عندما أشعل الشاب التونسي محمد (البوعزيزي) النار في جسده بعد أن ضاقت به السبل وقلبت له الدنيا ظهر المجن ، لم نسمع تصريحا ً واحدا ً لأي من المسؤولين التونسيين يقول إن البوعزيزي مختل عقليا ، بل على العكس رأينا رد فعلهم على الحادث يؤكد أن الشاب كان يعاني من ضيق ذات اليد وشدة الفاقة التي جعلته ينحى إلى هذا السلوك الغريب للاحتجاج ثم بعد ذلك زار الرئيس التونسي الهارب الشاب البوعزيزي في مشفاه اعترافا ً بالذنب والتقصير واعترافا ً آخر ضمنيا ً أن الشاب كان بكامل قواه العقلية وقتما أقدم على فعلته ولأننا شعوب مقلدة في غالب أحوالنا أصبحت فعلة البوعزيزي تقليدا ً يأتي في بعض الأحوال دراميا ً ، حيث قلده الكثيرون في بلادنا التي تبحث عن شيء يساعدها على تحقيق نهاية ٍ مماثلة لنهاية الهارب بن علي لحكام ٍ طال بقاؤهم على كرسي القهر لكن ذلك ليس مدهشا ً بقدر ما يدهشك رد فعل السادة الكبار على هذه الأحداث المؤسفة فالبطبع لا أحد يدعو إلى حرق النفس لأنه نوع من اليأس وهو احتجاج سلبي قد لا يفيد كثيرا ً إذا كانت الأنظمة متبلدة الإحساس لا يفرق كثيرا ً معها موت شخص ما وهذا يستحضر في مخيلتي قول الشاعر العظيم هاشم الرفاعي والظلم باق ٍ لن يحطم قيده ** شاة إذا اجتثت من القطعان وذلك ما حدث تماما ً أمس عندما أشعل محام ٍ النار في جسده تعبيرا ً عن الامتعاض والتذمر من أوضاع لا يقبلها أحد فخرجت علينا حكومتنا الرشيدة بقرار عجيب ، – حيث قررت الحكومة الرشيدة حسب ما نشر في اليوم السابع- منع بيع البنزين إلا بالبطاقة الشخصية !!وببساطة يتطيع أقل الناس ذكاء ً أن يقرر أن السبب هو أن لا يشعل آخرون النار في أجسادهم وأقل ما يوصف هذا القرار بأنه قرار غاو ٍ من الحكمة والذكاء السسياسي ، بل من الذكاء بمفهومه العام هل سيعجز أحدهم أن يشتري البنزين ببطاقته الشخصية ثم بعد ذلك يشعل النار في نفسه وفي هذه الورقة الحمقاء التي لن تساوي بعد ذلك شيئا ً ؟ وليت حكومتنا الرشيدة اكتفت بذلك القرار العجيب فحسب بل خرج علينا من يقول : إن الرجل الذي أشعل النار في نفسه هو مختل عقليا ً ويعاني من اضطرابات نفسية محام ٍ خريج الجامعة ويعمل في مهنة تحتاج إلى ذكاء كبير ثم يقال عنه مختل عقليا وهكذا تفتقر هذه الحكومة لكل أنواع المصداقية والحقيقة وتحاول أن تستخف بعقول الشعب الذي يعي خدعتها الكبيرة ويتفهم أساليبها في مثل هذه مواقف وإن نسينا فلن ننسى خالد سعيد الذي قالوا أنه قتل اختناقا بعد ابتلاعه لفافة البانجو ولا ننسى -إن نسينا- الشاب السلفي الذي قتل ومات تحت التعذيب على أكثر الأقوال ثم تبرأوا من دمه ولا ننسى الكثيرين الذين تشابهت مواقفهم ولنسلم جدلا ً أن المحامي مختل عقليا ً ويعاني من كل أنواع المشاكل النفسية والاجتماعية ، فلماذا اختار مجلس الشعب ليكون ساحة لفعلته؟ هل عادت له قواه العقلية في هذه اللحظة ليقرر أن أفضل مكان ليعرض طريقة احتجاجه فيه هو مجلس الشعب؟ وفي هذا التوقيت الحيوي ؟ لو كان هذا الرجل بهذا الذكاء ثم يتهم بأنه مختل عقليا ً فلماذا لا يتم تغيير الحكومة التي فشلت في حل مشكلات أمثاله من (المختلين عقليا ً ) واستبدال الحكومة الرشيدة بحكومة من المختلين عقليا ً على غرار هذا المحامي... فلعل مشكلات الوطن تحل بعد أن تتولى زمام المبادرة (حكومة مختلة عقليا ً ) .. فهل ستوافق الحكومة الذكية؟ .........