عندما أعلن المستشار محمد احمد عطية رئيس اللجنة العليا للإشراف علي الانتخابات نتائج التصويت علي التعديلات الدستورية عمت مشاعر الفرح لدي من قالوا نعم لأسباب متعددة منها الرغبة في الاستقرار والخوف من تعديل المادة الثانية من الدستور وسيطرة المسيحيين ومنهم فلول الحزب الفاسد الساعيين للعودة ومنهم كتلة تماشي الأغلبية لخوفها من المعارضة. جاء علي الجانب الآخر كل القوي الليبرالية واليسارية والمسيحيين من جهة أخري. المؤكد أن يوم 19 مارس 2011 كان علامة فارقة في طريق التطور الديمقراطي بعد ثورة 25 يناير حيث خرجت الآلاف لتعبر عن رأيها لأول مرة ، كما خرج المسيحيين المصريين عن عزوفهم السياسي بمشاركة ايجابية واسعة. لكن لو نظرنا للنتائج التحليلية للاستفتاء تتضح لدينا الصورة بشكل أدق . - عدد المقيدين بالجداول الانتخابية في انتخابات مجلس الشعب التي تمت في ديسمبر الماضي 40 مليون مصري.شارك منهم في الانتخابات المزورة 14 مليون مصري يمثلون 35% ممن لهم حق التصويت .( الأهرام 1 ديسمبر 2010) أي أن 65% من المقيدين لم يشاركوا رغم التزوير الفج الذي قاده الحزب الوطني. - تعد هذه هي المرة الأولي التي يتم فيها التصويت ببطاقة الرقم القومي حيث أصر المجلس العسكري علي عدم تغيير قانون ممارسة الحقوق السياسية الصادر سنة 1956 أي منذ 55 سنة والذي ابتدع موضوع جداول الناخبين وصدور تعديل خاص بالتصويت علي التعديلات الدستورية فقط مما يعني انه من الممكن التراجع عن ذلك في انتخابات الشعب والشورى القادمة. - أضيف 4.2 مليون ناخب نتيجة التصويت بالرقم القومي إلي من لهم حق التصويت. - شارك في الاستفتاء 18.5 مليون ناخب يمثلون حوالي 42% ممن لهم حق التصويت. - توجد محافظة واحدة صوت فيها 2.3 مليون ناخب هي القاهرة، خمس محافظات صوت بها أكثر من مليون ناخب وهي الإسكندرية والشرقية والمنيا والدقهلية والبحيرة. - يوجد ست محافظات تجاوزت نسبة الأصوات الباطلة 1% من الناخبين وهي البحر الأحمر والجيزة والمنيا وجنوب سيناءوأسيوط والسويس. - جاءت النتيجة العامة للاستفتاء 77% وافقوا علي التعديلات الدستورية و23% رفضوا التعديلات الدستورية. - تعد القاهرة والبحر الأحمر وجنوب سيناءوالإسكندريةوالجيزة أكبر المحافظات التي رفضت التعديلات بنسبة 39% في القاهرة و37% في البحر الأحمر و 33% في الإسكندرية وجنوب سيناء و 32% في الجيزة. - كما تعد مرسي مطروح والوادي الجديد أكثر المحافظات التي وافقت علي التعديلات بنسبة 92% و91% . - علي مستوي المجموعات الجغرافية رفض 31% من سكان القاهرة الكبري التعديلات الدستورية يليهم محافظات القنال 24% ثم 21% للمحافظات الحدودية و19% في الوجه القبلي و 16% في الوجه البحري. - رفض التعديلات 39% في القاهرة و32% في الجيزة و28% في حلوان 19% في القليوبية و 16% في 6 أكتوبر. - حوالي ثلث سكان المحافظات الحضرية الكبرى رفضوا التعديلات الدستورية. - جاء إجمالي الرفض في محافظات القنال ليمثل 24% من الأصوات الصحيحة وكانت اعلي نسب الرفض في بورسعيد 29% و الإسماعيلية 22% والسويس 21% رغم أنها كانت اعلي المحافظات من حيث المشاركة في الثورة وعدد الشهداء. - بلغت نسبة الرافضون في المحافظات الحدودية 21% وبلغت اعلي معدلاتها في البحر الأحمر 37% وجنوب سيناء 33% واقل نسبة معارضة للتعديلات في الوادي الجديد حيث لم تتجاوز 9% و في مرسي مطروح 8%. - تدحض هذه النتائج الادعاءات الخاصة بأن المحافظات التي تعتمد علي السياحة تصوت مع الاستقرار حيث جاءت نتائج التصويت في المحافظات التي تضم الغردقة وشرم الشيخ كأهم المقاصد السياحية بنسبة تتجاوز الثلث ضد التعديلات الدستورية. - رفض 19% من سكان الصعيد التعديلات وجاءت علي رأس المحافظات من حيث نسب الرفض محافظة أسيوط 27% والمنيا 23% وسوهاج 21%.