نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للكاتب على فايز، كبير محللي الشأن الإيراني في "مجموعة الأزمات الدولية"، يوضح فيه أن أوروبا إذا أرادت فرض إرادتها في مواجهة الولاياتالمتحدة بالحفاظ على الاتفاق النووي مع إيران، عليها الاستعداد بخيارات تنفذها بنفسها بغض النظر عن خيارات واشنطن. يقول الكاتب إنه في 12 يناير، حددت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، 4 أشهر إضافية لتقرير ما إذا كانت ستبقى في الاتفاق النووي مع إيران أم لا. وكان البيت الأبيض قد استغل الفرصة لفرض عقوبات جديدة والتهديد بالانسحاب من الاتفاق إذا فشل الكونجرس وأوروبا في تعديله بحلول 12 مايو. وقد خلق هذا النهج درجة عالية من عدم اليقين بشأن ما إذا كان الاتفاق النووي- المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) – سيبقى مستمرا، وفي الوقت نفسه يضع عبء العمل على الموقعين الآخرين، خاصة أوروبا التي تضاعف حجم تجارتها مع إيران في العام الماضي. لذلك إذا كانت أوروبا ترغب في الحفاظ على الاتفاق، عليها الاستعداد بخطط بديلة تنفذها بنفسها بغض النظر عن كيفية عمل واشنطن. يشير الكاتب إلى أنه على الرغم من أن أوروبا لا يمكنها إقناع الجميع في واشنطن، فإنه يمكنها إقناع الكثيرين منهم بالوفاء لالتزامات الولاياتالمتحدة. وكان ترامب قد أوضح أنه لكي تبقى واشنطن في الصفقة، سيحتاج الكونجرس وأوروبا إلى إنهاء أو توسيع ما يعرف ب "بنود الغروب" التي تحدد تواريخ انتهاء القيود المفروضة على الأنشطة النووية الإيرانية في 2025 و2030 والتي بدونها، لم تكن إيران لتوافق على إبرام الاتفاق. كما يطالب ترامب بزيادة عمليات التفتيش ومنح مفتشي الأسلحة النووية الدوليين الوصول غير المقيد دون عوائق إلى المنشآت العسكرية الإيرانية، كذلك يريد إمكانية فرض عقوبات على الأنشطة التي لا تشملها حاليا خطة العمل الشاملة، مثل برنامج الصواريخ البالستية الإيرانية. خاصة أن القيام بذلك، لاسيما من جانب واحد، من شأنه أن ينتهك أساسيات هذه الصفقة. في الأشهر الثلاثة الماضية، ضغطت الدول الأوروبية على إدارة ترامب والكونجرس لإقناعهما بأن عقد صفقة أقوى لا يمكن أن يبنى على أنقاض الصفقة القائمة، التي تمت موازنة بنودها بدقة خلال سنوات من المحادثات المكثفة متعددة الأطراف؛ وأن أفضل سبيل لتعزيز الصفقة هو التنفيذ الصارم لها على كلا الجانبين، والبناء عليها من خلال المحادثات المشتركة. وإذا رفضت واشنطن الاستماع، يمكن لأوروبا – وفقا للكاتب – أن تنتقل بعد ذلك إلى الخطة باء: الحفاظ على جوهر الصفقة بغض النظر عما تختار واشنطن القيام به، تماما كما سعى أعضاء المجتمع الدولي لإنقاذ اتفاق باريس بشأن تغير المناخ، الذي أعلنت الولاياتالمتحدة انسحابها منه، وقامت دول المحيط الهادئ ببناء اتفاق تجاري بديل بعد رفض ترامب شراكة عبر المحيط الهادئ. إن عزم أوروبا على حماية الصفقة ينبع من حسابات سياسية أكثر منها أسباب اقتصادية، ومنها الخوف من أن يؤدي تمزيق الاتفاق إلى زيادة التوترات الإقليمية وإطلاق العنان لقدرات إيران النووية، كما يشكك في موثوقية الاتفاقات المتعددة الأطراف. وكما قال لي مسؤول ألماني مؤخرا، "إن 0.22% فقط من الصادرات الألمانية تذهب إلى إيران، وعلى هذا النحو، من غير العدل أن نشير إلى المصالح التجارية الألمانية كدافع خفي وراء دعمنا لخطة العمل الشاملة". أحد الطرق التي يمكن بها للبلدان الأوروبية أن تتجاوز مجرد الدعم الخطابي ل"خطة العمل الشاملة" هو إحياء "أنظمة الحجب" من أجل تفادي أي عقوبات أمريكية ضد إيران تعتبرها انتهاكا للاتفاق. وكان الاتحاد الأوروبي قد قدم لأول مرة هذا التشريع في عام 1996 لتحرير بلدانه الأعضاء من الاضطرار إلى الامتثال للجزاءات الأمريكية التي تتجاوز الحدود الإقليمية ضد إيران وكوبا. وبالإضافة إلى التهديد بمقاضاة الولاياتالمتحدة في منظمة التجارة العالمية، فإن أنظمة الحجب هذه ردعت واشنطن فعليا عن إنفاذ تلك الجزاءات لأكثر من عقد من الزمان، وبينما