محافظ شمال سيناء يعلن عن طرح مدينة رفح الجديدة وقري الصيادين والتجمعات التنموية (صور)    فاتن عبد المعبود: سيناء أرض الفيروز وكنز لدينا في مصر    عزوف المواطنين عن شراء الأسماك يؤتي ثماره بالدقهلية.. انخفاض الأسعار للنصف    الصوامع والشون تواصل استقبال محصول القمح في المحافظات    بتوجيهات رئاسية.. سيناء تحظى بأولوية حكومية فى خطط التنمية الشاملة    رد عاجل من حركة حماس على طلب 17 دولة بالأفراج عن الرهائن    آلاف اليهود يؤدون الصلاة عند حائط البراق .. فيديو    "أون تايم سبورتس" تحصل على حقوق بث مباريات نصف نهائي الكؤوس الإفريقية لليد    بسبب إيقاف القيد.. أحمد حسن يفجر مفاجأة في أزمة بوطيب مع الزمالك    منافسة قوية لأبطال مصر في البطولة الأفريقية للجودو.. ورئيس الاتحاد: الدولة المصرية والشركة المتحدة لا يدخرون جهدا لدعم الرياضة    مصرع طفلين وإصابة بنت فى التجمع.. الأب: رجعت من شغلي وفوجئت بالحريق    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    مدرب صن دوانز: الفشل في دوري الأبطال؟!.. جوارديولا فاز مرة في 12 عاما!    "حماس": حال قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس سنضم جناحنا العسكري للجيش الوطني    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    الدورة 15 لحوار بتسبيرج للمناخ بألمانيا.. وزيرة البيئة تعقب فى الجلسة الأفتتاحية عن مصداقية تمويل المناخ    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    وزير التعليم العالي يهنئ رئيس الجمهورية والقوات المسلحة والشعب المصري بذكرى تحرير سيناء    تشافي يبرّر البقاء مدربًا في برشلونة ثقة لابورتا ودعم اللاعبين أقنعاني بالبقاء    غير مستقر.. سعر الدولار الآن بالبنوك بعد ارتفاعه المفاجئ    «الجيزة» تزيل تعديات وإشغالات الطريق العام بشوارع ربيع الجيزي والمحطة والميدان (صور)    مصادرة 569 كيلو لحوم ودواجن وأسماك مدخنة مجهولة المصدر بالغربية    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    جدول مواعيد امتحانات الصفين الأول والثانى الثانوى أخر العام 2024 في القليوبية    نقابة الموسيقيين تنعي مسعد رضوان وتشييع جثمانه من بلبيس    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الصحة: فحص 6 ملايين و389 طفلًا ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج ضعف وفقدان السمع    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    بنات ألفة لهند صبرى ورسائل الشيخ دراز يفوزان بجوائز لجان تحكيم مهرجان أسوان    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    عقب سحب «تنظيم الجنازات».. «إمام»: أدعم العمل الصحفي بعيداً عن إجراءات قد تُفهم على أنها تقييد للحريات    الكرملين يعلق على توريد صواريخ "أتاكمز" إلى أوكرانيا    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    أحدهما بيلينجهام.. إصابة ثنائي ريال مدريد قبل مواجهة بايرن ميونخ    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    بيلاروسيا: في حال تعرّض بيلاروسيا لهجوم فإن مينسك وموسكو ستردّان بكل أنواع الأسلحة    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    أبورجيلة: فوجئت بتكريم النادي الأهلي.. ومتفائل بقدرة الزمالك على تخطي عقبة دريمز    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    انعقاد النسخة الخامسة لمؤتمر المصريين بالخارج 4 أغسطس المقبل    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    آخرهم وائل فرج ومروة الأزلي.. نجوم انفصلوا قبل أيام من الزفاف    منها طلب أجرة أكثر من المقررة.. 14 مخالفة مرورية لا يجوز فيها التصالح بالقانون (تفاصيل)    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس25-4-2024    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    حدث ليلا.. تزايد احتجاجات الجامعات الأمريكية دعما لفلسطين    الفندق عاوز يقولكم حاجة.. أبرز لقطات الحلقة الثانية من مسلسل البيت بيتي الجزء الثاني    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    أحمد موسى: مطار العريش أصبح قبلة للعالم وجاهز لاستقبال جميع الوفود    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كارم يحيى : ” الأهرام “.. تمرد في الثكنة ( 1 )
نشر في البديل يوم 19 - 02 - 2011


* مهداه إلى روح الزميل الكاتب الصحفي “موسى جندي”
هبت رياح ثورة 25 يناير 2011 على الصحافة . ولم يكن ” الأهرام ” بكل ميراثه المحافظ شبه الرسمي وتربيه محرريه على الامتثال ل ” الريس ” بمنأى عنها. “الأهرام ” العريق الذي يمتد عمره إلى 135 عاما كغيره من مؤسسات الصحافة و الدولة لا تحكمه تقاليد ديمقراطية ، ترعى حق الاختلاف والنقد و اتخاذ القرار بعد مناقشات حرة.و حتى مجلس التحرير المنتقى بعناية وفق رغبات الحاكم الفرد و أسرته وحزبه وأجهزة أمنه إلا من رحم ربي يعمل بلا سياسة تحرير مكتوبة و “كود ” مهني أخلاقي .
