مشاعر متناقضة عاشها المصريون الأسبوع الماضي، عكست شعوراً بالهوان بسبب ما آلت إليه الأوضاع في سيناء، بجانب سخط كاسح لانقطاع الكهرباء المستمر في فترة تعيش فيها كثير من الأسر المصرية على أعصابها بسبب الامتحانات وتأثيرها السلبي على الطلاب أثناءها؛ بالإضافة إلى ما يحدثه هذا الانقطاع من شلل وارتباك في مرافق العمل الإنتاجي والإداري والخدمي؛ العام والخاص، في نفس الوقت هناك شعور بالعنفوان والثقة بالنفس للنجاح المضطرد ل'حركة تمرد'، وهي تسعى لجمع 15 مليون توقيع قبل 30/ 6/ 2013 لسحب الثقة من د. محمد مرسي وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وما ترتب على هذا من حراك واسع استعدادا للخروج إلى الميادين والشوارع في ذكرى مرور عام على وجود مرسي في منصب الرئيس المنتخب في نهاية الشهر القادم. هذا وكأن مكتب الإرشاد الحاكم ما زال لديه فائض طاقة ووقت يستهلكه في تعقيد المشاكل وتكريس الجهد من أجل التمكين والأخونة، وهذا خلق مناخا حال دون تحول حدث مثل إطلاق سراح الجنود المخطوفين السبعة إلى نجاح وانتصار كان الإخوان في حاجة إليه. وبالنسبة لمعالجة كارثة سيناء فقد بدأها مرسي بداية غير موفقة من لحظة وقوعها؛ حين دفع بمساعده السلفي عماد عبد الغفور للتفاوض مع المختطفين، وعزز مهمته بإعلان حرصه على أرواح الخاطفين والمخطوفين، وتلكؤ مؤسسة الرئاسة في إعلان الإدانة حتى انفجار الغضب الشعبي ورفض القوات المسلحة الرضوخ لمطالب الخاطفين، تحسبا للتداعيات التي تستمر بسيناء رهينة للجماعات المسلحة ومنظمات الإسلام السياسي الجهادية، وتحولها إلى ‘تورا بورا' مصرية. لكن ما وصلني على بريدي الألكتروني يقول شيئا آخر، ووُصِف بأنه اتفاق بين مرسي والخاطفين بواسطة مشايخ قبائل سيناء وقادة تنظيم القاعدة في جلسة عرفية تمت في 19 ايار/مايو 2013.. وإذا ما صحت هذه الرسالة فإنها تبين أن هناك رضوخا قد حدث، وذلك ألقى ظلالا من الشك على تصريحات مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية. شمل ذلك الاتفاق المزعوم عشرة بنود ومطالب هي بالنص: إطلاق سراح الجنود المختطفين سالمين ودون أذى خلال 48 ساعة، وعدم القبض على أي من الخاطفين أو المساس بعائلاتهم وتعويضهم بوظائف كريمة في المحافظة، وعدم تدخل الشرطة المدنية في شؤون عرب سيناء.. واعادة محاكمة حمادة شيته وجميع المقبوض عليهم من المنتمين للتيارات الأسلامية في قضايا إرهابية أو جنائية أمام دوائر تحكم لهم بالبراءة لأنه لا يجوز إصدار عفو رئاسي عنهم حتى لا تستغله المعارضة ضد الرئيس.. الحكم على من أمضى مدة سجن احتياطي بالسجن بنفس المدة التي قضاها بالسجن من المحكمة ويخلى سبيله خلال شهرين.. إعادة المحاكمات لكل الصادر في حقهم أحكاما غيابية من عرب سيناء أمام دوائر تضمن إسقاط الأحكام واعطاء البراءة.. وسحب قوات الجيش والشرطة من سيناء تماما وبقاء قوات رمزية كما كانت وتعيين بدو سيناء بالشرطة وقصاصين طرق وتمليكهم الأراضي التي يضعون يدهم عليها.. ويبدأ تنفيذ أعادة المحاكمات خلال مدة أقصاها شهران من اليوم (19 مايو 2013) ولحين هدوء الأوضاع.. وصرف النظر عن غلق الأنفاق بين مصر وغزة تماما لأنها مصدر رزق ودخل عرب سيناء وتعويضهم ماديا عن الخسائر التي ستلحق بهم ولحين إنشاء منطقة تجارة حرة وتبادل تجاري بين رفح الفلسطينية