نماذج إجابة امتحان العلوم الصف الثالث الإعدادي محافظة القليوبية 2024 .. اعرف الإجابات    حقوق الإنسان بالبرلمان تناقش تضمين الاستراتيجية الوطنية بالخطاب الديني    جامعة العريش تشارك في اللقاء السنوي لوحدة مناهضة العنف ضد المرأة ببورسعيد    شعبة الاقتصاد الرقمي: المشاركة في قمة FDC تعكس رؤيتنا لتطوير البنية التحتية الرقمية    ارتفاع قياسي للأسهم خلال تعاملات البورصة اليوم، خبيرة أسواق مال تكشف التفاصيل    تفاصيل تأجير شقق الإسكان الاجتماعي المغلقة 2024    وكالة تسنيم: سيارات الإنقاذ تواجه صعوبات في الوصول لموقع حادث طائرة الرئيس الإيراني    المنظمات الأهلية الفلسطينية تؤكد أهمية دور مصر الرائد فى دعم الفلسطينيين    البحرية الأوكرانية تعلن عن إغراق كاسحة الألغام الروسية كوفروفيتس    فياريال ضد الريال.. خوسيلو يقود هجوم الميرنجى فى ختام الدورى الإسبانى    فودين يسجل ثنائية ويقرب مانشستر سيتي من التتويج بالدوري الإنجليزي (فيديو)    مصرع وإصابة 6 أشخاص في حادث تصادم بأسيوط    "أهلًا بالعيد".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 فلكيًا في مصر وموعد وقفة عرفات    سرقة جواهرجي شهير بالهرم على يد 3 سيدات ورجل    هشام عبدالخالق يكشف كواليس فيلم «اللعب مع العيال».. تفاصيل بالصور    الخميس.. احتفالية بعنوان "المتاحف والتعليم والبحث" في مكتبة الإسكندرية    قصف مدفعي.. مراسل القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسع عملياته العسكرية شمال غزة    وزير الصحة: الإرادة السياسية القوية حققت حلم المصريين في منظومة التغطية الصحية الشاملة    الكشف على 927 مواطنا خلال قافلة جامعة المنصورة المتكاملة بحلايب وشلاتين    مانشستر يونايتد يسعى لضم لاعب يوفنتوس بعد نهاية عقده    «مراسم دندرة للرسم والتصوير» في معرض فني لقصور الثقافة بالهناجر الأربعاء    تحذير ل5 فئات من متحور «flirt» الجديد.. مضاعفات خطيرة    القومي لحقوق الإنسان يبحث مع السفير الفرنسي بالقاهرة سبل التعاون المشترك    مصرع شخص غرقًا في ترعة بالأقصر    ميسرة صلاح الدين: الشعر كائن عنيد ومتمرد    الأربعاء.. عرض فيلمي «فن القلة» و«فن العرايس» بمركز الثقافة السينمائية    محافظ قنا: تمويل 2144 مشروعا صغيرا ومتناهي الصغر ب102 مليون جنيه    منها مزاملة صلاح.. 3 وجهات محتملة ل عمر مرموش بعد الرحيل عن فرانكفورت    «الجوازات» تقدم تسهيلات وخدمات مميزة لكبار السن وذوي الاحتياجات    ما هو الحكم في إدخار لحوم الأضاحي وتوزيعها على مدار العام؟    «الإفتاء» توضح حكم حج وعمرة من يساعد غيره في أداء المناسك بالكرسي المتحرك    إنجاز قياسي| مصر تحصد 26 ميدالية في بطولة البحر المتوسط للكيك بوكسينج    رئيس «قضايا الدولة» ومحافظ الإسماعيلية يضعان حجر الأساس لمقر الهيئة الجديد بالمحافظة    أزمة الدولار لا تتوقف بزمن السفيه .. مليارات عيال زايد والسعودية وصندوق النقد تتبخر على صخرة السيسي    نصائح وزارة الصحة لمواجهة موجة الطقس الحار    محافظ الدقهلية يتابع الموقف التنفيذي لأعمال ممشى السنبلاوين الجديد    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح أنواع صدقة التطوع    «المريض هيشحت السرير».. نائب ينتقد «مشاركة القطاع الخاص في إدارة المستشفيات»    رئيس هيئة الدواء يشارك في احتفالية إنجازات المرحلة الأولى من التأمين الصحي الشامل    مساعدون لبايدن يقللون من