كان المرحوم الكاتب الصحفي ” موسى جندي ” أبرز المحررين المتمردين في تاريخ “الأهرام” عندما يضيق بحال زملائه “الطيعين المطيعين ” (0)يصفهم بأنهم ” أمن مركزي”. لذا فان تعبير ” الثكنة” يبدو مناسبا جدا لحال المؤسسة و بخاصة الجريدة الأم “الأهرام اليومي ” ، و حيث يتركز ثقل آليات القمع والترويض المهني والإداري و السياسي بمعدلات أعلى من إصدارات المؤسسة الأخرى. وما أرويه هنا هو بمثابة شهادة شخصية من داخل الثكنة على جانب مما جرى في “الأهرام ” . شهادة من صحفي لم يكن الآن أو سابقا مطلعا على ما يجرى داخل حلقات صنع القرار التحريري والإداري . إذ اننى بقيت ولازلت في جريدتي ومؤسستي على الهامش. كما لا أزعم أنها رواية شاملة لما جرى . فروايتي هذه تتحدد بأفق حركة واحد من محرري “الأهرام” ليس إلا . كما استميح القارئ عذرا في إنني سأتعرض إلى حركتي الذاتية على مدى أيام الثورة ، بوصفي أحد الفاعلين في أحداث التمرد بالمؤسسة العريقة .
يوم الثلاثاء 25 يناير 2011 خرجت ” الأهرام ” على قرائها بعنوان رئيسي وموضوع يحتل النصف الأعلى من الصفحة الأولى عبارة عن حوار مع وزير الداخلية السابق “حبيب العادلي ” أجراه رئيس التحرير و أحد مديري التحرير الذي طالما وضع نفسه كمتحدث غير الرسمي بلسان جهاز أمن الدولة الرهيب .وقد أطلت صورة كبيرة للوزير المبتسم . فيما خلا العدد نفسه من أيه إشارة ولو في صفحة الوفيات إلى الحدث الذي كان ينتظره المصريون ( تنظيم مظاهرات شعبية تقصد وزراه الداخلية احتجاجا على سجلها الإجرامي في حق المواطنين ). وفي عدد اليوم التالي كان العنوان الرئيسي للجريدة ” احتجاجات و اضطرابات واسعة في لبنان” . فيما دفع المسئولون عن سياسة التحرير بحدث المظاهرات السلمية العارمة في القاهرة والمحافظات إلى أسفل مبرزين ” استشهاد مجند أمن مركزي ” ومتجاهلين تفريق مئات الألوف في ميدان التحرير على مقربة من مقر الجريدة بالقوة المفرطة فضلا عن المطلب الأساس للمظاهرات “رحيل مبارك ونظامه “. بل بلغ تزييف الوعي مداه بنشر خبر بجوار القصة الإخبارية للمظاهرات عنوانه باللون الأحمر “شيكولاته وورد في عيد الشرطة”.و يتحدث عن تبادل المواطنين مع رجال الشرطة وقياداتها مشاعر حب .
