ألتقف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، طوق نجاة حكومته وائتلافها الحاكم، وكذلك نجاته هو الشخصية من ملاحقات قضائية متعلقة بوقائع فساد متعددة قد تنتهي بسجنه، والمتمثل في صفقة الغاز التي بمقتضاها تبيع إسرائيل لمصر على مدار عشر سنوات قادمة ما قيمته 15 مليار دولار من الغاز الطبيعي، وهي الصفقة الأكبر بين دولة الاحتلال وبين القاهرة منذ توقيع اتفاقية السلام 1979، وتأتي كأساس اقتصادي لمرحلة "السلام الدافئ"، في إطار التحالف بين تل أبيب وعواصم عربية شهد تطورات غير مسبوقة خلال السنوات الأخيرة. ثمرة اقتصادية للتحالف العربي-الإسرائيلي وتأتي هذه الصفقة وسط خضم أزمة داخلية/خارجية تهدد استمرار نتنياهو كرئيس وزراء، يعد الأطول مدة بين أقرانه الذين تولوا هذا المنصب منذ 1948. هذه الأزمة المستمرة منذ العام الماضي وتقترب إلى حد الانتخابات المبكرة كنتيجة حتمية لانسحاب أي من مكونات الائتلاف الحكومي المكون من أحزاب اليمين الإسرائيلية، وزاد عليها تورط الأخير في وقائع فساد مالي واستغلال نفوذ وتربح وقبول هدايا مادية تتخطى الحد القانوني، وأبرز هذه الوقائع متعلقة بصفقات غاز وغواصات ألمانية واستخدام نفوذ من قبل نتنياهو وزوجته للحصول على تسهيلات مالية في قروض ورحلات شخصية وهدايا بعيداً عن محددات وظيفته. وكانت الشرطة الإسرائيلية قد أوصت في مطلع الشهر الجاري بإيقاف الأخير والتحقيق معه بخصوص هذه الاتهامات التي تحتاج السلطات القضائية في تل أبيب إلى سحب الثقة أو تقديمه للاستقالة للشروع في مسألته بشكل مباشر. وعلى مدار الأسبوعين الماضيين، تلخصت إطلالات نتنياهو وتصريحاته الإعلامية لمخاطبة قاعدته الانتخابية من المستوطنين الإسرائيليين؛ حيث تنوعت بين الدفاع عن شخصه أمام الاتهامات السابقة، وربط إطلاقها حالياً بما أسماه "تحقق مسئولياته تجاه إسرائيل"، والتي قسمها إلى قسمين رئيسيين، الأول هو تثمين وتقييم التحالف الحادث بين إسرائيل ودول عربية، واعتباره الانجاز السياسي الأبرز لحكومته خلال السنوات الأخيرة، والذي وصل إلى مستوى التحالف بين دولة الاحتلال وبين دول كانت تعتبرها حتى وقت قريب دولة "عدو"، ومآلات هذا التحالف السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية الإيجابية بالنسبة لإسرائيل على حد تعبيره، أما القسم الثاني هو التركيز العملي على ثمار تطور العلاقات العربية الإسرائيلية، وما يتسق مع سردية نتنياهو في مخاطبته لقاعدته الجماهيرية، والتي حصرها في كم الأموال التي ستضخ للاقتصاد الإسرائيلي من صفقة الغاز الأخيرة بقوله بشكل مباشر "أرحب باتفاقية تصدير الغاز الإسرائيلي إلى مصر. هذه هي اتفاقية تاريخية ستدخل المليارات إلى خزينة الدولة. هذه الأموال ستصرف لاحقا على التعليم والخدمات الصحية والرفاهية لمصلحة المواطنين. مخطط الغاز يعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية ومواطنينا. هذا هو يوم عيد!". استثمار انتخابي بأموال "الحلفاء" في هذا السياق قال المعلق السياسي في القناة العاشرة الإسرائيلية تعقيباً على تصريحات نتنياهو الخاصة بصفقة الغاز"الاتفاقية الأخيرة بيننا وبين القاهرة لا يمكن حصرها في نطاق سوق الطاقة الإقليمي والدولي ولا حتى كتطور هام للعلاقات بيننا وبين مصر، فبعيداً عن حجم الاتفاقية ومداه الزمني، فإنه تجلي اقتصادي لمناخ الازدهار في العلاقات العربية الإسرائيلية، يبرزه نتنياهو كإنجاز لحكومته يخاطب به ناخبي حزبه والأحزاب المشاركة في الائتلاف، الذين قد لا يدركون الانجازات السياسية والدبلوماسية والأمنية لهذا التحالف القائم، والذي قد لا يكفي بالنسبة لهم كإنجاز يقتنعون به دون استفادة مادية مباشرة؛ فالكثير من منتقدي نتنياهو حتى داخل الحكومة يواجهون الرأي العام بأن لا أثر واضح لما يعتبره بيبي منذ عامين أو أكثر أهم إنجاز لحكومة إسرائيلية منذ نشأتها، والأن هو يعلنها بشكل مباشر