«إحنا لقينا مواطن اتقدم ورشح نفسه للرئاسة».. عبارة وردت في مشهد داخلي من فيلم «ظاظا»، التقطتها إحدى أفراد عائلة الرئيس، فتسخر من سكرتير الرئيس الشخصي في ظل غياب وجود مرشح رئاسي منافس لحاكم البلاد، فتتسائل ابنته في كبرياء «مين ده اللي اتجرأ وعملها اعتقلوه حالًا»، فيأتي الرد على الفور من قبل مدير مكتب والدها في الرئاسة «الريس فاهم كويس إحنا بنعمل كل ده ليه ياهانم.. عشان الضغوط الخارجية». نجح النظام الحاكم عبر الفيلم الذي تم عرضه في عام 2006 في إجبار أحد الأشخاص الذين تم توصيفهم بأنه «شخص تافه ما حدش يعرفه غير أمه يترشح، لإكمال الديكور الديمقراطي عشان الضغوط الخارجية»، رغم أن المرشح ذاته، يعمل «كومبارس» في إحدى برامج التوك شو الشهيرة، وحين تقدم بأوراق ترشحه للرئاسة جمع بينه وبين الرئيس الحاكم مشهد داخلي آخر، وطلب سعيد ظاظا المرشح الوحيد المنافس «كارت توصية» من رئيس البلاد يقدمه إلى رئيس المباحث، وقبل أن يخرج كان يهتف له: «بالروح بالدم نفديك يا ريس». البحث عن مرشح من دور السينما إلى المشهد الجاري في الشارع السياسي والانتخابات الرئاسية، في البداية، قرر رئيس حزب الوفد الدكتور السيد البدوي، الترشح للرئاسة، ما قوبل بهجوم حاد من قبل القوى السياسية والحزبية التي وصفته ب«الكومبارس» و«المحلل الرئاسي»، ورفضت الهيئة العليا للحزب المؤسس من قبل زعيم الأمة مصطفى النحاس باشا، بالإجماع قرار البدوي بدخول الانتخابات. بعدها كثرت التكهنات حول هوية المرشح المحتمل المنافس للرئيس الحالي الذي تنبأ أحد الصحفيين بظهور أحد المرشحين الحزبيين قبل الساعات الأخيرة من غلق باب الترشح، وأن الرئيس لن يكون المرشح الوحيد في الانتخابات، وصدقت نبوءة مصطفى بكري ووقع الاختيار على موسى مصطفى موسى، رئيس حزب الغد، مرشح الضرورة كما أطلق عليه؛ لإنقاذ سمعة المشهد الانتخابي من الفضيحة أمام المجتمع الدولي من أن يتحول إلى ما يشبه الاستفتاء. فاصل من الكوميديا السياسية بوتيرة متسارعة يسبق الأيام الأخيرة من ترشح موسى لانتخابات الرئاسة، ذلك المرشح الذي انتقل من تأييد الرئيس إلى منافسته في غضون أيام قليلة وتحديدًا أثناء مؤتمر عقده موسى داخل الحزب حين أعلن بصورة قاطعة دعم الحزب للنظام الحالي وتدشين حملة «مؤيدون»، وقال حرفيا: «أساند تماما الرئيس السيسي وإحنا كلنا لازم نقف وراه وهو هيكسب يعني هيكسب بس احنا عايزينه ينجح باكتساح عشان يستكمل المشروعات التي بدأها». في الخلفية تتصدر صور الرئيس الحالي جميع الحوائط الداخلية للحزب الذي بدأ معارضًا قبل أن يتم تفكيكه وترويضه وضمه إلى صف النظام وتبنيه حملة «مؤيدون» لدعم الرئيس الحالي، لفترة ثانية، ويخرج من المشهد العبثي أحد أعضاء الحزب، ليهتف «عاش الرئيس عبد الفتاح السيسي» ويهتف الجميع وراءه بحماس شديد، وقبل 15 دقيقة من غلق باب الترشح، فوجئ الجميع بتقدم موسى مصطفى بأوراق ترشحه للجنة الوطنية للانتخابات، ليتحول من مربع تأييد الرئيس إلى خانة منافسه