* حكاية مشوقة , و سيناريو متماسك, ونقلة حقيقية في مشوار مخرجه كتب – أحمد شوقي: صناعة السينما ليست أمراً هيناً، فيحتاج صنع فيلم جيد إلى العديد من العناصر والقرارات الدرامية والإخراجية والأدائية المتشابكة، والتي تكون أحياناً أكثر من قدرة بعض المخرجين على التحكم، بل أني أجزم بإستحالة إتخاذ أي صانع أفلام مهما كان قدره لجميع القرارات الصحيحة “مع التحفظ بالطبع على فكرة وجود قرار فني صحيح وآخر خاطئ”، ولكن تكمن كلمة السر في الوصول إلى أكبر قدر ممكن من القرارات الموفقة في معرفة صناع الفيلم لما هم مقدمين على فعله، فكلما كان المخرج يعلم نوع العمل الذي يقدمه والمراد توصيله به والأثر الذي يريد إحداثه في المشاهد، أصبح اتخاذ القرارات المتوافقة مع هذا السياق أكثر سهولة. ويكمن هنا عيب واضح تعاني منه السينما المصرية يتعلق بعدم التقدير السليم لحجم الأعمال الفنية، فلا يوجد ما هو أكثر سطحية من فيلم كوميدي خفيف يتم إنهاؤه بمشهد وعظي أملاً في منحه قيمة فنية مرتفعة، ولا يوجد ما هو أكثر إهانة من فيلم مهم يتم حشر بعض النكات فيه مداعبة لصناعة الدعاية وشباك التذاكر، ولا يوجد ما هو أكثر إدعاءاً من فيلم ضعيف فنياً ومفكك درامياً ينسب لنفسه مناقشة قضية مجتمعية مهمة. وفي هذه السطور السابقة يكمن سر إعجابي بفيلم “الوتر” للمخرج مجدي الهواري. يمكنني ببساطة أن أعتبر “الوتر” نقلة حقيقية في مشوار مخرجه الذي ظل أعواما طويلة مصنفا ضمن من يخرجون الأفلام فقط لأن ظروفهم تسمح لهم بذلك. فمنذ اللحظات الأولى لنزول تترات الفيلم وحتى نهاية الأحداث يمكنك استشعار وجود مخرج يعلم جيدا حجم الفيلم الذي يقوم بصنعه. والحقيقة أن الحد الفاصل بين الفيلم المُسلي والفيلم المهم ليس “شعرة معاوية” ولا “خيط رفيع”، بل هو حد عريض وواضح لمن يريد أن يراه، وفي هذه المرة رآه مجدي الهواري وعرف أنه يخرج فيلما هدفه الأساسي هو قضاء المشاهد لساعتين يشاهد فيهما حكاية مشوقة محبوكة، فاتخذ كل قراراته انطلاقا من هذا الفهم فخرج “الوتر” محققا لكامل أهدافه، وخرج كل من في قاعة العرض راضين عن أموالهم التي دفعوها في التذكرة، ومستعدين لاستكمال حياتهم بعد قضاء ساعتين ممتعتين. وينتمي فيلم “الوتر” إلى نوعية دراما الجريمة البريطانية الشهيرة بدراما “من فعلها؟” أو “whodunit”، والتي أرسى الأدباء الشعبيين مثل آرثر كونان دويل وأجاثا كريستي أسسها، والتي تقوم وجود مخبر أو شرطي يحقق في جريمة غامضة، ويدخل خلال عمر الحكاية إلى عالم الشخصيات الذي يشتبه في قيامهم بالجريمة، والذي غالبا ما يكون عالما غريبا غنيا بتفاصيل يود قارئ الحكاية معرفتها. وقد قام الكتاب الأمريكيون بتطوير هذا النوع من الدراما ليناسب السينما عبر إضافتين، الأولى هي الابتعاد عن نمطية شخصية المخبر العبقري، والاتجاه للمخبر الذي يعاني نفسه من عقدة ما تتطور خلال خوضه لرحلة الفيلم، والثانية هي الحلول المركبة للجرائم والقائمة على انقلابات درامية غير متوقعة “Twist”، لتخرج من نطاق الحلول البريطانية التي لم تكن تختلف كثيرا عن كون الجاني هو آخر شخص يتوقع ارتكابه للجريمة، وأنه قد نفذ جريمته بشكل معقد، وتدخل بدلا من ذلك أفقا أرحب يمكن للكاتب فيه وضع حبكات أكثر ابتكارا. ولا أشك أن محمد ناير مؤلف فيلم “الوتر” قد درس جيدا هذه الطرق الدرامية واستفاد منها، لأن النتيجة كانت سيناريو متماسك، يجمع بين إثارة وغموض الحدث، والحل المنطقي للجريمة. صحيح أن ناير اختار أن يلعب لعبة ذكية لم تجبره على ابتكار حل معقد، بخلق “جريمة موازية” نصل لها تصاعديا مع ذروة الفيلم، فينشغل بها المشاهد ناسيا الجريمة الأصلية التي بدأت بها