ورفح المصرية.. ويبقى هذا الأتفاق سريا لا يخرج خارج حدود خيمة الاتفاق المنعقدة به وكلمة العرب عقد ولا يتم تحرير أي اتفاقات مكتوبة ولا يتم التصريح بأي شئ لوسائل الإعلام أو الصحافة.. ويضمن مشايخ القبائل الحاضرين على تنفيذ شروط الأتفاق العرفي، ويضمنون الرئيس مرسي واللواء أحمد وصفي في تنفيذ وعودهم وسحب جميع القوات من سيناء. وعلينا الربط بين هذا وبين ما صرح به محمد فؤاد جاب الله، القاضي والمستشار القانوني السابق لرئيس الجمهورية، ونشرته مجلة ‘الوعي العربي الإلكترونية' نقلا عن برنامج ‘آخر كلام' ليسري فودة؛ ذكر جاب الله أنه تنبأ بالكارثة عقب اختطاف 4 من رجال وزارة الداخلية بعد الثورة مباشرة، مرورًا بالعملية الإرهابية التي راح ضحيتها 16 من الجنود المصريين في رمضان الماضي؛ وأكد أن سيناء خرجت عن هيمنة الدولة إلى سيطرة مجموعات خارجة على القانون تهدد الأمن القومي والدولي حسب وصفه، وأشار إلى أن بطء المسئولين في اتخاذ القرارات المطلوبة حول الأزمة إلى كارثة، وعزا ذلك إلى غياب رؤية لإدارة الأزمات التي مرت على الشعب المصري في الفترة الماضية. واستطرد جاب الله بقوله أن جهاز المخابرات الحربية هو صاحب الكلمة العليا في سيناء، وأنه يعلم بأن إطلاق سراح الجنود السبعة جاء من خلال حوار أجرته المخابرات الحربية وشيوخ قبائل سيناء، مضمونه ترك الجنود في الصحراء مقابل إفلات الخاطفين من العقاب، واعتبر ذلك أمرا مرفوضا تماما؛ ‘لأن من أمن العقاب أساء الأدب'، على حد قوله. وبين أن خاطفي الجنود معروفون، ومن خلال قراءته للمشهد يرى أن هناك اتفاقا تم مع الخاطفين بطريقة غير مباشرة. وكان مستغربا في ظروف الحرص الشديد من جانب مكتب الإرشاد على مدى ما يقرب من عام على تعطيل وتعويق تحركات القوات المسلحة لتطهير سيناء من الجماعات المسلحة أن يتغير الموقف بين يوم وليلة ويزداد التأييد لقيامها بمهمة تحرير المخطوفين.. وهناك من سأل هل هو فخ؟ أم أنه مصيدة نُصبت للقوات المسلحة، فتتولى مهمة هي من صميم عمل الشرطة، ودور القوات المسلحة هو في حدود تقديم الدعم وتأمين سبل النجاح لمثل هذه المهام. وكنا نتمنى أن يكون إطلاق سراح المخطوفين نصرا حقيقيا وليس نصرا وهميا؛ لن يفيد فيه حل كالذي اقترحه مساعد مرسي السابق محمد فؤاد جاب الله بإمكانية نجاح مرسي في معالجة أزمات مصر، إذا ما قاد عملية تصحيح للثورة، والمعروف أن فاقد الشئ لا يعطيه؛ والأغلب أن هذا المقترح سيوظف غطاء لخطوات وإجراءات من الممكن أن تُتخذ لمواجهة ما تسفر عنه الأوضاع في 30 حزيران/يونيو القادم؛ يوم خروج الشعب إلى الميادين والشوارع بهدف إزاحة مرسي عن الحكم. وإمكانية التوظيف واردة؛ فمكتب الإرشاد له السيطرة على مؤسسة الرئاسة الممثلة للسلطة التنفيذية، ومتمكن من السلطة التشريعية بعد أن أوكلها لمجلس شورى مطعون في شرعيته ومشروعيته، وبدأ في تصنيع سلطة قضائية مؤخونة وخصخصة جزء منها لحسابه، وتعيين نائب عام ‘ملاكي'، وتكوين جماعة قضائية مؤخونة هي ‘قضاة من أجل مصر'. وبذلك ليس في حاجة للدعوة لانتخابات برلمانية ما دام ممسكا بالسلطتين التنفيذية والتشريعية ونصف السلطة القضائية. وفي الوقت الذي نتفهم فيه الغضب الشعبي من حكم الإخوان المسلمين، ومن أزماته المستفحلة، نرى أن مثل هذا الغضب المشروع والمبرر لا يجب أن يجرنا