الوحيد. كومبارس السياسة تعالت موجات السخرية من موسى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ووصفته ب«الكومبارس»، رغم نفيه خلال حوار سابق له، مبررًا أسبابه: «لقينا إن مافيش منافس للرئيس، فقررت الترشح لخدمة الوطن والشباب». «أنا مش كومبارس ولا أعارض السيسي، أو أدخل في خصومة معه».. جملة اعتراضية تحمل تناقضا غريبا أطلقه موسى مصطفى موسى، المرشح الرئاسي المحتمل، استنكرها كثير من الفنانين أصحاب الأدوار الثانوية في الفن (مسرح، سينما، تليفزيون). الكومبارس الفني داخل الاستديوهات في أماكن التصوير، نرى جموعًا من الناس بمختلف فئاتهم العمرية، أول من يحضر إلى مكان التصوير «البلاتوه» وآخر من يرحلون، يقفون منذ الساعات الأولى من بدء العمل الفني وراء الكواليس ينتظرون بدء التصوير إلى نهايته في سبيل تصوير مشهد أو مشهدين على الأكثر، وهم بمثابة الضلع الذي يكمل مثلث العمل الفني، وهم المحرك الرئيسي لأهم الأعمال الدرامية والسينمائية، والجندي المجهول في الدراما والمسرح. الجنود المجهولين الذين يفنون أعمارهم وراء الكواليس، مجموعة من الممثلين الثانويين الذين يشاركون في معظم الأعمال الفنية، إما بشخصيات ناطقة بكلمات قليلة، أو صامتين، أو بمجموعات تغطي المشهد الفني ويمثلون جمل ربط بين المشاهد في سبيل إكمال الصورة كما رسمها المؤلف والمخرج. والكومبارس جزء مهم من العمل الفني، يعملون بكد، لكن الأضواء لا تُسلط عليهم، مشكلاتهم كثيرة، لكن ما من أحد يستمع لشكواهم، أو ينصت لمطالبهم. حالنا وقف «ارحمونا.. إحنا بقينا مسخرة الناس وحالنا وقف».. هكذا قالت (سمر.ا) الفتاة الثلاثينية التي شاركت في عدد من الأعمال الفنية في أدوار ثانوية، لتبدي اعتراضها الشديد على ما يوجه إليهم من قبل بعض المواطنين في أحيائهم الشعبية ومناطق سكنهم حين يسخرون منهم لأنهم يعملون «كومبارسات» لا قيمة لهم مثل ما يفعله بعض مرشحي الرئاسة في الوقت الحالي. وأضافت سمر إن الكومبارس الذي يسخرون منه، يلعب دورًا مهمًا في كثير من الأعمال التاريخية، التي تحتاج الى أشخاص كثر يمشون في الشوارع، أو يشاركون في المشاجرات، أو يجلسون في المقاهي، أو حتى يتواجدون داخل الحمامات الشعبية. الكومبارس بالإيطالية تعني «Comparsa» الممثل زائد، مواطن عادي يجلبونه ليلعب دورًا يساعد بطل الفيلم على الإيهام بالمناخ المطلوب وفي الأفلام الكوميدية، الكومبارس دوره أن يسند بطل الفيلم ويتقاضى مقابل ذلك أجر متفق عليه. وعن انتقال الكومبارس إلى النجومية، تابعت سمر أنه يلزمه الاقتراب من فنان ذي سلطة في العمل الفني حتى يصعد بسرعة الصاروخ ويخرج من خانة الأدوار الثانوية الهامشية إلى البطولة المطلقة، وفي كثير من الحالات يكون صعود الكومبارس في السياسة أسرع منه في الفن، ولكنه سرعان ما ينتهي نجمه ويحترق في وقت قياسي بسبب شدة تسليط الأضواء عليه وصعوده السريع. كومبارس بالأوردر محمد العتابي، ممثل مسرحي صاعد ينقل لنا جزءًا من مهام الكومبارس