تشهد الساحة الداخلية اللبنانية مجموعة من الهزات السياسية التي ضربت الكيانات الحزبية المتحالفة على مستوى 8 آذار و14 آذار؛ فالخلاف الأحدث نشب في فريق 8 آذار، بين حركة أمل بزعامة الرئيس نبيه بري، والتيار الوطني الحر المحسوب على الرئيس اللبناني، ميشال عون، ويتزعمه حاليًا وزير الخارجية اللبناني وصهر عون، جبران باسيل. يوم الاثنين الماضي، وصل التوتر في لبنان إلى نقطة الغليان، بعد وصف جبران باسيل، لرئيس مجلس النواب، نبيه بري بأنه "بلطجي"، الأمر الذي اعتبره أنصار الأخير تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء، وانتشر جنود لبنانيون في محيط مكاتب "التيار الوطني الحر" بعد تجمع لأنصار بري في المنطقة القريبة منه. وتفاقمت الأزمة بين الطرفين منذ ديسمبر الماضي، عندما وقع عون مرسوما يقضي بترقية العشرات من ضباط الجيش الموالين له، بدون توقيع وزير المالية علي حسن خليل، العضو في حركة أمل التي يتزعمها بري ومن أقرب معاونيه، حينها قال بري إن عون تجاوز سلطاته على حساب الطوائف الأخرى بترقية ضباط موالين له. وبالرجوع قليلًا إلى الوراء، نجد أن التوتر بين "أمل" و"التيار الوطني"، تجدد إبان الانتخابات الرئاسية في لبنان 2016، حيث دعم بري ترشيح سليمان فرنجية لرئاسة لبنان على حساب عون، ويعكس النزاع بين الرئيس عون ورئيس مجلس النواب بري، عداءً شخصيًا تعود جذوره إلى الحرب الأهلية التي دارت في الفترة بين عامي 1975 و1990. وثمة رغبة في التهدئة لاحت في الأفق، حيث دعا الرئيس ميشال عون أمس الثلاثاء، الزعماء السياسيين إلى الاضطلاع بمسؤولياتهم في حماية استقرار وأمن البلاد، بالتزامن مع دعوة التيار الوطني الحر لمناصريه "عدم القيام بأي ردّات فعل في أي مكان وترك معالجة الأمر للقوى الأمنية فقط"، وطلب من مسئوليه "عدم التعليق الإعلامي على ما يجري من أحداث وترك اللبنانيين يحكمون بأنفسهم". وفي إطار التهدئة، تم تأجيل جلسة لمجلس الوزراء، قيل إنه بسبب سفر رئيس الحكومة اللبنانية، سعد الحريري، إلى أنقرة والتي وصلها أمس الثلاثاء، في زيارة خاطفة سيلتقي خلالها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره بن علي يلدريم، لكن مصادر وزارية لبنانية، قالت إن التأجيل كان من أجل تطويق مفاعيل الاشتباك السياسي إثر الخلاف بين حركة أمل والتيار الوطني، وعن مصير جلسة المجلس الأعلى للدفاع اللبناني التي كانت مقرَّرة الإثنين الماضي، قالت المصادر إنّها أُلغيَت ولم يحدَّد أيُّ موعد لجلسة جديدة. ورغم محاولات التهدئة، خاصة أن لبنان مقبل على استحقاقي انتخابي نيابي في 6 مايو المقبل، إلا أن الخلاف الذي وقع بين أحزاب مرتبطة بطريقة وأخرى بفريق 8 آذار؛ فحزب الله له علاقة وثيقة مع حركة أمل، وتربطه صلات استراتيجية مع التيار الوطني الحر، يثير القلق، لاسيما أنها المرة الأولى التي تتطور فيها الأزمة بين بري وباسيل، وتصل حدًا غير مسبوق في التخاطب. وتبدو مهمة حزب الله صعبة، الذي طالما يحاول إقناع التيار الوطني الحر وحركة أمل بوقف السجال الإعلامي بينهما، حتى تم تسريب فيديو باسيل الذي أعاد التوتر مجددا، الأمر الذي فرض على حزب الله اصطفافًا مع أمل، حيث سارع إلى مساندة رئيس المجلس النيابي، مبدياً رفضه القاطع للكلام الذي تعرّض بالإساءة لبري شكلاً ومضموناً، ومشدّدًا على أن اللغة المعتمدة في الفيديو المسرّب لا تبني دولة ولا تأتي بإصلاح، بل تخلق المزيد من الأزمات وتفرق الصف وتمزق الشمل وتأخذ البلد إلى مخاطر هو بغنى عنها، وداعيًا إلى المسارعة بمعالجة الوضع القائم بأعلى درجة من الحكمة والمسؤولية. ولم يختلف موقف رئيس الوزراء اللبناني، عن موقف حزب الله من الأزمة بين أمل والتيار والوطني، حيث قال سعد الحريري، إن الإساءة لأي من الرئيس اللبناني، العماد ميشال عون أو لرئيس مجلس النواب، نبيه بري، تعتبر إساءة لجميع اللبنانيين. التوتر الأخير دفع بعض المراقبين للقول بأن الأزمة قد تحدث تغيرات في التحالفات السياسية، حتى أنها قد تدفع التيار الوطني الحر لتحويل تحالفه الطارئ مع تيار المستقبل إلى تحالف ثابت على حساب تحالفاته القديمة، خاصة أن مصادر إعلامية لبنانية، قالت إن وقوف حزب الله، إلى جانب برّي، أثار أجواء امتعاض داخل قيادة التيار، الأمر الذي قلل من شأنه مراقبون آخرون، خاصة أن حزب الله ساند عون في الرئاسة ضد المرشح الرئاسي لبري، كما أن التيار الوطني أبدى تفهمًا لموقف حزب الله، حيث قال القيادي فيه، ماريو عون، إن التحالف مع الحزب استراتيجي وصلب، مضيفاً: أما المواقف الأخيرة فتستوجب بعض الإيضاحات في الوقت المناسب، متابعا: موقف الحزب لم يكن موجهاً ضد التيار، بل مؤيداً لشريكه الثاني (الشيعي)، وبالتالي لم يكن هناك أي تجنٍ على التيار، وهو ما لن يؤثر على التفاهم الاستراتيجي بينهما. كما لا يبدو فريق 14 آذار متماسكًا أيضا؛ فهناك أنباء عن محاولات سعودية لتوحيده، خاصةّ بعد احتجاز الرياض للحريري وما رافقه من اختلاف وجهات النظر بين مؤيد ومعارض للخطوة السعودية ضمن الفريق الواحد. ويرى محللون أنه حتى الآن، يمكن القول إن قوى 8 آذار ستخوض معركة محسومة في وجه اللوائح التي يوجد عليها مرشّحو تيار المستقبل والقوات اللبنانية، فيما لا يزال النّقاش دائرًا عن مصلحة 8 آذار ومصلحة التيار الوطني الحرّ في التحالف «على القطعة» في دوائر محدّدة، وفي لوائح مقابلة في دوائر أخرى.