وقد يرجع ذلك لارتفاع نسبة مشاركة المسيحيين في هذه المحافظات. كما تعد محافظتي قنا وبني سويف الأقل معارضة للتعديلات في الصعيد. - صوت 16% من سكان الدلتا ضد التعديلات الدستورية و 84% مع التعديلات الدستورية وتعد محافظات الغربية والدقهلية أكبر محافظات الدلتا التي رفضت التعديلات 21% و 20% . أما أعلي محافظات الدلتا تأييداً للتعديلات فهي كفر الشيخ والبحيرة. هذه هي أهم نتائج الاستفتاء علي التعديلات الدستورية وهناك عدة نتائج هامة يجب أن نتأملها وهي: 1. رغم كل حديثنا عن الثورة والعهد الجديد والعرس الديمقراطي أحجم 58% ممن لهم حق التصويت عن المشاركة فهل لازالت هذه الكتلة غير واثقة في التغيير ؟! 2. إن من رفضوا المشاركة يبلغ عددهم 25.7 مليون ناخب وهم المستهدفين لكل القوي والتيارات السياسية خلال الفترة القادمة. 3. رغم أن 14.2 مليون صوتوا بالموافقة إلا أنهم ليسوا كتلة واحدة وتنوعت أسباب موافقتهم ومنهم الكثير ممن يحرص علي الاستقرار وتصوروا أن رفض التعديلات سيزيد الفوضى الحالية. 4. نفس الوضع ينطبق علي الرافضين للتعديلات والذين بلغ عددهم 4.2 مليون ناخب تشمل الليبراليين واليسار . 5. ارتفاع نسبة مشاركة المسيحيين السياسية تعد من أهم الايجابيات والتي يجب أن تتبلور من خلال انخراطهم في الأحزاب السياسية التي تتكون حالياً من أجل الدفاع مع كل قوي التقدم عن الدولة المدنية وحقوق المواطنة. 6. أمامنا 6 شهور قبل إجراء الانتخابات التشريعية القادمة تحتاج إلي جهود مكثفة لاستقطاب اجزاء ممن وافقوا علي التعديلات لبرنامج ديمقراطي ، وكسب ثقة الكتلة الصامتة والتي يتجاوز عددها 25 مليون ناخب . 7. نحتاج إلي بناء حلف يساري من كل الأحزاب اليسارية التي تشكلت والتي سيتم تشكيلها علي مواقف علمية وقوائم مشتركة في الانتخابات القادمة ومرشح واحد للرئاسة. 8. بناء أوسع جبهة مع القوي الليبرالية حول الدولة المدنية وحقوق المواطنة ومحاربة الفساد وإسقاط ترسانة القوانين المقيدة للحريات. 9. إن معركة الدستور الجديد لم تنتهي بعد وحتى بعد تشكيل مجلسي الشعب والشورى سيطرح عليهم مهمة إعداد دستور جديد وأمامنا وقت يسمح بالدعاية بشكل أفضل من أجل أفكارنا ونشرها بين الطبقات المستهدفة. 10. لا تزال العصبيات القبلية والدينية تفعل فعلها في الحياة السياسية وهي فساد ممتد لأكثر من نصف قرن وعلينا مواجهته بتحويل المعركة إلي معركة سياسية وصراع أفكار وبرامج ورفض أساليب التيار الديني الذي استطاع اللعب علي المشاعر الدينية. واجبنا أن نصمم علي أن تكون الانتخابات القادمة بالقائمة النسبية وليست بالنظام الفردي. علينا أن نشن هجوم قانوني ضد مشاركة الحزب الوطني في الحياة السياسية وحل الحزب وملاحقته قضائيا بسبب الفساد واسترداد المقرات التي استولي عليها ومنع أعضائه من خوض الانتخابات القادمة والتأكيد علي أهمية فصل الأحزاب عن أجهزة الدولة وعن الرئيس . إن ثورة 25 يناير لم تنتهي بعد ونتائج الاستفتاء علي التعديلات تؤكد أننا نسير علي الطريق الصحيح من أجل مستقبل مصر كدولة ديمقراطية مدنية.