ذهبت إلى الجريدة مساء الخميس 27 يناير. كان المتواجد من الزملاء محدودا . لكنني لمست بينهم تزمرا مكتوما واستهزاءا بالتغطية الصحفية البائسة لما يجرى في الشوارع على مدى اليومين الماضيين ،وقد عاينوه واقعا بأنفسهم . و شمل هذا التذمر حتى أولئك الذين لا يهتمون بالسياسة ، بل وينفرون من الحديث في أي قضية عامه. وعندما عدت إلى الجريدة مرة أخرى في الأحد 30 يناير بعد يوميين مجيدين عصيبين داميين في البلد ، كانت دبابتان للجيش ترابطان أمام المبنى القديم بشارع الجلاء. و كنت احمل معي “نداء إلى زملائي في “الأهرام ” كتبته فجرا ووقعت عليه بخط يدي و معه رقم هاتفي المحمول ، بعدما شاهدت بعيني هاتين الجثث والجرحى يتدفقون على ميدان التحرير الليلة السابقة مصابين بنيران القناصة في الشوارع القريبة الموصلة إلى مقر وزراه الداخلية . و الدماء التي عاينتها لم أرها في حياتي وقد بلغت 52 عاما . و أخذت في توزيع نسخ من ندائي انطلاقا من قلب الثكنة ..أي صالة التحرير بالدور الرابع و على الزملاء المشاركين في اجتماع مجلس التحرير وبينهم مديرو تحرير . و قد حرصت على رواية شهادتي عن الليلة الماضية و وضعت عناوين بارزة في مقدمة النداء :” لا تصمتوا على مجازر مبارك وعصابته .. شكلوا لجانا شعبية للحفاظ على مؤسستكم.. مارسوا عملكم بمهنية وضمير وانحازوا إلى شعبكم ” . واللافت إن أيا من الزملاء بما في ذلك القيادات لم يكلف نفسه محاولة الاتصال بي، ولومن باب الفضول ، ليستوضح من شاهد عيان تفاصيل مجزرة الشوارع القريبة من ميدان التحرير .
وانطلقت إلى الأدوار المخصصة لتجهيز الصحيفة ” الماكنتوش ” و ” المطبعة ” . لكن أعداد العاملين كانت قليلة ربما بفعل الحالة الأمنية في البلاد . بل إن إدارة المؤسسة كانت بالأصل قد أغلقت مكتبات الكتب والصحف فضلا عن المركز الطبي (!). وعندما بلغت الأدوار من الخامس إلى السابع حيث مكاتب الكتاب والمحررين قابلني الزميل ” أسامة الرحيمى ” ورافقني . لكنه اشتبك في عراك مع شخص كان يتبعنى ويبلغ عن تحركي . وقد اتضح لاحقا انه أحد سائقي مدير الأمن بالمؤسسة ،وهو لواء شرطة سابق. وعندما بلغت منفردا الدور التاسع حيث مكاتب للإداريين أحاطت بي مجموعة من الأشخاص اعتدوا علي ، و اتهموني باننى ” إرهابي ” و ” مخرب ” . وبعض دقائق عصيبة امتدت يد رجل ضخم البنية لتخرجني من حصار المعتدين ، فيما تناهي إلي صوت الرجل :” تعالى .. المدير العام عايزك”. وفيما بعد ابلغني الزميل “أسامة” أن هاتفي المحمول كان مفتوحا على مكالمة معه وانه سمع رجلا يقول لحصار المعتدين :”ده فلان في المؤسسة ما يصحش “، فيجيبه صوت رجل آخر : ” دي تعليمات المدير العام ” .
و أعبر سريعا على اعتذار المدير العام لي وتسامحي إزاء المعتدين بوصفهم ” جنود أمن مركزي من عبد المأمور “ ،لأصل إلى اننى بعدها بأقل من ساعتين كنت مع الزميل ” أسامة ” و الزميل عاصم عبد الخالق ” مراسل الأهرام السابق في “واشنطن” . ووضع الأول مشروع بيان إلى الرأي العام من صحفيي “الأهرام ” يتضمن الانحياز لمطالب ثورة الشعب و أولها تنحى “مبارك” ونظامه و التبرؤ من سياسة تحرير “الأهرام ” و المطالبة ب “تشكيل مجلس تحرير نزيه يدير الجريدة مؤقتا و يشرف على تغطية الأحداث الجارية بشكل مهني صحيح “.وقد وقع على هذا البيان لاحقا نحو 60 صحفيا بالمؤسسة .
