ساندت حركات التحرر فى كل دول العالم، انتهجت سياسة الاقتصاد الاجتماعى، سعت إلى تشكيل وحدة عربية شاملة، رفع قائدها شعار: "لا نبيع كرامتنا من أجل حفنة من القمح".. هكذا كانت ثورة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952، التى استطاعت ان تتحرر بشكل كامل من التبعية لأمريكا وأوروبا. ثمانية عشر عاما هى عمر سنوات الاستقلال والتحرر الوطنى، عادت بعدها التبعية من جديد، مع أول رئيس بعد الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، تمثلت فى معونة عسكرية تضمن كشف إمكانيات الجيش، وضمان أمان الكيان الصهيونى، فضلا عن انتهاج سياسات اقتصادية لا تضمن السلام الاجتماعى. "البديل" سألت المؤرخ المصرى عاصم الدسوقى، المتخصص فى التاريخ المعاصر الاقتصادى والاجتماعى، والعميد السابق لكلية الآداب جامعة حلوان، كيف استطاعت ثورة يوليو التخلص من التبعية الأمريكية، ومتى عادت إلى أحضانها مرة أخرى، ولماذا لم تستطع ثورة 25 يناير أن تنقذ مصر من النوم فى أحضان التبعية؟ قال "الدسوقى": إن ثورة يوليو 1952 تعد الثورة الوحيدة فى التاريخ المصرى التى حررت مصر من التبعية لأوروبا والولايات المتحدة، مؤكدا أن ثورة 1919 لم تستطع أن تحرر مصر من التبعية. وأشار "الدسوقى" إلى أن إعلان فبراير 1922 وقت أن كانت مصر تحت الحماية البريطانية، جعل مصر مملكة مستقلة، بدليل أن المندوب السامى البريطانى ظل هو المندوب السامى البريطانى، ولم تكن لمصر سفارة فى لندن، وظل الأمر كذلك حتى معاهدة 1936 التى أبقت جيش الاحتلال فى مصر، فعلى الرغم من أن مصر أصبحت مستقلة، وتحول المندوب السامى البريطانى إلى سفير لبريطانيا فى مصر، ودخلت مصر عصبة الأممالمتحدة التى تضم الدول المستقلة على إثرها، فإن دولة الاحتلال البريطانى كانت هى المتحكمة فى السياسة المصرية. وأكد "الدسوقى" أن ثورة 1952 حررت مصر بشكل كامل من التبعية، وتم عقد اتفاقية الجلاء في 18 يونيه 1956، التي خرج الإنجليز من مصر بموجبها، ثم دخلت مصر "الثورة" فى معارك الاستقلال ورفض التبعية على مستوى الدول العالمية، ورفضت دخول التحالفات التى شكلتها أمريكا للتضييق على الاتحاد السوفيتى آنذاك، كما رفضت قبول سلاح المعونات المشروطة، وكما قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصر جملته الشهيرة: "لا نبيع كرامتنا واستقلالنا من أجل حفنة من القمح"، وانضمت مصر إلى مجموعة "باندونج" فى أبريل 1955، التى ناصرت حركات التحرر فى العالم. ومن الخطوات التى اتبعتها مصر للتخلص من التبعية، ففى مايو 1956، اعترفت مصر بالصين الشعبية، وهو ما كان ضد رغبة الدول الكبرى، التى كانت ترفض الانضمام لعصبة الأممالمتحدة، وكانت الصين الوطنية ممثل الصين فى عصبة الأممالمتحدة. وأوضح "الدسوقى" أن هذه التبعية التى أسقطها جمال عبد الناصر، عادت مع الرئيس الراحل محمد أنور السادات، وأوصلت إلى التفاوض مع إسرائيل واعتراف السادات بها كدولة، وحصول مصر على معونة أمريكية قدرها 2 مليار دولار، جزء منها يذهب فى مرتبات، وبالتالى فإن أمريكا تحكمت فى نوع السلاح، بحيث يكون دفاعيا وليس هجوميا ضد إسرائيل. كما أن عهد الرئيس السابق أنور السادات شهد تبعية الاقتصاد المصرى لأمريكا فى انتهاج سياسة الرأسمالية، وزوال دور الاقتصاد الاجتماعى الذى أقامه جمال عبدالناصر، والذى عاش فى ظله المصريون حتى وفاته، ومن الدلائل على تبعية مصر (السادات)، أنه عندما استجاب لصندوق النقد ورفع الدعم فى 17 يناير 1977، إندلعت المظاهرات المشهورة فى 18 يناير 1977، وكل هذه المظاهرات كانت ضد التبعية. وعرف "الدسوقى" التبعية بأنها انتهاج سياسة الاقتصاد الحر والرأسمالية، ولا تقترب من إسرائيل، خصوصا بعد معاهدة كامب ديفيد 1977، وهي نفس الضغوط التى مورست ضد باقى الدول العربية، كما حدث مع الأردن عام 1993 فى اتفاقية "وادى عربة". أما الشرط الثانى للتبعية، فهو عدم الحديث عن العروبة أو الوحدة العربية، وهو ما ظل سائدا حتى أيام الرئيس المخلوع حسنى مبارك، إلى أن قامت ثورة 25 يناير 2011، والتى خلت من البعد العربى، وثبت فيما بعد أن جماعة الإخوان لا يختلفون عن الحزب الوطنى السابق. وأكد "الدسوقى" أن ثورة 25 يناير انتهجت سياسة الرأسمالية البحتة فى الاقتصاد، وبالتالى التبعية لأمريكا، وتأكد هذا منذ تولى الرئيس المعزول محمد مرسى حتى إبعادة فى ثورة يونيو 2013. وأبدى "الدسوقى" أسفه لأن ثورة يونيو لم يتضح البعد الاجتماعى فيها، ويبدو من الوزراء القادمين فى التشكيل الوزارى الجديد أنهم سيدورون فى فلسفة الاقتصاد الحر، بمن فيهم رئيس الوزراء الدكتور حازم الببلاوى، وبالتالى الثورة التى رفعت شعارات "عيش – حرية – عدالة اجتماعية " لم تحقق الحكومات التى تم تشكيلها منذ وزارة الفريق أحمد شفيق، مرورا بالدكتور عصام شرف، وانتهاء بالدكتور هشام قنديل، لم تحقق أى هدف من أهداف الثورة، ويبدو كذلك الحكومة الحالية، وبالتالى فإن المرحلة الوحيدة التى عاشت فيها مصر بدون تبعية كانت فى الفتره ما بين أعوام 1952 – 1970.