يؤكد المفكر اللبناني "جلبير الأشقر" في كتابه "العرب والمحرقة النازية" أن النزاع العربي الإسرائيلي لا ينحصر في الحروب التي تم خوضها في ساحات القتال في الشرق الأوسط، لافتًا إلى أن لهذا النزاع بعدًا آخر يتمثل في حرب بين مرويات متعارضة تدور حول المحرقة النازية لليهود ونكبة الفلسطينيين الذين استولت الحركة الصهيونية على وطنهم، وحولت معظمهم إلى شعب من اللاجئين. وحول ما طرحه في مؤلفه كان الجزء الأول من حوارنا مع جلبير الأشقر الأستاذ بمعهد الدراسات الشرقية والإفريقية ورئيس مركز الدراسات الفلسطينية بجامعة "لندن". * بداية في رأيك كيف ساهمت النازية التي سعت للقضاء على اليهود في تحقيق مشروعهم الصهيوني، أو بمعنى آخر كيف استغلها لتحقيق مشروعهم غير المشروع؟ عندما انتصرت النازية بألمانيا رأت الحركة الصهيونية أن الفرصة سانحة أمامها لتؤكد من خلالها وعن طريق تطرف النازية عدم إمكانية عيش اليهود في سلام واطمئنان مع غيرهم، من هنا جاءت الإشارة إلى ضرورة إقامة دولة يهودية، وبعد وصول النازيين للسلطة بفترة قليلة، جرى اتفاق بين الحركة الصهيونية والنازية على توجيه اليهود الألمان الذين كانت ألمانيا النازية تطردهم إلى فلسطين، فالسياسة الألمانية كانت في البداية تقوم علي طرد اليهود، وعندما بدأت الحرب العالمية لجؤوا إلى الإبادة أو "الحل النهائي" بتعبير النازية، وهذا أسهم إسهامًا كبيرًا في إعطاء دفعة كبيرة للمشروع الصهيوني، فعندما حدثت الإبادة، بدأت الصهيونية تطالب الدول الغربية التي انتصرت في الحرب العالمية الثانية بإقرار مشروع تقسيم فلسطين ومنح الحركة الصهيونية حق إقامة دولة. إذن المحرقة أفادت اليهود أكثر مما أضرتهم، فقبل المحرقة كان المشروع الصهيوني عاجزًا عن أن يتحقق؛ لأن عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين كان قليلاً جدًّا، وعندما كان اليهود الأوربيون يرغبون في الهجرة، كانوا يهاجرون إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية باستثناء اليهود الصهاينة الذين كانوا يهاجرون إلى فلسطين، وكان عددهم قليلاً للغاية. أما بعد المحرقة فقد تزايد عدد اليهود المهاجرين إلى فلسطين بشكل كبير للغاية؛ وبالتالي "فإن دولة اليهود إنما تدين بفضل قيامها إلى المحرقة"، وبذلك نجحت الحركة الصهيونية في استخدام النازية والمحرقة لتحقيق المشروع الصهيوني، وحتى الآن تستخدمهما كورقة ابتزاز أخلاقي للدول الغربية التي لها المسئولية المباشرة في إبادة اليهود؛ وذلك لمنع أي موقف نقدي تجاه إسرائيل، وللحصول الدائم على الامتيازات والتمويل والتسليح. * وهل معني ذلك أن النكبة الفلسطينية جاءت من الكارثة اليهودية؟ بالفعل، فقد وجدت الفاجعة اليهودية تتمة لها في المأساة الفلسطينية "النكبة"، فالنكبة الفلسطينية تنبع من الكارثة اليهودية كما لو أنها مشتقة منها، وهذا هو ما عناه إدوارد سعيد بوضوح عندما شدد في بحث محوري على الصلة التي يجب عقدها بين ما حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية ونكبة الشعب الفلسطيني، غير أن جوزيف مسعد انتقد ما أكده سعيد؛ في محاولة منه لإظهار أن "المأساة اليهودية لم تخلق النكبة الفلسطينية"، فهو يذهب إلى أن المشروع الصهيوني سابق تاريخيًّا للاشتراكية القومية والمحرقة، ولكنني أعتقد أن هذه الحجة ضعيفة للغاية، فتاريخ الحركة الصهيونية يعود للقرن التاسع عشر، ولكنها كانت فاشلة تمامًا في هذا الوقت، ومن الواضح أنه لولا وصول النازيين للسلطة في ألمانيا، ولولا المحرقة لما نجح المشروع الصهيوني. * وماذا عن دور أمريكا في تهجير اليهود إلى فلسطين؟ دور أمريكا سلبي وغير مباشر، بخلاف دور النازيين الذين تعاونوا مع الحركة الصهيونية، وحتى المخابرات النازية تعاونت معها. أما أمريكا فمسئوليتها تقع في رفضها فتح أبوابها للاجئين اليهود، وهذه جريمة، حيث اضطروا أن يذهبوا إلى فلسطين. *وفي تلك الفترة ماذا كان موقف القادة العرب من الحركة الصهيونية؟ تنوعت مواقف العرب التاريخية من النازية والصهيونية، بل كان هناك حلفاء عرب للحركة الصهيونية مع أنهم يمثلون بالتأكيد أقلية، ولكنهم موجودون، فهناك قادة كانت لهم ارتباطات بالبريطانيين، مثل الملك عبد الله ملك الأردن، بل بوسعنا أيضا ذكر حلفاء كانوا مدفوعين بفكرة التحالف مع الصهيونيين بوصفهم "أعداء لأعدائهم"، ويمكن العثور على أمثلة واضحة لهذه المجموعة الأخيرة بين صفوف موارنة لبنان المسيحيين. وإذا عدنا الي الملك عبد الله الهاشمي نجد تواطؤه مع الحركة الصهيونية عند تقسيم فلسطين، حيث حصل نوع من التقاسم بينه وبين الحركة الصهيونية، استولى الملك عبد الله على 22 % من أراضي فلسطين، واستولت الحركة الصهيونية على 78 % منها. * وما هو تقييمك الآن لدور القادة العرب في خدمة القضية الفلسطينية؟ القادة العرب هم مصيبة على الشعب الفلسطيني؛ فمعظم الحكومات العربية تعمل علي تكريس اضطهاد الفلسطينيين، ولا تقوم بأي خدمة فعلية للقضية الفلسطينية، بل إن الشعب الفلسطيني يعامل معاملة العبيد في معظم البلاد العربية، في لبنان مثلاً هناك تمييز عنصري إزاء الفلسطينيين، ناهيك عن أن بعض القادة العرب حلفاء مع أمريكا؛ ومن ثم فهم حلفاء إسرائيل بشكل أو بآخر، وأيضًا هناك قادة عرب طعنوا القضية الفلسطينية في الظهر، بل إن هناك منهم من قتل الآلاف من الفلسطينيين، فهل ننسي مجزرة "أيلول الأسود" 1970 في الأردن؟ * في كتابك "العرب والمحرقة النازية" ذكرت أن أمين الحسيني هو أحد أبرز الأسماء المدرجة على لائحة شياطين العصر، بل أكدت أنه كان مسئولاً عن النكبة، هل لك أن تفسر لنا ذلك؟ أمين الحسيني هذا هو مصيبة على الشعب الفلسطيني؛ فهو قائد رجعي، عينه مفوض سامٍ صهيوني مفتيًا كبيرًا لفلسطين عندما كان شابًّا صغيرًا لم يصل إلى الثلاثين. تعاون وتآمر مع البريطانيين على حساب الشعب الفلسطيني، وعندما قامت الثورة العربية في فلسطين عام 1936، حدثت قطيعة بينه وبين البريطانيين، فهرب من البلاد، ولما بدأ البريطانيون يقدمون تنازلات لصالح فلسطين فيما عرف ب "الكتاب الأبيض"، أجهضها، بل فرض علي الحركة الفلسطينية رفضها، وبعد ذلك هاجر إلى ألمانيا، وتعاون مع النازيين. وهذا التعاون يعد جريمة؛ حيث أساء إساءة بالغة للقضية الفلسطينية، كما أنه تعاون مع السعوديين ومع المملكة الأردنية الهاشمية ضد الفلسطينيين، وكان جمال عبد الناصر محقًّا عندما طرده من مصر. باختصار هذا الرجل كان كارثة على القضية الفلسطينية. لولا النازية والمحرقة لما قام المشروع الصهيوني الملك عبد الله الهاشمي استولى على 22 % من أراضي فلسطين.. والحركة الصهيونية على 78 % منها أمين الحسيني عينه مفوض سامٍ صهيوني مفتيًا ولم يصل إلى الثلاثين.. تعاون وتآمر مع البريطانيين على حساب الشعب الفلسطيني