بمناسبة السنة الهجرية الجديدة كشفت المغامرة التى قامت بها صحفية "البديل " داخل دار كسوة الكعبة الشريفة - بمساعدة أحد مسيحي منطقة الجمالية القدامى ، عن مستوى التردي والامتهان التى وصلت إليها هذه الدار الشريفة،و التي كانت لأكثر من ألف عام دليلاً قاطعا على الريادة المصرية للعالم العربى. دار كسوة الكعبة أسست بحي "الخرنفش" في القاهرة عام 1233م ، وهو حي عريق يقع عند التقاء شارع بين السورين ، وميدان باب الشعرية، واستمر العمل في دار الخرنفش حتى عام 1962م. وتم إهمال دار الكسوة بصورة سيئة، وحولتها وزارة الأوقاف من دار للكسوة المقدسة إلى سلة مهملات للأدوات، والمعدات، والكراسي، والمكاتب، والخردة، والسيارات والعدد المتهالكة الخارجة من الخدمة من وزارة الأوقاف. "البديل" تمكنت من اختراق أسوار دار صناعة كسوة الكعبة المشرفة بمنطقة الخرنفش بالجمالية، التي كانت متخصصة في صناعة الكسوة، ورصد جميع المخالفات بالصور، حيث تحولت الدار المقدسة إلى مخزن للمخلفات الصناعية التي كدستها وزارة الأوقاف في غفلة من وزارة الثقافة والمجلس الأعلى للآثار. في البداية تشاهد بوابة الدار المقدسة، التي شوهها لصوص الأماكن الأثرية بسرقتها، وتجريدها من كافة أشكالها الأثرية، وقاموا بسرقة قطع النحاس والياقوت والعاج التي كانت تطرز وتزين دار الكسوة الشريفة، كما قاموا بطمس النقوش والمعلم الأثرية الإسلامية التي كانت مدونة فوق الأبواب، ومازالت آثارها تدل عليها في غفلة من المسئولين بهيئة الآثار المصرية. خلف البوابة من الداخل هناك مجموعة متهالكة من السيارات، التي كتب عليها "لوط 12"ولوط "22" وكومة من الأخشاب القديمة، وأكوام من القمامة من مخلفات وزارة الأوقاف وغرفة صغيرة لحارس الدار معدة لعمل الشاى والقهوة، لأصحاب المحال بشارع الخرنفش الذي توجد فيه الدار، وكذلك صندوق صغير به أنواع من المأكولات الخفيفة من الجبن والبيض. بعد اجتياز الباب الأول واجهتنا صعوبة تجاوز بابين آخرين من الداخل، في ذات الوقت الذي تصادف فيه وجود رجل مسيحى لاحظ وجودنا، وتمكنا بمساعدته من الدخول من أحد الأبواب فوجدنا مكاناً أشبه بصناديق القمامة به أنواع من إطارات السيارات القديمة والمتهالكة وأكواماً أخرى من الصناديق الكرتونية، وسلماً ذا سور خشبى من أجود أنواع الخشب، وعليه بعض الرسوم التي تدل على عراقته، وبصعود هذا السلم فوجئنا بوجود مكتب وعليه ملابس أحد العاملين عرفنا بعد ذلك أنها لأمين المخازن، ووجدنا هيكلا خشبيا كان يستخدم لشد الخيوط للكسوة ملقى على سطح الدار فى العراء، وتحت أشعة الشمس مباشرة، وأشياء أخرى صغيرة كانت تستخدم فى صناعة الكسوة. واكتشفنا أن وزارة الأوقاف قامت بردم البئر الموجودة بالدار بالخرسانة المسلحة، وكانت هذه البئر تملأ طوال العام بمياه زمزم ليشرب منه صانعو الكسوة الشريفة، ويتبركون بمائه، وكانت الكسوة تغسل من ماء زمزم الموجود في هذه البئر قبل شحنها، ونقلها إلى الأراضي المقدسة. وسرد بعض المواطنين المجاورين لدار الكسوة، أن الدار كانت تضم آخر كسوة للكعبة المشرفة، والتى أرسلتها مصر عام 1964، فأعادتها السعودية إلى مصر، وقررت أن تنال شرف كسوة الكعبة الشريفة، وقامت الوزارة بتوزيع الكسوة الأثرية على الوزراء كنوع من الهدايا والمباركة، وأغلقت الدار تماما بعد أن أخفت كل أشكالها ومعالمها الأثرية والإسلامية، وحولتها إلى مخازن للوزارة. ويرجع شرف صناعة الكسوة الشريفة فى مصر إلى عهد الخليفة عمر بن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين، عندما كلف والي مصر وقتها بصناعة الكسوة الشريفة، حيث كانت مكة تمر بعام قحط، ، وقد كلف عمرو بن العاص والي ضاحية الفيوم بصناعة الكسوة من قطن القباطي المشهور آنذاك، وخرجت أول كسوة مصرية للكعبة من ضاحية الفيوم. وفي عهد السلطان ركن الدين "بيبرس البندقداري" سنة 670 ه الذي قرر إنشاء دار متخصصة لصناعة كسوة الكعبة الشريفة، و تحولت الدار إلى مدرسة فنية لصناعة الكسوة وخصص للكسوة مراسم ملكية وطقوسا دينية عند خروجها من مصر وإرسالها إلى الأراضي المقدسة مع قافلة الحجاج على هودج يتقدم القافلة يُعرف باسم "المحمل"، وعين لمحمل الكسوة أميرا يسمى "أمير المحمل". وينطلق موكب الكسوة الشريفة التي كان يحملها نحو 500 جمل وقد بلغت تكلفة صناعة الكسوة في عصر الدولة الفاطمية نحو مائة وعشرين ألف دينار، وذلك على حد قول المقريزي في كتابه "السلوك". وامتد الاهتمام بتجهيز وصناعة الكسوة الشريفة حتى فترة حكم "محمد علي" وأسرته وفي عهد الملك "فؤاد الأول كان المحمل أكثر تنظيما، حيث حدد الوظائف وخصص لها الأموال بداية من أمير المحمل، الذي يقوده للأراضي المقدسة، و"ديُودار أمير الحج" الذي يقدم الدواة لأمير الحج عند توقيع الإمضاءات، ورئيس حرس المحمل المسئول عن حماية القافلة، و"قاضي المحمل" الذي يحكم بين الحجيج في المنازعات التي قد تنشأ بينهم، و"أمين الصرة المشرفة" التي كانت مصر ترسلها لفقراء مكة. وتوقفت مصر عن إرسال كسوة الكعبة فى عهدمحمد علي باشا بعد الصدام الذي حدث بين الوهابيين في الأراضي الحجازية، وقافلة الحج المصرية في عام 1222ه الموافق عام 1807م، ولكن أعادت مصر إرسال الكسوة بعدها بعدة أعوام واستمرت مصر ترسل الكسوة حتي توقفت عن إرسالها عام 1964م. ويتم تغيير كسوة الكعبة مرة في السنة، وذلك خلال موسم الحج، والكسوة التي يتم إزالتها من الكعبة تقطع إلى قطع صغيرة ويتم إهداؤها إلى شخصيات إسلامية، وفي سنة 1982 قامت المملكة بإهداء قطعة إلى الأممالمتحدة التي تقوم بعرضها في قاعة الاستقبلات. Comment *