أعرب محللون سياسيون صينيون عن اعتقادهم بأن الصراع المحتدم والاحتقان بين النخبة السياسية في مصر، بشأن تداعيات الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي يوم السبت الماضي والدعوة لإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور يوم 15 ديسمبر الجاري، يضع هذا البلد العربي الواقع في الشرق الأوسط أمام مستقبل غامض ربما قد يؤثر، إلى حد ما، على منطقة الشرق الأوسط بأسرها . وذكر المحللون الصينيون، فى عدد من المقالات التحليلية بالصحف الصينية الصادرة اليوم الثلاثاء، أن التطورات الأخيرة في مصر جاءت نتيجة طبيعية "الإستراتيجية محددة" يتبعها الرئيس محمد مرسي، ولحالة الشد والجذب بين السلطة والمعارضة التي تترقب أية غلطة يرتكبها الرئيس لتحقيق مكاسب سياسية قبل أن ينقشع غبار الاضطراب السياسي، لاسيما وأن قوى المعارضة فى مصر يبدو أنها لا ترضى بسقوط "ثمار الثورة" في أيدي القوى السياسية الإسلامية، في وقت لم تنحصر الخلافات بين السلطة والمعارضة فقط، حيث دخلت جهات أخرى على خط الأزمة السياسية ومن بينها القضاء. ومن جانبه، قال لي شاو شيان الخبير في شئون الشرق الأوسط بمعهد الدراسات الدولية المعاصرة في الصين، إن "توسيع الصلاحيات وإجراء الاستفتاء على مشروع الدستور والإعلان الدستوري الجديد، ما هي إلا خطوات متتالية ضمن إستراتيجية الرئيس مرسي التي تهدف في نهاية المطاف إلى التحكم في عملية صياغة الدستور". وأضاف شاو، أن "الرئيس مرسي أصدر الإعلان الدستوري في 21 نوفمبر الماضي، والذي حصل بموجبه على صلاحيات واسعة تحصن قراراته من أية مراجعة قضائية، بهدف أخذ زمام المبادرة لتعجيل وتيرة صياغة الدستور والسيطرة على عملية الصياغة، خشية أن تحل المحكمة الدستورية العليا الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، وبالتالي يصبح اكتمال عملية الصياغة بعيد المنال وخارج السيطرة، فضلا عن أن إلغاء الإعلان الدستوري في حد ذاته لن يلحق أي ضرر بحكومة الرئيس مرسي". وأشار لي شاو شيان الخبير في شئون الشرق الأوسط بمعهد الدراسات الدولية المعاصرة في الصين، إلى أن "الرئيس محمد مرسي لبى بالفعل بعض مطالب المعارضة حين ألغى الإعلان الدستوري الصادر في 21 نوفمبر الماضى ، وألقى الكرة في ملعب المعارضة التي إذا واصلت رفضها للاستفتاء على مشروع الدستور، وهو ما قد يترك أثرا لدى البعض بأنها تعرقل عملية صياغة الدستور الجديد والإصلاح الاجتماعي بدافع مصالحها الخاصة". وقال الخبير الصيني "إن مرسي مستعد على الأرجح لسيناريوهين أحدهما يتمثل في تمرير الإعلان الدستوري الجديد في الاستفتاء، والآخر يتعلق برفض مشروع الدستور الجديد، إذ ستسير عملية صياغة الدستور على كل حال وفقا لطريق رسمه مرسي، وبما أن هناك كثيرا من المؤيدين لمرسي وجماعة الأخوان المسلمين في مصر، يعد تمرير مشروع الدستور أمرا مرجحا، غير أنه إذا تم تمرير المشروع بالفعل، فقد تشهد مصر احتجاجات واضطرابات مستمرة" . ومن جانبه، حذر الخبير لي وي جيان، رئيس مركز دراسات غرب آسيا أفريقيا بمعهد الدراسات الدولية بمدينة شانغهاي الصينية، من أن الاستفتاء قد يؤدي إلى انقسام عميق بين مختلف فئات المجتمع المصري، وأنه "في حال إجراء الاستفتاء في موعده، فقد يشارك فيه أنصار الرئيس محمد مرسي فقط، وربما لا تعترف المعارضة بالنتائج". ولفت الخبيرالصيني لي وي جيان رئيس مركز دراسات غرب آسيا أفريقيا بمعهد الدراسات الدولية بمدينة شانغهاي الصينية إلى أن "تأثير الأزمة السياسية الجارية في مصر على المنطقة يتركز على جانبين ، أحدهما يتمثل في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، حيث من المعروف أن وساطة مصر الأخيرة بين الطرفين أسهمت بصورة مباشرة في إنجاح التوصل إلى هدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين خلال النزاع العسكري الأخير فى غزة، لكن هذا التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين ما يزال قائما لاسيما بعد أن ارتقت مكانة فلسطين وأصبحت دولة مراقبة في الأممالمتحدة، وهو أمر رفضته إسرائيل بشدة". وأضاف جيان أن "إزالة التوتر بين الإسرائيليين والفلسطينيين تحتاج إلى تدخل دولي إيجابي بسبب تفاوت القوة بين الجانبين"، موضحا أن بإمكان مصر التأثير على فلسطين في إطار أية تدخلات دولية، ومن المرجح أن تتأثر محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين إذا انشغلت مصر بشئونها الخاصة وسط غياب الاستقرار في الداخل . وأوضح الخبيرالصيني أن "الصراع السياسي الجاري في مصر حاليا قد يؤدي لتغيير الغرب من نظرته بعدما اعتبر مصر نموذجا ناجحا لحركات "الربيع العربي"، عندما تنحى الرئيس السابق حسني مبارك طواعية عن السلطة، ولم تحدث في مصر اضطرابات أو حرب كالتي شهدتها ليبيا، على سبيل المثال . وبدوره، رأى المحلل ين قانغ، الباحث في معهد دراسة شئون غرب آسيا وشمال أفريقيا بالأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، أن "هناك علامات إيجابية على أن بعض القضاة في مصر قد يحتفظون بضبط النفس ويتعاونون في الاستفتاء على مشروع الدستور، واذا تحول تركيز القضاء بشكل عام صوب الاستفتاء والدستور في حد ذاته، فقد يقع الوضع تحت السيطرة إذا التزم الجيش الحيدة وتمسكت الشرطة بضبط النفس، لكن إذا واصل المعارضون استهداف الرئيس محمد مرسي سياسيا، فلن يقبل الأخير ذلك بكل تأكيد". وأعربت خه ون بينغ، مديرة قسم الدراسات الأفريقية في الأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية، عن عدم تفاؤلها إزاء الوضع في مصر مستقبلا، وقالت إن "المواجهة الخطيرة بين الإسلاميين والليبراليين لا يمكن تسويتها على الأمد القصير، وربما تستمر الاضطرابات لمدة طويلة". Comment *