"إن الأمة على استعداد لأن تسحق أكبر رأس في البلاد يخون الدستور ولا يصونه".. كلمات سطر بها الأديب الراحل عباس محمود العقاد، موقفا خلده التاريخ عندما وقف في وجه الملك فؤاد الذي رغب في تعديل الدستور الذي نص على أن الأمة مصدر السلطات وليس الملك وأن الوزارة مسؤولة أمام البرلمان، وبسببه قضى في السجن 9 أشهر بتهمة العيب في الذات الملكية، ما يؤكد أنه كان متمردا وجسورا لا يهاب شيئا، الأمر الذي انعكس على أدبه. وللعقاد أكثر من مائة كتاب في الأدب والتاريخ والاجتماع والدراسات النقدية واللغوية والإسلامية، وكان نهما للقراءة بشكل كبير فكان يطالع كل الكتب في جميع المجالات، ومما يروى عنه أن أديباً زاره يوماً، فوجد على مكتبه بعض المجلدات في غرائز الحشرات وسلوكها، فسأله عنها، فأجابه بأنه يقرأ ذلك توسيعاً لنهمه وإدراكه، حتى ينفذ إلى بواطن الطبائع وأصولها الأولى، ويقيس عليها دنيا الناس والسياسة. ويستحق العقاد لقب الأديب الشامل؛ فكتب في جميع أصناف وألوان الكتابة المختلفة؛ منها السياسة من خلال "الحكم المطلق في القرن العشرين"، و"هتلر في الميزان"، وأفيون الشعوب"، و"فلاسفة الحكم في العصر الحديث"، و"الشيوعية والإسلام"، و"النازية والأديان"، و"لا شيوعية ولا استعمار"، وفي الشعر ألف دراسات نقدية ولغوية، ومن مؤلفاته الأشهر كتاب "الديوان في النقد والأدب" بالاشتراك مع المازني، حيث أصبح اسم الكتاب عنوانًا على مدرسة شعرية عُرفت بمدرسة الديوان، وكتاب "ابن الرومي حياته من شعره"، و"شعراء مصر وبيئاتهم في الجيل الماضي"، و"رجعة أبي العلاء"، و"أبو نواس الحسن بن هانئ"، و"اللغة الشاعرية"، و"التعريف بشكسبير". وترجم الأديب الراحل عن الإنجليزية كتابين "عرائس وشياطين"، و"ألوان من القصة القصيرة في الأدب الأمريكي"، كما كتب عشرة دواوين هي "يقظة الصباح، ووهج الظهيرة، وأشباح الأصيل، وأعاصير مغرب، وبعد الأعاصير، وأشجان الليل، ووحي الأربعين، وهدية الكروان، وديوان من دواوين، وعابر سبيل"، والديوان الأخير، انتهج فيه العقاد أسلوبا شعريا جديدا على العربية، أراد فيه أن يكون الشعر متاح لرصد واقع الحياة اليومية، فكانت موضوعاته مستمدة من الشارع ومن إحدى قصائده "عسكري المرور" التي قال في أبياتها: متحكم في الراكبين… وما له أبدًا ركوبة لهم المثوبة من بنانك.. حين تأمر والعقوبة مُر ما بدا لك في الطريق… ورض على مهل شعوبه وشرع العقاد أيضا في الكتابة الإسلامية؛ فله أكثر من 40 كتابا؛ منها سلسلة العبقريات التي شملت "عبقرية محمد، عبقرية الصديق، عبقرية عمر، عبقرية علي، عبقرية خالد"، إضافة إلى كتب أخرى؛ منها "فاطمة الزهراء والفاطميين، وذو النورين عثمان، والصديقة بنت الصديق، وأبو الشهداء وعمرو بن العاص، ومعاوية بن أبي سفيان". وألّف كتب أيضا دافع فيها عن الإسلام أمام الشبهات التي رمي بها، فوزان بين الإسلام كدين وبين غيره، ووصل إلى شمول حقائق الإسلام وخلوص عبادته وشعائره من شوائب الملل الغابرة حين حرفت عن مسارها الصحيح، ومن أشهرها "حقائق الإسلام وأباطيل خصومه، والفلسفة القرآنية، والتفكير فريضة إسلامية، ومطلع النور، والديمقراطية في الإسلام، والإنسان في القرآن الكريم، والإسلام في القرن العشرين وما يقال عن الإسلام". وطوال عمره، قضى العقاد وقته في الإنتاج الأدبي الدائم حتى تخطت كتبه المائة، فضلا عن مقالاته التي تزينت بها الصحف، وظل على عهده بخدمة الأدب العربي حتى رحل عن عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1964.