شعاع بسيط من النور يسقط عليها كل صباح لمدة دقيقتين وفي كل مرة تحاول الإمساك بهذا الشعاع كان ينفلت منها بمجرد أن تلمسه , ربما كانت قامتها أقصر من اللازم(حتى مع محاولاتها في الوثب) أو ربما لأنها كانت تعاني منذ الصغر بمرض نادر في يديها يجعل أصابعها لا تنقبض بالدرجة الكافية للإمساك بأي شئ أخبرهم الطبيب حينها أنهم يسمون هذه الحالة بالحالة المائية حيث تصبح كل الأشياء على راحة يدها كالماء كلما حاولت الإمساك بأي شئ سقط وتلاشى من بين أصابعها ولم تمسك به وعلى عكس ما توقعته لها أمها أنها حين كبرت لم تكن هشة أو مترددة أو حتى يائسة لكنها أصبحت قويه هادئة اعتادت على فكرة الفقد فباتت تحب الأشياء كلها عن بعد تداعب الزهور على أغصانها تقبلها, تحتضن الفل والبنفسج بصدرها الهزيل , تعشق النرجس والياسمين ولكنها لم تقطف زهرة واحدة في حياتها هي نفسها كانت لها رائحة الورد وصوت العصافير كانت تحلم أنها حين تكبر ستكون شجرة تسكنها العصافير والزهور وتربت على أغصانها الفراشات لم تتخيل أنها ستكون أكثر من شجرة من أوراق تنبت وتتساقط كل يوم , من ظلال تحير كل من يقترب منها لم تحلم بأنها ستكون أكثر من مجرد مصدر متجدد للحب وللورد وحين اقترب منها الولد ذو القامة الكبيرة و الذي كانت تلمع عيناها له كلما ارتفعت ببصرها لتنظر إليه (ذاك الوجه الطيب ذو الابتسامة الصافية), كان له صوت يشبه العصافير وله فيض من الحنان يشبه سربا من الفراشات البيضاء التي كانت تتساقط على فستانها الأخضر فتأخذها إلى حلمها الكبير لكن الحلم بدأ يتبدل شيئا ما في عقلها أصبحت تشعر برغبة في تبادل الأدوار أرادت أن يكون هو الشجرة وتكون هي الفراشة أرادت أن تنام على غصنه أن تتنقل بين وروده أن تبوح بأحزانها لظلاله الوارفة عليها تبادلا الأدوار ليومين فقط وفي اليوم التالي حاولت أن تمسك يده أن تطبق عليه أكثر أن تتعلق به كطفلة نست مرضها الذي لم تكن قد شفيت منه لم تفكر اقتربت و أمسكت يده بكلتا يديها أطبقت عليه بشدة رفعت كفه لتلثمها وأغمضت عينيها للحظة كانت كافية لانفلات كفه من قبضتها الضعيفة وتحولت يده إلى نهر صغير من الماء نمت عليه بمرور الوقت الكثير من الأشجار والنباتات ولكن ظلت هناك شجرة ً واحدة ً مميزة تؤانسها العصافير والزهور وترّبت على أغصانها الفراشات شجرة واحدة تبقت ترسل الظلال في كل مكان يركن إليها العاشقين فتعلمهم بعض أسرارها وتمنحهم الحب الأبديّ و كانت الشجرة كلما تساقطت منها ورقة وحاول أحدهم أن يلتقطها تحولت في يديه إلى قطرات من الماء الرطب ولم يفهم أي منهم حتى اليوم سر هذه الشجرة التي تتحول إلى ماء ولكن تكرار هذه الظاهرة جعلهم يشكون أن هذه الشجرة ذات القامة المحدودة هي ام لهذا النهر الذي يجري من تحت قدميها فتحنو عليه ويدللها بعفويته مواضيع ذات صلة 1. شيرين فتحي : خفة روح 2. حدث في أمريكا: لصوص يضرمون النار في شجرة عيد الميلاد لسرقة النحاس 3. المطربة شيرين : لو عرض علي تامر حسني أن أمثل معه في فيلم لن أرفض 4. ساراماجو يكتب عن “عمى الانتخابات” : فصل من رواية “البصيرة” ترجمة تامر فتحي 5. ساراماجو يكتب عن ” عمى الانتخابات ” فصل من رواية البصيرة ..ترجمة تامر فتحي الحلقة الثالثة