قال الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل إن تيار الإسلام السياسى فى مصر لا يقبل مبدأ الاختلاف فكريًّا، لافتًا إلى اختلافه مع المقولة الأساسية للأستاذ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بأن "الإسلام دين ودولة"؛ وذلك لأن "هذه المقولة تحمل الكثير من التناقض، فالدين ثابت والسياسة نسبية، والدين يقين واعتقاد، والسياسة حوار دائم ومستمر، كما أن الدين له منطقه ومجاله وله فعله بمقدار ما هو ممكن، ولكنه دومًا فى القلب، أما السياسة فقضية أخرى؛ لأنها خيارات دنيوية، وليست أخروية". وأضاف هيكل - في حوار مطول لمجلة الهلال الثقافية تنشره يوم الأحد المقبل وتناول خلاله الكثير من القضايا الثقافية والأدبية - أن "أزمة سيطرة تيار الإسلام السياسي تكمن فى غياب "مجال الحوار".. فالوعد والتبشير والجنة والنار كلها أشياء لا تمهد لاختيارات سياسية؛ لأنها تعبر عن مقادير مكتوبة ومحسومة". وتحدث هيكل عن جذوره الثقافية قائلاً: "في منزل جدى لوالدتي وهو من عائلة سلام المعروفة، كان هناك تقليد صارم لكل أطفال العائلة، وهو حتمية تعلم وحفظ القرآن الكريم.. وكان فى بيت جدى "مندرة" مليئة بالكتب جمعها جدي وخالي من مكتبة صبيح بالأزهر"، مشيرًا إلى أن ذلك البيت وتلك البيئة ساهما بكل ما تحمله زخمًا دينيًّا عمل على تشكيل ملامح شخصيته الأولى. وأضاف هيكل أن أول كتاب قرأه كان "أدب الدنيا والدين"، وقد عانى كثيرًا فى فهمه، وأعقبه دواوين الشعر وكتاب الأغاني للأصفهاني وكتاب ألف ليلة وليلة، مضيفًا أنه جذبته كثيرًا كتب السير الشعبية مثل "ذات الهمة"، و"الظاهر بيبرس" الذي يعد إحدى الشخصيات التى تأثر بها كثيرًا والتي رأى فيها صورة البطل. وحول عمله بالصحافة الفنية لفترة قصيرة، كشف هيكل عن ارتباطه بصداقة قوية مع الفنان نجيب الريحاني، حيث كان يجلس معه فى الكواليس وعلى المقهى بعد نهاية العرض. وأشار الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل - في حواره مع الكاتب والإعلامي محمد الشافعي رئيس تحرير مجلة الهلال - إلى أنه بعمله بقسم الفن في مجلة "آخر ساعة"، وكذلك مراسلاً حربيًّا، نجح في تطبيق اثنتين من نظريات العمل الصحفي: الأولى لأحد مراسلي الصحف الأجنبية في القاهرة والتي أكدت ضرورة أن يعمل الصحفي في بداية حياته بقسم الجريمة أو الحوادث؛ ليتعرف على خبايا النفس البشرية، وأن يعمل أيضًا مراسلاً عسكريًّا؛ ليكتشف كيف تلجأ الشعوب إلى الحرب عندما لا تجد حلولا لمشاكلها، والثانية للدكتور محمود عزمي والأستاذ محمد التابعي والتي أكدت على أن الصحفى فى بداية حياته عليه أن يعمل بقسم الفن؛ ليتعرف على تفاصيل الحياة، ولكن بصورة مصغرة، ثم عليه أن يعمل فى قسم البرلمان،؛ ليتعرف أسرار وخبايا الحياة السياسية. وعن رؤيته لأهمية الثقافة ودورها الفاعل في الواقع يقول هيكل: "أعتقد أنه لا توجد سياسة بدون ثقافة، وإذا فصلت الثقافة عن السياسة تحولت إلى سلطة؛ حيث لا فرق بين رئيس الدولة وضابط البوليس؛ لأن ما يفرق الاثنين هو البعد السياسي الذي يكمن خلف الفكرة السياسية، والشيء الأهم والحاكم هو موقع مصر، فأمامك أوربا على الشاطئ الآخر، وأنت بين إفريقيا وآسيا، وأمريكا اللاتينية قادم جديد.. هذا الموقع الحاكم جعلني دوماً أؤمن بأن الثقافة ليست بعيدة أبداً عن السياسة، وأنه لا ظهير للسياسة إلا الثقافة". وحول جهوده في ضم صحيفة الأهرام لكوكبة من عمالقة الأدب والفكر في مصر أمثال توفيق الحكيم، ونجيب محفوظ، قال هيكل إنه كان يهدف إلى نقل الثقافة للناس؛ لأن الثقافة مثل السياسة إذا لم تكن لصالح الجماهير فلا قيمة لها. مشددًا على حرص الأهرام على وجود كبار الأدباء والمفكرين أمثال وزكى نجيب محمود، ويوسف إدريس، ولويس عوض، وعبد الرحمن الشرقاوى، والدكتورة بنت الشاطئ. وكشف الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، لأول مرة عن أن نشر رواية "أولاد حارتنا" على صفحات الأهرام لم يكن حادثًا فريدًا من نوعه، قائلاً: "لم تكن أولاد حارتنا فقط هي التي أثارت الكثير من الجدل والهجوم على الأهرام".. مشيرًا إلى أن "رواية "بنك القلق" للحكيم أثارت جدلاً أكبر؛ حيث احتج عبد الحكيم عامر بشدة، ووصل الخلاف بيننا إلى نقاش حاد أمام عبد الناصر الذي حسم الموضوع بهدوء قائلاً: إذا كان الحكيم كتب فى العصر الإقطاعي السابق "يوميات نائب فى الأرياف" وقال رأيه فى الأحوال الاجتماعية المصرية فى ذلك الوقت، ولم يتصدَّ له أحد، فهل يعقل أنه عندما ينتقد بعض الأوضاع بعد الثورة أن نتصدى له". وشدد هيكل على ضرورة التوازن بين التيارات الفكرية والثقافية، قائلاً: "إذا كنت تتكلم عن ثقافة شعب فلا بد أن تكون جميع تياراته موجودة.. فالبعد الإسلامي كانت تمثله الدكتورة عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ)، وتوفيق الحكيم كان يمثل فكراً آخر هو الوسطية، ويوسف إدريس متأثر جداً بالأدب الإسباني، وعبد الرحمن الشرقاوى يمثل اليسار، وهكذا فإن هذه المجموعة من كبار المفكرين والأدباء تمثل (تكامل الثقافة المصرية)، وأيضًا تمثل الانفتاح والاحتكاك بكل ثقافات العالم الأخرى من خلال التواصل مع كل المدارس الأدبية والفكرية، وهذا التواصل مع الآخر هو ما كنا وما زلنا فى أشد الاحتياج إليه". أ ش أ الثقافة مثل السياسة إذا لم تكن لصالح الجماهير فلا قيمة لها. الفرق بين الدين والسياسة أن الدين ثابت والسياسة نسبية، والدين يقين واعتقاد، والسياسة حوار دائم ومستمر.