وصادف أن اتصل بي من بيروت الزميل الأستاذ ” إبراهيم الأمين ” رئيس تحرير صحيفة ” الأخبار “اللبنانية وأبلغته بما يحدث داخل “الأهرام “.وبعدها بدقائق كانت ” الجزيرة ” من قطر على الخط تذيع للعالم نبأ بيان صحفيي “الأهرام “. وفي اليوم التالي كان رئيس مجلس الإدارة ينشر بيانا في موضع بارز بالصفحة الأخيرة أصدره لتكذيب النبأ ، وينصح ” الجزيرة” بالتزام المهنية و يطالب بمراعاة ” المصالح العليا للبلاد ” . و اللافت أن أيا من وسائل الإعلام المصرية بما في ذلك الصحف الخاصة الكبرى التي تدعى الاستقلالية لم ينشر أي شئ عما يحدث في ” الأهرام” ، رغم إننا حرصنا على إرسال بيان الصحفيين المتمردين إليها . لكن الصدفة وحدها سمحت لنا بالرد على التكذيب الكاذب لرئيس مجلس الإدارة . فقد تقابلت في ميدان التحرير مع الزميل ” أيمن جمعة ” من قناة ” الجزيرة ” وقد بادرني بصوت مرتفع ” إحنا قناة السودان الفضائية ” حيث كانت السلطات قد أغلقت مكتب ” الجزيرة ” لمنعها من تغطية ما يجرى. والزميل “جمعة” وأنا كنا قد عملنا معا بقسم الشئون الخارجية بالأهرام المسائي في مطلع التسعينيات . وهكذا سجل معي تكذيبنا لتكذيب إدارة المؤسسة .و اضطررت آسفا إلى وصف الأداء الإعلامي لرئيس مجلس الإدارة إزاء الثورة وزملائه بأنه أشبه بأساليب وزير دعاية النازي ” جوزيف جوبلز”.
على مدى الأيام التالية كنت الحظ توافد المزيد من زملائي في “الأهرام” على ميدان التحرير ليروا كيف تولد مصر من جديد ،وقد اخذوا في التزايد بعد يوم الأربعاء الدامي ( موقعة الجمال والبغال ) 2 فبراير ،وحيث كانت ” الأهرام ” في اليوم التالي قد صدرت بعنوان رئيسي باللون الأحمر ” الملايين يخرجون تأييدا لمبارك”. وبحلول 7 فبراير كان العشرات من صحفيي “الأهرام” يشاركون بين نحو 120 زميلا من المؤسسات الصحفية القومية في توقيع بلاغ إلى النائب العام يطالب بمنع سفر رؤساء إدارة وتحرير هذه المؤسسات من السفر احترازيا ومنع خروج أية مستندات أو وثائق منها و التحقيق في مشروعية ثرواتهم ( يحمل رقم 83 لسنه 2011) .
وبحلول مساء يوم الخميس 10 فبراير كان نحو خمسمائة صحفي ب”الأهرام” يجتمعون في قاعة “محمد حسنين هيكل” بالمبنى القديم بناء على دعوة وزعتها قبل يومين من اجل مناقشة ديمقراطية متحضرة لسياسة تحرير الجريدة الأم والإصدارات خلال أيام الثورة وبحضور رئيس مجلس الإدارة و رؤساء التحرير . و في البداية لم يحضر رئيس مجلس الإدارة أو رؤساء التحرير . لكن بعد نحو الساعة من بداية الاجتماع الذي حمل انتقادات حادة لسياسة التحرير و للفساد وسوء الإدارة جاء رئيس مجلس الإدارة وحده ، وجلس على المنصة إلى جانب زميلنا الأستاذ “نادر العدلي” الذي تولى إدارة اللقاء. لكن قبل دقائق من حضوره كان مندوبا عنه يوزع على المجتمعين ورقة تحمل عنوان ” النقاط العشر : السياسة التحريرية لاصدرات مؤسسة الأهرام ” . وهي تحمل توقيع رئيس مجلس الإدارة ومن دون إشارة إلى تاريخها . ولما قرأت الورقة بدت لي بمثابة إعلان ولاء إلى جهاز أمنى ما ، وحيث أفاضت في الحديث عن الالتزام ب ” الأمن القومي المصري في مواجهة أية تهديدات خارجية أو داخلية ” . وخلت الورقة وقد خيل لي أنها كتبت داخل دبابة جيش من أية إشارة إلى القراء أو قواعد مهنية محددة أو تقديم رؤية نقدية لإهدار قواعد العمل الصحفي في المؤسسة على مدى عشرات السنين .