أن اتفاقية الغاز في صالحهم، وأن ملف الغاز والاستفادة الاستراتيجية منه، والذي كان منتقدي نتنياهو يحيطونه بعلامات استفهام متعلقة بفساد أو بمخاطر أمنية ]استهدافها في أي جولة عسكرية قادمة[، وتهديد المنافسة من لبنان أو حتى مصر بعد اكتشافات احتياطيات ضخمة تنافسية مع سوق الطاقة الإسرائيلي، أن فقط ما جعل هذا غير ممكن هو استراتيجية التحالف والتكامل بين تل أبيب وحلفائها العرب، وهي الاستراتيجية التي كان يراهن عليها نتنياهو في السنوات الأخيرة، وستأتي بما يزيد عن اتفاقية الغاز". وفيما يتعلق بما "يزيد عن اتفاقية الغاز" التي أشار إليها المحلل الإسرائيلي، فإن أقرب ما قد يتسق معها في المستقبل القريب كتجلي اقتصادي للتحالف والتكامل بين حكومته وحكومات عربية لا تنحصر في كل من القاهرة وعمان، ولكن تمتد إلى الرياض وعواصم خليجية أخرى، هو شراكة استراتيجية بمشروعه مع السعودية عبر مشروعها العملاق "نيوم" المحاذي لحدود المملكة الجديدة مع فلسطينالمحتلة، عبر خليج العقبة بعد استحواذها على جزيرتا تيران وصنافير. هل يفعل "الحليف" الإسرائيلي المثل؟ قد يرى البعض أن الاستفادة السياسية لنتنياهو وحكومته من الصفقة سابقة الذكر أمراً عادياً في ظل مناخ التحالف الراهن وتفعيلاً للسلام الدافئ، مقابل استفادة اقتصادية تجعل الصفقة عادلة من حيث مآلاتها الاقتصادية والسياسية، ولكن بعيداً عن تفنيد هذه المآلات والتي في ظل التعتيم المعلوماتي عنها وعن تفاصيلها –عكس الشفافية المتبعة في تل أبيب- فإن حكومة نتنياهو وخلال العاميين الماضيين بشكل خاص، فعلت كل ما هو عكس مصلحة "الحليف" المصري، بداية مع اتفاق المصالحة بين إسرائيل وتركيا، وجولة نتنياهو الإفريقية منتصف 2016 وخاصة في أثيوبيا التي وقعت معها تل أبيب بروتوكولات تعاون عسكري من ضمنها الاتفاق على صفقة أنظمة دفاع جوي تشمل صواريخ وأنظمة إنذار مبكر، بالإضافة إلى توسيع التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدولتين، مع تلميح حول تقديم تل أبيب ضمانات بشأن دعمها الكامل لها تجاه أزمة سد النهضة في حال أن تصاعدت الأمور مع مصر إلى حد التهديد العسكري. إزاء سياسات إسرائيل الخارجية المضادة لأمن مصر القومي، تأتي صفقة الغاز، التي تعد أساس اقتصادي لهذه المرحلة من التحالف السياسي، كتناقض إذا ما طُرح سؤال بديهي عن مصلحة القاهرة من إنقاذ حكومة نتنياهو في أزمتها الراهنة عبر الصفقة الأخيرة؟ في الواقع أن حصيلة العلاقات الخارجية لإسرائيل في السنوات الأخيرة أتت وعلى أحسن تقدير ضد بديهيات تحالفها المفترض مع دول عربية وعلى رأسها مصر، سواء كان ذلك عبر اتفاق المصالحة مع تركيا، أو عبر جولة نتنياهو الأخيرة في أفريقيا، والتي تعزز موقف أثيوبيا ضد مصر فيما يتعلق بملف سد النهضة، التي تدعم إنشاءه وتمويله هو ومشاريع مماثلة مستقبلية إسرائيل وبشكل علني، مع الأخذ في الاعتبار إن هذان المثالان حدثا في غضون أسابيع قليلة وبموازاة التماهي المصري/العربي مع تل أبيب في أكثر من ملف وموضع، وللعلم أيضاً لم تكن هذه الإشارة الأولى من جانب إسرائيل التي تعمل عكس ما هو مفترض من تعاون إقليمي مع مصر، بل بدأت هذا قبل 4 أعوام وأثناء عدوانها على غزة بميلها للوسيط التركي ومبادرته على حساب الوسيط المصري ومبادرته، وهو ما كان سيعني حال حدوثه مأسسة دور سياسي لأنقرة في غزة على حساب القاهرة التي كانت ولا تزال على خلاف مع الأولى منذ يوليو 2013. الخلاصة، أن العلاقات بين مصر وإسرائيل ليست متكافئة بشكل عام، حتى بمعيار المصلحة المرجوة والمنافع المشتركة لكل من الطرفين، بل أنه يمكن القول أن تل أبيب لا ترى فيها إلا استثمار وتوظيف حصري لمصالحها الإستراتيجية في تسيَد القرار الإقليمي والهيمنة عليه، بل أنه يمكن القول أيضاً أنها تعمل ضد مصالح بعض من هذه الدول العربية وعلى رأسها مصر، والتي تنقذ أموالها نتنياهو من أزمته السياسية الداخلية.