كثر لم يحالفهم الحظ بالمشاركة في أمسية ثورية بميدان التحرير, هم لا يعرفون بالطبع طعم الإعتصام وقضاء الليل وسط ثوار الحرية, ولربما أغلبهم يتمنون أن يتعرفون على ملامح ليل الثوار.. البديل رصد لهؤلاء وقائع كرنفال من ليالي ثوار التحرير. ومع دخول الليل, بدأ الثوار في بث مجموعة من الأغانى والأناشيد الوطنية عبر الإذاعة الداخلية التي أنشأها الثوار وسط الميدان, وما بين الغناء الوطني الجميل بصوت عبد الحليم حافظ وشادية وغيرهم من عمالقة الغناء وبين الأمسيات الشعرية التي أحياها شعراء شباب قضى المعتصمون الساعات الأولى لليلتهم, قاطعين سيل الفن والأدب بسماع كلمات وشهادات من بعض المشاركين حول الأسباب التي دفعتهم للمشاركة في الإعتصام, وغالبا ما يختتم هؤلاء كلماتهم بالتأكيد على البقاء في الميدان حتى الرحيل . ويستمر المشهد الرئيسي والشامل, لكنه يحوي داخله عدة مشاهد ثانوية تتقاطع معه في أركان الميدان الشاسع, فهنا عند مدخل طلعت حرب تتابع مجموعة من المعتصمين الأخبار على قناة الجزيرة والتى يكن المعتصمون تقديرا كبيرا لها لنقلها الأحداث بمهنية تامة خصوصاً بعد أن خونهم الإعلام الحكومى واتهمهم بتلقى تمويلات من الخارج والعمل لصالح أجندات أجنبية والحصول على بطاطين ووجبات من كنتاكى !! وعلى بعد أمتار قليلة منهم تتجمع مجموعات من المعتصمين ليس بالضرورة أن يكونوا على معرفة ببعضهم البعض, فقد جمعتهم ثورتهم وضمهم ميدانهم, يجلسون سويا يتسامرون حول الثورة والوطن, ويحللون الأوضاع السياسية ومستقبل الإعتصام.. وتتعالى روح الدعابة بينهم فينهمك بعضهم فى التهكم على النظام وصياغة نكات نال النظام منها الكثير, وكان لإعلامه نصيبه منها قال أحدهم متهكماً ” أنا جعان وماخدتش الكنتاكي بتاعى ” ، وينطلق آخر ليقول بصوت عالي ” ياجدعان أنا مش عايز400 يورو أنا راضى ب400 جنيه ” ، ويطالب آخر بميدان مكيف نظرا للبرودة القارصة للجو, ويعلق آخر على برودة الجو قائلاً” مش كنا عملنا الثورة فى الصيف عشان البرد ” ، ويصيح آخر ” الأجندة بتاعتى ضاعت عايز أجندة”. وفي ركن آخر من الميدان, يتراقص الشباب على وقع أغاني “صورة صورة” ويا “حبيبتي يا مصر”, فيما تجمع مجموعة من الشباب ليرددوا سويا أغانى الشيخ إمام, فتشتم معهم من جديد عبق الثورة القديم, البقرة حاحا, وهم مين وإحنا مين. الليل ليس فقط للسمر, فهناك مكان الجد, حيث تقوم مجموعة من الشباب بالسهر على أطراف الميدان لحمايته من هجمات أنصار الحزب الوطني, الذين يقومون بين لحظة وأخرى بشن مناوشات بالطوب والأسلحة البيضاء لمضايقة المتظاهرين. ولا تخلو لقطات المشهد من هجمات خادعة تستنفر الشباب الذين يسارعون بقرع قطع الحديد والتصفير لتنبيه الشباب بالخلف, الذين يتركون سمرهم ويركضون لصد الهجمات المحتملة. أدوار الجد, لا تتنحصر فقط على في الحماية, فهناك مجموعات من المتظاهرين تطوعت لتنظيف الميدان وجمع القمامة, ولا يخلو عملهم من الطرفة وإلقاء بعض التعليقات الهزلية، حيث يمر أحدهم فاتحا كيس كبير يجمع فيه القمامة قائلا ” تبرع لمبارك “, و ” هنا نجمع بقايا الكنتاكي”, و” نظف بلدك” . وفى ركن آخر من الميدان الفسيح, تجد مجموعات من المعتصمين يؤدون صلاة قيام الليل, ويبتهلون ويدعو الله أن ينصر المظلومين ويرحم الشهداء. أما المنهكين والذين أتعبهم الهتاف والغناء والنقاش طوال النهار, فيفترشون الأرصفة وحدائق الميدان, يلتف بعضهم ببطانيات رخيصة, والبعض الآخر لا يجد حتى تلك الأغطية ليستعينوا بورق الكارتون حتى يناموا عليه, في حين يكتفى البعض الآخر ببرودة الأرصفة.. ومن التعليقات الطريفة ممازحة أحدهم محررة البديل قائلا ” هما اللى بيمولونا مجابولناش بطانية ليه ” . ومع تأخر الوقت وشعور المتظاهرين بالبرودة القارسة, يلجأ بعض المعتصمون إلى إشعال النار في قطع من الخشب, وتشكيل مجموعات حول النيران ليكملوا سمرهم على صدى النقاشات السياسية والأغنيات الوطنية. وتظل الصورة على هذا الحال إنتظارا لصوت المؤذن الذى يعلن قدوم الفجر وإقتراب شروق الشمس التى ينتظرون أن تحمل معها شمسا للحرية تحقق مطلبهم الرئيس ” سقوط الرئيس ” .