تأثير احتجاجات الجامعات على الانتخابات    10 نصائح للطلاب تساعدهم على تحصيل العلم واستثمار الوقت    وزير العمل: لم يتم إدراج مصر على "القائمة السوداء" لعام 2024    وزيرة الهجرة: مصر أول دولة في العالم تطلق استراتيجية لتمكين المرأة    إيرادات فيلم السرب تتخطى 30 مليون جنيه و«شقو» يقترب من ال71 مليون جنيه    بالصور.. كواليس آخر أيام تصوير فيلم "اللعب مع العيال"    3 وزراء يشاركون فى مراجعة منتصف المدة لمشروع إدارة تلوث الهواء وتغير المناخ    ياسين مرياح: خبرة الترجى تمنحه فرصة خطف لقب أبطال أفريقيا أمام الأهلى    حجازي يشارك في فعاليات المُنتدى العالمي للتعليم 2024 بلندن    ضبط 100 مخالفة متنوعة خلال حملات رقابية على المخابز والأسواق فى المنيا    مدينة مصر توقع عقد رعاية أبطال فريق الماسترز لكرة اليد    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأحد 19-5-2024    ولي العهد السعودي يبحث مع مستشار الأمن القومي الأمريكي الأوضاع في غزة    استاد القاهرة : هناك تجهيزات خاصة لنهائي الكونفدرالية    ضبط 34 قضية فى حملة أمنية تستهدف حائزي المخدرات بالقناطر الخيرية    أسعار الدولار اليوم الأحد 19 مايو 2024    حقيقة فيديو حركات إستعراضية بموكب زفاف بطريق إسماعيلية الصحراوى    إصابات مباشرة.. حزب الله ينشر تفاصيل عملياته ضد القوات الإسرائيلية عند الحدود اللبنانية    تعليق غريب من مدرب الأهلي السابق بعد التعادل مع الترجي التونسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد خالد توفيق: في بلد العميان
نشر في البديل يوم 19 - 01 - 2013

لو لم تكن قد قرأت "بلد العميان" فإنني أرجو أن تفسح لي صدرك قليلاً.
كتبت هذه القصة عام 1904 وتحكي عن مجموعة من المهاجرين من بيرو فروا من طغيان الإسبان ثم حدثت انهيارات صخرية في جبال الإنديز فعزلت هؤلاء القوم في واد غامض
انتشر بينهم نوع غامض من التهاب العيون أصابهم جميعا بالعمي وقد فسروا ذلك بانتشار الخطايا بينهم.
هكذا لم يزر أحد هؤلاء القوم ولم يغادروا واديهم قط لكنهم ورثوا أبناءهم العمي جيلا بعد جيل.
هنا يظهر بطل قصتنا ..(نيونز)
إنه مستكشف وخبير في تسلق الجبال تسلق جبال الإنديز مع مجموعة من البريطانيين وفي الليل انزلقت قدمه فسقط من أعلي.. سقط مسافة شاسعة بحيث لم يعودوا يرون الوادي الذي سقط فيه ولم يعرفوا أنه وادي العميان الأسطوري.
لكن الرجل لم يمت.. لقد سقط فوق وسادة ثلجية حفظت حياته.
وعندما بدأ المشي علي قدمين متألمتين رأي البيوت التي تملأ الوادي. لاحظ أن ألوانها فاقعة متعددة بشكل غريب ولم تكن لها نوافذ.. هنا خطر له أن من بني هذه البيوت أعمي كخفاش
راح يصرخ وينادي الناس لكنهم لم ينظروا نحوه.. هنا تأكد من أنهم عميان فعلا ... إذن هذا هو بلد العميان الذي كان يسمع عنه وتذكر المقولة الشهيرة : 'في بلد العميان يصير الأعور ملكاً' وهو ما يشبه قولنا (أعرج في حارة المكسحين). راح يشرح لهم من أين جاء .. جاء من بوجاتا حيث يبصر الناس.. هنا ظهرت مشكلة . ما معني (يبصر)؟
راحوا يتحسسون وجهه ويغرسون أصابعهم في عينه.. بدت لهم عضواً غريباً جداً. ولما تعثر أثناء المشي قدروا أنه ليس علي ما يرام.. حواسه ضعيفة ويقول أشياء غريبة
يأخذونه لكبيرهم.. هنا يدرك أنهم يعيشون حياتهم في ظلام دامس وبالتالي هو أكثر شخص ضعيف في هذا المجتمع . لقد مر علي العميان خمسة عشر جيلا وبالتالي صار عالمنا هو الأقرب إلي الأساطير.