الأحداث، والتي جاء حلها بسيطا وقائما فقط على بناء الشخصيات، ولكني أعتبر ذلك نجاح درامي أكبر، لأن الحل في الجريمتين كان أسهل تصديقا وأكثر ابتعادا عن الغرائبية والحلول التي تبدو للوهلة الأولى براقة ومبهرة، لكن المشاهد يكتشف خللها وثغراتها بمجرد أن يفكر فيها خلال الخطوات التي يقطعها حتى باب السينما! الغرائبية والابتعاد عن المنطق لم تأت في “الوتر” من حل الجرائم، ولكنها أتت من اختيارات درامية وإخراجية أخرى، مثل فكرة قيام الضابط بالتحقيق مع الشقيقتين المشتبه فيهن في أماكن غير مالوفة مثل دار الأوبرا أو مسرح سيد درويش بالإسكندرية، وفي أوقات غريبة من الليل، وما اقترن من ذلك في طريقة المخرج التي اعتمدت على الاهتمام ببث حالة من الغموض والرهبة في تلك المشاهد، سواء باختيار زوايا التصوير أو تكوين الإضاءة أو حتى باللعبة البصرية الطريفة التي تحول بعض لقطات الفيلم إلى صور شبيهة برسوم الكوميكس. والحقيقة أن كل الاختيارات السابقة كان من الممكن أن تكون اختيارات غير موفقة أو عيوب في سياق الفيلم، لكن وبما أن المخرج قرر ونحن ارتضينا أن نتعامل مع الفيلم باعتباره حكاية مصورة مسلية، فإن هذه الاختيارات كلها تدخل في نطاق المقبول، بل وأزيد فأقول أنها أضافت إلى الحالة المزاجية المتحققة أثناء مشاهدة الفيلم، وأدخلت المشاهد أكثر إلى عالم غامض يجتمع فيه الموسيقى بالحب والجنس والجريمة. يمكنك أن تلاحظ أيضا مجهودا واضحا في اختيار الممثلين وتوجيههم، فظهرت غادة عادل بشكل لافت في دور يمتلك في الأساس ملامحا واضحة أضافت إليها غادة تفاصيل صغيرة تتعلق بطريقة المشي والحركة والتدخين، ليكون الدور تعويضا لمحبيها عن ظهورها الباهت في فيلم “ابن القنصل”. وجاءت شخصية الضابط الذي يعاني من أزمة تجعله لا يتمكن من النوم مناسبة تماما لقدرات مصطفى شعبان التمثيلية، فهو من الممثلين الذين يمتكلون قدرة على التعبير بالجسد بشكل أكبر بكثير من عضلات الوجه، وبالتالي فإن الشخصية التي تفرض حالتها البدنية ضعفا واضحا في ردود أفعال الوجه تبدو وأنها كتبت خصيصا ليلعبها مصطفى شعبان. ولا حاجة بالطبع لتزكية موهبة سوسن بدر، الممثلة التي تعرف جيدا كيفية خلق عالم خاص بكل شخصية تلعبها، فتخرج تعبيراتها وطريقة حركتها وجلوسها كلها متفقة مع هذا العالم. بينما تظل أروى جودة تحتاج للمزيد من التدريبات لتكتسب تلك القدرة على تمييز كل دور تلعبه عن الآخر، فهي بالفعل ممثلة جيدة، لكنها تحتاج للخبرة التي تجعل الممثل يختار اتجاه أدائي ما يحفر به الشخصية في أذهان المشاهد. في النهاية أعترف بأنني دخلت إلى السينما بتوقعات منخفضة نظرا لمستوى الأعمال السابقة لصناع الفيلم، لكني تفاجئت بفيلم متماسك يعرف صناعه جيدا أهدافهم، لذلك تمكنوا من تحقيقها بشكل كبير، فجاء “الوتر” كعمل سينمائي مسلي ظلمته قلة جماهيرية أبطاله، وظلمه كذلك توقيت عرضه قبل يومين فقط من حادث الإسكندرية البشع الذي شغل الجميع، ولكني أعتقد أن الجمهور سيعجب بالفيلم عندما يشاهده بعد شهور على شاشة التلفزيون، فهو يملك تلك القدرة على جعلك منجذبا وراغبا في استكمال الأحداث ومعرفة ما ستنتهي عليه القصة المثيرة. مواضيع ذات صلة 1. فيلم ” مسلم ” الأمريكي في نادي السينما بالأوبرا 2. مصر تفوز ب4 جوائز في مهرجان دبي السينمائي الدولي .. و كدواني وبشرى أفضل ممثل وممثلة في المهرجان 3. نادي سينما “التجديد الاشتراكي” يبدأ عروضه الخميس بفيلم إيطالي عن الفاشية 4. ننشر صور الفيلم الإيراني “سماء الجنوب ” الذي كان من المقرر أن تشارك فيه حنان ترك 5. مخرج فيلم 678: غضب تامر حسني من الفيلم تحول إلى إعجاب بعد أن شاهد الفيلم