في"جزيرة فاضل".. معقل الفلسطينيين في مصر، وعلى أرضها تجد أصول عائلة "النامولي"، وهم أول من أتى إلى مصر عام 1984، وبنوا خيامًا وعاشوا فيها، ثم استمرت الهجرة إلى الجزيرة ورفضوا الاختلاط بمن حولهم من المصريين؛ حفاظًا على عادات البدو، وأملًا في العودة إلى فلسطين مرة أخرى، فلم يتزوجوا من القرى المجاورة، حتى لا يحملوا عبء زيجاتهم حين رجعوهم إلى وطنهم، ومر 65 عامًا ولم يتحقق أملهم في "العودة"، وظلوا "لاجئين"، هذا المصطلح الذي كتب عليهم أن يظلوا بلا حقوق، ولكن الأكثر ضياعًا في الجزيرة المنعزلة عن مصر بعاداتها وتقاليدها وأهلها، هم وأد"الفتيات"؛ فلا حق لهم في التعليم أو الزواج من غير الفلسطيني – حتى لو أرادوا ذلك - وإحياء لذكرى النكبة، حرصت "البديل" على رصد همومهم، والتعرف على معاناتهم من داخل ديارهم. في البداية قالت رشا .ع "16 عامًا" أنها تركت المدرسة بعد الحصول على الشهادة الإعدادية؛ لأن المدرسة الثانوية بعيدة جدًّا عن الجزيرة، كما أن نفقات التعليم هناك تتطلب أموالًا كثيرة وإجراءات لا يتحملنها؛ وبالتالي يكون الحل التسرب من التعليم، والعمل في جمع القمامة وهي الوظيفة التي يشتهر بها أهل الجزيرة بمحتلف أعمارهم، مؤكدة أنهم طالبوا بحقهم في الحياة فقط، قائلة: "اللي بيتعب مش بيلاقي برشامة"؛ لعدم وجود مستشفى أو حتى صيدلية واحدة لخدمتهم، ولا تخرج القرية أي كوادر في أي مجال، فلن يتخرج منها طبيب أو مهندس، على الرغم من حاجتهم لهذه الخدمات؛ لأن طبيعة عملهم في القمامة تعرضهم للكثير من الأمراض، والدليل على ذلك نسبة الإصابة بالسرطان بين الصغار والكبار. وأشارت إلى أن كل رجل ينجب حوالي 10 أو 15 فتاة، وهو لا يستطيع الإنفاق عليهم، فيظل بالبيت ويخرج بناته للعمل في الجبل ب"الصوالحة"؛ لزرع الليمون، أو جمع الخردة والقمامة ومعامل الدجاج، وينفقون على أسرهم وتجهيز أنفسهم عند الزواج، كما أن المعاملة السيئة في المدارس المجاورة تسبب الكره في التعليم، وعدم الرغبة في استكماله، فتتزوج وهي تعلم مسبقًا أنها ليست الزوجة الأخيرة؛ لأن عادات الجزيرة تلزم الرجل بالزواج من أكثر من إمرأة، وإنجاب الكثير من الأبناء باعتبارهم "عزوة"، وللمساعدة في العمل والحياة. أما سحر "14" عامًا من أم مصرية وأب فلسطيني، فقالت: أهم ما يواجههن من مشكلات هو التعليم، ونفور أهالي القرى المجاورة منهن؛ لأنهم ينظرون لهن على أنهن "زبالات"، ولا يصح التعامل معهم أو الزواج منهم، وهي مثل معظم الفتيات لم تكمل تعليمها، ومن عاداتهم أن الفتاة تتزوج في سن 15 عامًا، وإذا أتمت العشرين ولم تتزوج فلا يتقدم أي شاب لخطبتها، كما أنهن ليسن حاصلين على الجنسية المصرية، ويحملن وثيقة تؤكد أنهن لاجئات، وهو ما يعقّد أي إجراءات في التعليم وتملك الأراضي، ويعطيهم إحساسًا بأن فلسطين وصمة عار وعقبة في طريقهم. وأضافت أن الإناث ليست لهنَّ أي حقوق في اختيار الزوج، ولا يملكون قبولًا أو رفضًا من يتقدم لهن، أو الجلوس معه بعد الخطوبة، فالأب من يختار ويتفق مع "العريس" وهم فقط يشترين لأنفسهن أغراض الزفاف، حتى يأتي موعده ويتبعون نفس العادات المصرية، وأكدت أنهن لا يحلمن بالعودة مثل باقي الفلسطينين؛ لأنهن لن يجدن بيوتًا أو أراضٍ أو معيشة أفضل من هنا، ويطالبن فقط ببعض الإصلاحات والخدمات، وأهمها مدرسة ووحدة صحية لراعيتهن والكشف عليهن؛ مثل باقي القرى المحيطة بهنَّ، ومعاملتهن كمصريات لأنهن ولدوا على أرضها ومن حقهم أن يتمتعن بخيراتها مثل باقي أبناء الوطن. ومن جانبها قالت صباح حسين مسئول المرأة باتحاد عمال محافظة الشرقية: إن عدم الاستجابة لمطالب أهل الجزيرة من حيث بناء مستشفى أو مدرسة، ليس تقصيرًا ولكن الفلسطنين من أهل القرية لا يحق لهم تملك الأراضي، وبالتالي عندما جاء متبرع لإقامة بعض المشروعات الخدمية، وجدت الأموال اللازمة للتمويل ولم يجد قطعة أرض لإنشاء المدرسة والوحدة الصحية، كما أن الأهالي لا يبالون من الأساس بالتعليم؛ لحالة الفقر التي يعيشونها، ويعتقدون أن "يومية" الطفل التي يحصل عليها من عمله في جمع القمامة أو غيرها، أفضل بكثير من تعليمه. وأوضحت أنه حتى فُتح فصل محو الأمية بالقرية، لا يذهب إليه إحداهن بسبب عادات الأهل التي لا تسمح للفتاة للخروج من منزلها إلَّا للعمل، بالإضافة إلى زواجهن في سن مبكر يبدأ من 14 إلى 20 ، وهذا يفسر ارتفاع نسبة الأمية إلى 90% ، وال10% الباقية تعليمهن ىيقف عند الصف الثالث الإعدادي، وأضافت أنهن في حاجة شديدة إلى وحدة صحية وصيدلية؛ لأن مهنتهن تعرضهن للإصابة بالأمراض الوبائية وغيرها، وطالبت الجهات المعنية بالاستجابة لهم وحث المجتمع المدني على رعايتهن، وأن يكفلوا لهنَّ الحق في الحياة.