عرف فلسفتهم العجيبة.. هناك ملائكة تسمعها لكن لا تقدر علي لمسها (يتكلمون عن الطيور طبعا) والزمن يتكون من جزءين: بارد ودافئ (المعادل الحسي لليل والنهار).. ينام المرء في الدافئ ويعمل في البارد.
لم يكن لدي (نيونز) شك في أنه بلغ المكان الذي سيكون فيه ملكا .. سيسود هؤلاء القوم بسهولة تامة.
لكن الأمر ظل صعباً.. إنهم يعرفون كل شيء بآذانهم.. يعرفون متي مشي علي العشب أو الصخور. كانوا كذلك يستعملون أنوفهم ببراعة تامةز
راح يحكي لهم عن جمال الجبال والغروب والشمس.. هم يصغون له باسمين ولا يصدقون حرفاً. قرر أن يريهم أهمية البصر.. رأي المدعو بدرو قادما من بعيد فقال لهم:
. ' بدرو سيكون هنا حالاً.. أنتم لا تسمعونه ولا تشمون رائحته لكني أراه '
بدا عليهم الشك وراحوا ينتظرون. هنا لسبب ما قرر بدرو أن يغير مساره ويبتعد!. راح يحكي لهم ما يحدث أمام المنازل لكنهم طلبوا منه أن يحكي لهم ما يحدث بداخلها.. ألست تزعم أن البصر مهم.
حاول الهرب لكنهم لحقوا به بطريقة العميان المخيفة.. كانوا يصغون ويتشممون الهواء ويغلقون دائرة من حوله. لو ضرب عدداً منهم لاعترفوا بقوته لكن لابد أن ينام بعد هذا وعندها سوف.!
هكذا بعد الفرار ليوم كامل في البرد والجوع وجد نفسه يعود لهم ويعتذر وقال لهم: ' أعترف بأنني غير ناضج.. لا يوجد شيء اسمه البصر.. '
كانوا طيبي القلب وصفحوا عنه بسرعة فقط قاموا بجلده ثم كلفوه ببعض الأعمال. وفي هذا الوقت بدأ يميل لفتاة وجدها جميلة لكن العميان لم يكونوا يحبونها لأن وجهها حاد بلا منحنيات ناعمة وصوتها عال وأهدابها طويلة.. أي انها تخالف فكرتهم عن الجمال. لما طلب يدها لم يقبل أبوها لأنهم كانوا يعتبرونه أقل من مستوي البشر.. نوعاً من المجاذيب.. لكن الفتاة كانت تميل لنيونز فعلاً. ووجد الأب نفسه في مشكلة لذا طلب رأي الحكماء
كان رأي الحكماء قاطعاً.. الفتي عنده شيئان غريبان منتفخان يسميهما ( العينين ). جفناه يتحركان وعليهما أهداب.. وهذا العضو المريض قد أتلف مخه. لابد من إزالة هذا العضو الغريب ليسترد الفتي عقله. بالتالي يمكنه أن يتزوج الفتاة.
بالطبع ملأ الفتي الدنيا صراخاً.. لن يضحي بعينيه بأي ثمن. بعد قليل ارتمت الفتاة علي صدره وبكت وهمست : ليتك تقبل .. ليتك تقبل ..!
هكذا صار العمي شرطا ليرتفع المرء من مرتبة الانحطاط ليصير مواطنا كاملا . وقد قبل نيونز أخيرا وبدأ آخر أيامه مع حاسة البصر.. خرج ليري العالم للمرة الأخيرة هنا رأي الفجر يغمر الوادي بلونه الساحر. أدرك أن حياته هنا لطخة آثمة.. الأنهار والغابات والأزرق في السماء والنجوم.. كيف يفقد هذا كله من أجل فتاة.. كيف ولماذا أقنعوه أن البصر شيء لا قيمة له برغم أن هذا خطأ اتجه إلي حاجز الجبال حيث توجد مدخنة حجرية تتجه لأعلي.. وقرر أن يتسلق.