وقد استمع رئيس مجلس الإدارة إلى كلمات قاسية غاضبه تطالبه و رؤساء التحرير بالرحيل وتحملهم مسئولية انهيار المصداقية والتوزيع ،وتدعوهم إلى الكشف عما يتحصلون عليه من أموال من عوائد المؤسسة. وتناوب على هذه الكلمات زملاء تتنوع مشاربهم بما في ذلك قيادات صحفية وسطى. وحاول الرجل الدفاع عن نفسه فزعم انه كان يدعو في كتاباته إلى مطالب الثورة (!) . وقال انه غير نادم على أية كلمة كتبها . وأبدى استعداده لما اسماه بنقل السلطة في المؤسسة على نحو هادئ. واقترح أن نطرح عليه في اجتماع لاحق ” خريطة طريق لهذا الانتقال “.
ولما كنت لم أتحدث في حضوره خلال الاجتماع ، فقد طالبت بالتعقيب على كلمته . لكنه نهض متأهبا لمغادرة القاعة بدعوى ارتباطه بالتسجيل مع احدي القنوات الفضائية .واضطررت إلى الصراخ في وجهه كي يجلس ويستمع . و ذكرته بأنني نشرت رسالة مفتوحة إليه في نهاية شهر نوفمبر 2010 بعد التزوير الفاضح للانتخابات البرلمانية أطالبه بالاستقالة من الحزب الوطني و ادعوه لفتح حوار على صفحات “الأهرام” حول استقلاليه الجريدة ومهنيتها و حول عواقب الطريقة الاقصائيه التي أديرت بها الانتخابات على مستقبل البلاد ،وعلى أن تشارك في هذا الحوار كافية أطياف المجتمع بما في ذلك ” الإخوان”. وقلت إنني حزين للموقف الذي وضع نفسه فيه ..وإنني بعدما كنت أطالبه بالاستقالة من الحزب .. لا أرى الآن مدعاة لذلك . فليحتفظ بعضويته ويستقل من رئاسة مجلس إدارة المؤسسة ،وعلى الأقل احتراما لقانون الصحافة الذي وضعه نظام “مبارك” نفسه والذي ينص على استقلاله الصحف القومية عن جميع الأحزاب والسلطة التنفيذية.
وبعد إعلان تنحى “مبارك ” ، صدرت ” الأهرام ” يوم السبت 12 يناير 2011 بعنوان رئيسي ” الشعب اسقط النظام ” . وتوالت العناوين الرئيسية للصحيفة لاحقا على شاكله :” الفاسدون يتساقطون ” و ” لا عودة لأوضاع ما قبل 25 يناير ” ، فيما يغلى الصحفيون و الإداريون والعمال في المؤسسة متندرين من نشر هذه العناوين مقترنه باسم رئيسي الإدارة والتحرير نفسيهما على ” تويسه الجريدة في الصفحة الأولى . وهما طالما دافعا عن الاستبداد و تزوير الانتخابات ونافقا ” مبارك ” و أسرته ومعهم رموز الفساد .