إلى عداوة الأشقاء الفلسطينيين، ونحن نرى بأن المحرضين الانعزاليين مثلهم مثل الوهابيين الطائفيين، الذين يحاربون معركة السعودية ضد إيران على أرض مصر، وتتصدى جيوشهم الجرارة لأعداد الشيعة القليلة، وتوالي وتمالئ الصهاينة، وبنفس النهج يقوم العداء ضد الفلسطينيين وتصورهم الكتائب الانعزالية باعتبارهم خطرا ماحقا على مصر والمصريين!!. وكثيرون ينظرون إلى حماس كفرع فلسطيني لجماعة الإخوان المسلمين، ولهذا تحصل على نصيبها من سخطهم، وهي في النهاية فصيل له ما له وعليه ما عليه، وليست هي كل أهل غزة، الذين لا يجب معاقبتهم بجريرة خطايا إخوان مصر، فيحاصرون ويحرمون ويعزلون عن العالم، وهذا تصرف غير إنساني فضلا عن أنه عمل غير أخلاقي، ومهما كانت انفعالات المحتجين الذين أغلقوا معبر رفح فيجب ألا تتجاوز الحد الإنساني والأخلاقي، ولا تصل حد معاقبة أبرياء وبسطاء؛ منهم الطفل والمريض والعاجز والكهل. والأولى ألا يبقى معبر رفح سيفا مصلتا على رقاب فلسطنيي غزة؛ على أن تتجه الأنظار إلى الممسكين بأسرار الجرائم المرتكبة ضد الأبرياء والثوار، والإعلان عنهم وإخضاعهم للقانون ومحاسبتهم، سواء كانوا من المصريين أو من غيرهم؛ على أن يتطور التفكير العربي بشكل عام والتفكير المصري بشكل خاص، ويفرق بين جماعة أو جمعية أو حزب أو منظمة وبين باقي الشعب، فتستقيم الأمور ولا يستمر الجسد العربي في وهنه المزمن الذي يعاني منه. وحل مشكلة سيناء يكمن في توطين سكانها، وتلبية رغبة الراغبين من أبناء الوادي والدلتا في الاستقرار فيها، وليس من المنطق أن تعتمد الدولة الصهيونية على الاستيطان والمستوطنين؛ مهاجرين وغرباء، وترفضه مصر على أرضها في سيناء، وأبناؤها مواطنون وأصحاب أرض وشركاء وطن، وإذا جعلت الدولة الصهيونية من المستوطن مقاتلا حاملا للسلاح، فلماذا لا ينشأ جيل جديد يخضع لبرامج وطنية متقدمة، وتبنى له القرى والمدن الحديثة، وتتاح له فرص التعليم الحديث والتدريب المهني المتقدم في مجالات الزراعة والصناعة والتقانة، مع دورات للتدريب على فنون ومهارات الدفاع عن النفس؛ بما فيها التدريب على حمل السلاح. ورغم وجود شرطة صهيونية فإنها لم تلغ دور المستوطن، الذي يحمل سلاحه ويحتفظ به في بيته لمواجهة أصحاب الأرض الأصليين. وسيناء ليست الصداع الوحيد في رأس الحكم الإخواني، وهناك ‘حركة تمرد'، وقد غاصت في أعماق المجتمع وتسللت إلى خلاياه، ونقلت حالة الالتفاف حول ‘حركة تمرد' من الجماعات الثورية والوطنية والأحزاب السياسية والنقابات واتحادات الطلبة والفلاحين وموظفي الدولة والعاملين في القطاعين العام والخاص؛ نقل الحركة من حيزها الشبابي إلى كل بقعة في مصر، ومن الممكن أن تكون ‘حركة تمرد' حالة وروح تطور من أداء المعارضة وتنقلها إلى طور ‘المقاومة السلمية' وتكون آلية الشعب لتغيير جديد يستكمل به أهداف الثورة المجهضة!!. ول'المقاومة السلمية' صور متعددة؛ تبدأ بمقاطعة الحكم الاستبدادي المذهبي ومؤسساته وأجهزته ورجاله والمتعاونين معه ومؤيديه، وتعبئ الشعب لمقاومة عوامل الإضعاف وضد ثقافة التقسيم والفتن، وقد يستدعي هذا حكومة ثورية موازية تمد المواطن بالأفكار والمشروعات اللازمة لتخفيف الأعباء عن الناس، ولا يمكن للحكومة الموازية أن تنجح إلا بقيام مجالس محلية موازية تربط الحكومة الموازية بالقواعد الشعبية.