عندما غربت الشمس كان بعيداً جداً عن بلد العميان.. نزفت كفاه وتمزقت ثيابه لكنه كان يبتسم .. رفع عينيه وراح يرمق النجوم. انتهت قصة بلد العميان.
هناك لحظة تدرك فيها أن الخطأ يسود وينتشر من حولك وفي لحظة كهذه يصير القابض علي المنطق والصواب كالقابض علي الجمر . تشعر بالغربة والاختلاف ولربما يعتبرونك مجنونا أو علي شيء من العته.. الأدهي أن لديك فضائل لكنهم لا يرون فيها أي قيمة . بعد قليل تأتي اللحظة التي تقرر فيها أن تتخلي عن عينيك لتصير كالآخرين . هذه اللحظة آتية ولا ريب فلا تشك فيها.. لكن لو كنت محظوظا لرأيت الفجر وقتها وعرفت فداحة ما ستفقده
أذكر عندما كنت في الوحدة الريفية أن الرشوة والتقارير الطبية المزورة كانت أسلوب حياة وكان كل العاملين مندهشين من ذلك الطبيب المخبول الذي يرفض أن يتقاضى مالاً مقابل أشياء كهذه .. كنت أتذكر قصة ( بلد العميان ) وأقرر أن أصمد أكثر.. أصمد.. عالما أن أول رشوة أتقاضاها ستكون هي لحظة انتزاع عيني.. سوف تكون حياتي أسهل في بلد العميان بعد هذا وسأصير مواطنا محترما عندهم.
أفلتت بمعجزة من بلد العميان هذا لأجد الأمر يتكرر.. لحسن الحظ مع أمور أقل فداحة من الرشوة ولكن الهزيمة فيها تترك مذاقا مريرا في الفم برغم كل شيء.
حتي علي مستوي التفاهات يمكن أن تجد الأمور صعبة.. تفاهات مثل منع أطفالك من التهام أكياس البطاطس المقلية لأنها تحتوي مادة أكريلاميد المسرطنة.. هذا شيء فشلت فيه تماما لأن حركة المجتمع والدعاية والوجدان العام أقوي مني. تفاهات مثل التمسك بالمدرسة وعدم إعطائهم دروسا خصوصية.. تكتشف مع الوقت أنه لا توجد مدرسة بل ناد كبير تدفع له اشتراكا سنويا ولا يتم تدريس أي شيء فيه علي الإطلاق.. تكتشف أنك لن تستطيع أن تختلف عن باقي الآباء وأن أي درجة ينقصها الأولاد بعد هذا ستكون أنت المسئول عنها.. وفي النهاية يجد المرء نفسه يقود سيارته في بلاهة متجها من مركز الدروس الخصوصية هذا إلي ذاك.
أنت في الدائرة.. لا يمكنك أن تختلف
وماذا عن الهاتف الجوال الذي كنت تعتبره طريقة عبقرية لامتصاص مال المصريين.. هناك عظماء لم يقتنوا الجوال قط من وزن د. جلال أمين وصنع الله إبراهيم - فلماذا لا تقلدهم لكنك في النهاية اضطررت للتنازل.. في النهاية مضيت علي خط السكة الحديد الذي رسمه المجتمع واقتنيت الجوال. تفاهات مثل كتابة ( دكتور ) قبل اسمك.. لم تكن تريد هذا وأنت تعرف أن الوحيد المسموح له بكتابة ( دكتور ) قبل اسمه في أعلي المقال هو من حصل علي دكتوراه في تخصص المقال . ثم هل قرأت من قبل عن ( د . تشيكوف ) أو ( د . سومرست موم ) .. لكن الكل يفعل ذلك حتي يصير تنازلك عنه نوعا من الإهانة الذاتية .. دعك من أنك حاصل علي دكتوراه في الطب .. إذن فلنضع حرف ( د ) مثل الآخرين
ينطبق الأمر علي أمور لا حصر لها .. فقط ذكرت الأشياء القابلة للذكر . يبدو أن ضعف الذاكرة جعلني انسى قصة ( بلد العميان ). يقول الحديث الشريف : ' لا يكن أحدكم إمعة يقول أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت وإن أساءوا أسأت ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم '. وهذا بالتأكيد يلخص ببلاغة كل شيء قلته هنا.
Comment *


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.