لا يزال التشريع على حاله، فقد تلاشى بعد انضمام الاتحاد الأوروبي إلى الولاياتالمتحدة في عام 2006 بفرض عقوبات صارمة ضد إيران. ومن خلال إعادة تطبيق أنظمة الحجب، ستوضح أوروبا لترامب أنها لن تلتزم بقرارات الولاياتالمتحدة غير المبررة بشأن فرض عقوبات ضد إيران من شأنها أن تكبد الشركات الأوروبية غرامات وغيرها من الأضرار لانتهاكها العقوبات الأمريكية. ويوضح الكاتب أن المسؤولين الأوروبيين رفضوا حتى الآن اللجوء إلى هذه الإجراءات التي نادرا ما يتم تنفيذها لأنها يمكن أن تؤدى إلى حرب تجارية عبر الأطلنطي إذا تحرك الجانبان لمعاقبة البنوك والشركات الكبرى. لكن تكلفة غضب واشنطن في هذا السيناريو مقبولة، فيما يرى الكاتب، إذا كان ذلك يعني تجنب وضع يصبح فيه لا خيار إلا اللجوء إلى العمل العسكري ضد إيران. ويمكن لأوروبا أيضا أن تتفاوض على شراكة طويلة الأجل في مجال الطاقة أو اتفاقات استثمار ثنائية مع إيران، مما سيعطي إشارة قوية إلى التزامها طويل الأمد بخطة العمل المشتركة. للتغلب على الاختناقات المصرفية المستمرة الناجمة عن المخاوف من عودة العقوبات الأمريكية وثقل المعايير المصرفية الإيرانية المتقادمة، يمكن إنشاء هيئة أوروبية عامة، مثل البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير، تساعد الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم لضمان عدم الاستهداف من قبل العقوبات. وهذا سيكون أقرب إلى الدور الذي لعبه البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير في أوروبا الشرقية بعد حل الاتحاد السوفييتي. في أوائل التسعينات، ساعد البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير بلدان الكتلة الشرقية السابقة على تطوير قطاعاتها الخاصة من خلال إصلاحات النظام المصرفي وإنشاء أطر قانونية مناسبة، وعلى الرغم من أن هذه التدابير سترسل إشارات قوية حول جدية أوروبا في احترام خطة العمل الشاملة، فإن الأثر الاقتصادي لهذه التحركات أقل وضوحا، وبعد كل شيء، هل البنوك الأوروبية والشركات، عندما تواجه خيارا واضحا بين السوق الأمريكية التي يبلغ حجمها 19 تريليون دولار مقابل 400 مليار دولار في السوق الإيراني، هل ستأخذ مخاطرة التعامل مع هذا الأخير؟ وفقا لدراسة استقصائية أجرتها "مجموعة الأزمات الدولية" شملت أكثر من 60 من كبار المديرين في الشركات المتعددة الجنسيات التي تسعى بنشاط إلى استغلال الفرص في إيران، فإن الأغلبية منها (83%) لا تزال تشعر بالقلق إزاء احتمال قيام الولاياتالمتحدة بفرض عقوبات أحادية الجانب، بينما أخرت 79% منها خطط الدخول إلى السوق الإيرانية منذ بدء تنفيذ خطة العمل الشاملة في عام 2016. ومن المثير للاهتمام أن غالبية المستطلعين (64%) يعتقدون أن الاتفاق النووي إما "بشدة" أو "من المحتمل إلى حد ما" سيبقى مستمرا حتى لو انسحبت الولاياتالمتحدة منه. وأشار نحو 58% من كبار المسؤولين التنفيذيين إلى أنه "على افتراض أن إيران ستبقى ملتزمة بالاتفاق النووي، فإن إعادة تنشيط أوروبا للوائح الحظر ستؤثر بشكل إيجابي على قرار الاستثمار في إيران". من المهم أيضا الإشارة إلى أن العديد من الشركات الممثلة في الاستطلاع أجرت أعمالا في إيران في مواجهة العقوبات السابقة و33% منها لم توقف تجارتها مع إيران في الفترة ما بين 2006 و2015 عندما كانت العقوبات متعددة الأطراف في ذروتها، واستخدم المديرون التنفيذيون مجموعة من عمليات التخليص والتراخيص والاستراتيجيات لحماية روابطهم مع الشركات الإيرانية في ظل هذه الظروف. ما يعنيه ذلك، هو أنه مع دعم قوي من حكوماتهم، فإن بعض الشركات، على الأقل، على استعداد لضمان قدر من المشاركة الاقتصادية مع إيران حتى لو تراجعت إدارة ترامب عن الاتفاق النووي، وهنا يجب على أوروبا أن تبني على هذه الإمكانية إذا أرادت المحافظة على خطة العمل المشتركة، بغض النظر عن خيارات واشنطن، وذلك من خلال إثباتها لإيران أن هناك طريقا للمضي قدما، مع أو بدون الولاياتالمتحدة. المقال من المصدر: اضغط هنا