجها والتعليق على الأحداث وآثارها . القيادة المسئولة أمام الشعب التي تخرج للشعب أسبوعياً أو شهرياً لكي تقدم كشف حساب عن قراراتها وسياساتها؛ ينبغي أن تكون هي عنوان مصر ما بعد الثورة. لأن منهج ( مستر إكس ) يؤدى إلى عزل القيادة عن الشعب ؛ ويضع حول القيادة هالة ( ملكية ) لا تناسب طابع الدول الجمهورية . وبناءً على كل ما سبق ؛ فما هي الصيغة التي يمكن للرأي العام من خلالها ؛ فض الاشتباك بين الصفة المزدوجة للمشير طنطاوي التي تجعله رئيسا للسلطة التنفيذية بكل قطاعاتها ( رئاسة الدولة ؛ والرئاسة الاعتبارية لمجلس الوزراء ؛ وقيادة وزارة الدفاع ) ؟؟؟؟؟؟؟ في تقديرى ؛ أن هذا الاشتباك الذي يكرس السلطة في يد العسكريين ويحجبها عن المدنيين ؛ ثم يكرس تلك السلطة في يد شخص واحد بما يتناقض مع ما قامت من أجله الثورة ؛ هذا الاشتباك لن يمكن فضه إلا من خلال اكتفاء سيادة المشير بمنصبه كرئيس للمجلس الأعلى للقوات المسلحة ؛ وتعيين وزيراً ( جديداً ) للدفاع يصبح عضواً في الحكومة مثل باقي أعضائها ؛ وعضواً في المجلس الأعلى للقوات المسلحة مثل باقي أعضائه . الأمر الذي يؤدى إلى توزيع السلطات بما يمنع احتكارها في يد واحدة أو شخص واحد ؛ باعتبار أن هذا – وبكل بساطة – هو الأسلم والأصلح والأفضل للديمقراطية . فك الاشتباك والتداخل بين مجلس الوزراء والمجلس العسكري ؛ يتناسب مع جلال الثورة . لأن الثورة ؛ هي التي تعيد توزيع السلطات ؛ ولا تعيد احتكارها . الثورة ؛ هي التي تعيد لباقي مناصب الدولة سلطتها ومن ثم مسئوليتها ؛ ولا تجعل باقي المناصب مجرد هياكل شكلية تدور في فلك منصب الرجل الأول الأوحد . الثورة ؛ هي التي تتعلم من أخطاء الماضي ؛ ولا تعيد إدارة الحاضر ورسم المستقبل بنفس مناهج وتوجهات ذلك الماضي . الثورة ؛ هي إرادة الشعب التي خرجت من القمقم ؛ ومن المستحيل التحكم فيها بمجرد نزع غطاء هذا القمقم . ***** دكتور / محمد محفوظ [email protected]