و في يوم الأحد 13 فبراير كتبت بيانا بعنوان ” إعتذار وتوضيح من صحفيي الأهرام ” يكشف آليات السيطرة على الصحيفة والمؤسسة على مدى العقود السابقة من جانب حاكم فرد واسرته الحاكمه وحزبه ورجال اعماله واجهزة امنه ، و يفسر الانهيار المهني الاخلاقي كما يظهر في سياسة التحرير ( مرفق نص البيان) . وقد تمكن الزملاء في جمع 285 توقيعا من الصحفيين في المؤسسة على هذا البيان كدفعة أولى ، وذلك خلال اربع ساعات في يوم واحد . وطالبنا بنشر البيان في الصفحة الأولى ب “الاهرام” اليومي اعمالا لحقنا في التعبير عن رأي مخالف لرئيسي مجلسي الإدارة والتحرير ،وقد ظلا ينشران في الصفحة الأولى إلى حينه . لكن رئيس التحرير و مديريه رفضوا الاستجابه لمطلبنا . والطريف إنني تلقيت في الوقت نفسه عرضا من احد قيادات التحرير وهو زميل دفعه في كلية الإعلام جامعة القاهرة عام 1980 لأكتب افتتاحية الجريدة لليوم التالي . واجبته مندهشا:” كيف تريدني أن اكتبها .. وانا بالاصل ممنوع من نشر رأيي الشخصى بالأهرام الآن وعلى مدى سنوات .. و انتم تحظرون نشر رأي جماعي لمئات الصحفيين “.
وفي الوقت نفسه كان مئات الصحفيين يحضرون اجتماعا صاخبا بقاعة “هيكل ” غاب عنه رئيس مجلس الإدارة ورؤساء التحرير . فقط حضر احد مديري التحرير لبعض الوقت ،وكان غير موفقا في تعامله مع الجمع الغاضب. وقد برز خلال هذا الاجتماع تيار رئيسي يدعو للاسراع بالتغيير و بتنحى قيادة المؤسسة و البدء في فترة انتقالية بوجوه وسياسات جديدة تحاول استعادة ثقة القراء والشعب . لكن ظهرت اصوات تنطلق من تصفية حسابات شخصية أو تسعى لافساد مساعي التغيير أو من راكبي الموجه أو ممن تجري لهم حاليا في وسائل الإعلام ” عملية غيسل سمعة ” .
وعلى ايه حال فقد ارتفعت اصوات مظلومين في المؤسسة طالموا التزموا الصمت .فنظم عشرات من عمال شركة الورق وقفة احتجاجية أمام مبنى المؤسسة وفعل العاملين غير المعينين وقفات مماثلة ، وبعضهم جاوزت مدة خدمته عشر سنوات . وبدأ عاملون و ادرايون وصحفيون في الكشف عن وثائق تتعلق بوقائع فساد .
وفي كل ذلك تبقى العديد من الاسئلة المعلقة ، ومن بينها الدوافع التي تقف وراء تجاهل وسائل الإعلام المحلية وبخاصة الصحف الحزبية المعارضة و الخاصة لما يجري في “الأهرام ” و المؤسسات الصحفية القومية الأخرى . وقد أعاد هذا الموقف إلى ذاكرتي موقفا مماثلا من صحف خاصة كبرى رفضت أن تنشر رسالتى المفتوحة إلى رئيس مجلس إدارة المؤسسة قبل نحو ثلاثه اشهر . و إن كان يحسب ل ” العربي ” أنها تحلت بالجرأة ، و نشرت المقال / الرسالة في 12 ديسمبر الماضي ، بعدما كانت على موقع جريدة ” البديل ” الاكتروني منذ شهر نوفمبر .
وعلى كل اللأحوال لقد بدأت قصة جديدا لم يعرفها تاريخ ” الأهرام ” ، وفصولها لم تكتمل بعد.
(0) هذا هو عنوان الفصل الثالث من كتاب ” حرية على الهامش : في نقد أحوال الصحافة المصرية” الذي صدر لي في مطلع عام 2005 ، حيث كنت ممنوعا من العمل ودخول المؤسسة بناء على قرار عبثى ” كافكاوي ” من رئيس مجلس الإدارة والتحرير السابق . وهو الإجراء نفسه الذي جرى اتخاذه من قبل ضد الراحل “موسى جندي ” . فقد مات الرجل وهو محروما من العمل ودخول مؤسسته ومحاصرا في فرص النشر داخل بلده . بل ابلغتنى ابنته ” منى “مؤخرا أن إدارة ” الأهرام ” امتنعت عن تعليق نبأ وفاته في أدوار المؤسسة إلى حين مر موعد العزاء.
في 18 فبراير 2011


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.