الذي يؤدي دورا هامشيا في الأعمال الفنية و«ماحدش بيفتكره»، سواء كان كومبارس صامت أو متكلم لأنه شخص غير مؤثر في سياق الأحداث، لكنه في الوقت ذاته يكون مكملا للشكل أو الصورة العامة، على سبيل المثال، حين يم تصوير مشهد خارجي في الشارع أو في مقهى شعبي، يتم الاستعانة بعدد من الممثلين الثانويين الذين يتحركون في الطريق ويعبرون الشارع أثناء تصوير المشهد الفني. العتابي ذكر أن الكومبارسات لا يكونون ممثلين أو معظمهم، لكنهم مجرد أشخاص يعملون باليومية يحضرهم مكتب «الكاستنج» أو الريجيستير المسؤول عن المسلسل أو الفيلم من أي قهوة أو حارة شعبية لأداء الدور المطلوب وإتمام المشهد الفني من على النواصي أو من أي مكان آخر مقابل أجر محدد، مثلما تفعل بعض الأنظمة السياسية، عندما تتفق مع "مواطنين شرفاء" ينزلون الميادين من أجل الرقص والهتاف والتهليل ل«سعودية الجزر» مثلا، أو ضرب متظاهرين معارضين أوقات الانتخابات، وإذا لزم الأمر، يتم طرح بعض الكومبارسات للترشح للرئاسة، لزوم تجميل الصورة أمام وسائل الإعلام الخارجية والمجتمع الدولي. فاطمة كشري.. أشهر كومبارس عدد كبير من النجوم بدأ رحلة الفن في أدوار ثانوية صغيرة «كومبارس»، منهم من أصبح نجمًا مشهورًا بعد ذلك ، ومنهم من ظل يقدم أدوارا ثانوية حتى الآن، من بينهم فاطمة السيد عوض الله، الشهيرة ب"فاطمة كشري" من منطقة شبرا ، صاحبة الطلة الشعبية الشهيرة والصوت الأجش و«الكاراكتر» الشعبي في السينما المصرية، وتعد أشهر كومبارس في الوسط الفني، شاركت في العديد من الأعمال الفنية أمام كبار الفنانين والفنانات، دائماً ما تتسم أدوارها بالطابع الكوميدي. وكانت بدايتها بمحض الصدفة، عندما كانت في طريق عودتها إلى منزلها، فطلبت من أحد العمال أن تظهر في التصوير أمام الكاميرات ، فدلّها أحدهم على مكتب الريجستيرات، ومن هنا كانت البداية، وكان أول أعمالها الفنية ككومبارس صامت بفيلم «صراع الأحفاد» عام 1989، ثم شاركت العام التالي في المسرحية الكويتية «أزمة وتعدي»، بعدها اقتحمت مجال الدراما التليفزيونية عام 2001، عندما شاركت بمسلسل «دهب قشرة» وتكررت مشاركتها بعد ذلك. «الكومبارس في بلاد بره معناها كبير أوي ومن غير الكومبارس مش هيبقى فيه بطل».. هكذا قالت فاطمة كشري، حين سألناها عن كثرة استخدام البعض هذه الأيام للكلمة التي تمتهنها منذ سنوات طويلة، ورددت «كومبارس مش عيب دي مهنة اتبهدلت في السياسة، وبعدين ماله الكومبارس فنان بيشتغل بشرف وبياكل لقمة عيشه بالحلال وما ينفعش فيلم من غير أهل الحارة أو تصوير شارع أو قهوة بلدي واحنا كلنا بنكمل بعض». أكدت «كشري» أن الفنانة الجميلة هند رستم التي توجت على عرش الإغراء في مصر وأطلق عليها مارلين مونرو الشرق، بدأت رحلتها في السينما بدور كومبارس في مشهد لها مع الفنانة ليلى مراد عبر فيلم «غزل البنات»، حين غنت الأخيرة أغنية «اتمخطري ياخيل»، وكانت في الجوار هند رستم التي كانت تمتطي الحصان الآخر وسط مجموعة من البنات.