أجواء إيجابية وبوادر انفراجة قريبة تلوح في أفق شبة الجزيرة الكورية؛ بعد جلوس الجارتين الشمالية والجنوبية على طاولة مفاوضات واحدة لإجراء محادثات ثنائية غابت عن المشهد السياسي لأكثر من عامين، لكن يبدو أن الأمر لا يرضي أطماع الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي لم تترك فرصة لتأجيج حدة التوتر بين الجارتين إلا وانتهزتها، فدخولهما في مفاوضات سياسية هادئة وناجحة إلى حد كبير حتى الآن، يثير حفيظة واشنطن التي لا تريد إنهاء النزاع في شبة الجزيرة الكورية بهدف تحقيق أطماعها التوسعية في شرق آسيا. تصعيد أمريكي تصاعدت لهجة التصعيد الأمريكية في مواجهة كوريا الشمالية بشكل لافت خلال الأيام القليلة الماضية، حيث بات التهديد بشن "حرب جدية" متداول على ألسنة المسؤولين والقيادات الأمريكية بشكل مثير للقلق، من خلال تصريحات وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تليرسون، الذي كان يميل غالبًا إلى التهدئة بشأن الأزمة الكورية أو على الأقل كان يتمسك بالحديث عن حل سياسي دبلوماسي ولا يتبنى لهجة مرتفعة وتهديدات استفزازية، على عكس رئيس دولته، دونالد ترامب، لكن يبدو أن الأول أيضًا، دخل ملعب التصعيد خلال الفترة الأخيرة؛ فقال، أمس الأربعاء، إن كوريا الشمالية تدفع في اتجاه الحرب إن لم تجنح إلى المفاوضات. وأضاف رئيس الدبلوماسية الأمريكية: "علينا جميعًا أن ننظر إلى الوضع الراهن بشكل واضح وجلي، كوريا الشمالية تواصل إحراز تقدم كبير في الأسلحة النووية، في القوة المميتة لهذا السلاح، كما ظهر ذلك في التجربة النووية الحرارية الأخيرة، والتقدم المتواصل للصواريخ الباليستية، يجب أن نقر بأن هذا التهديد يزداد، وإذا لم يختر الكوريون الشماليون طريق التواصل والمناقشات والمفاوضات، فهم بأنفسهم يستفزون الخيار العسكري". في الإطار ذاته، أكد رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأمريكي، ماك ثورنبيري، أن جيش بلاده يستعد "بجدية كبيرة" لحرب محتملة مع كوريا الشمالية، مضيفا: "التدريبات جدية للغاية، ثمة تمارين يقوم بها العسكريون وآمل بألا تكون ضرورية". محاولات حشد دولية يبدو أن الأزمة الكورية ستكون شغل الولاياتالمتحدةالأمريكية الشاغل خلال الفترة المقبلة، للتغطية على الفشل والانتكاسات التي منيت بها في منطقة الشرق الأوسط، حيث استضافت مدينة فانكوفر الكندية، الثلاثاء الماضي، اجتماعا دوليا على مستوى وزراء الخارجية؛ لمناقشة أزمة كوريا الشمالية، بطلب من الولاياتالمتحدة، بحضور 20 دولة، شاركت في الحرب بين الكوريتين بين 1950 – 1953، هي أستراليا وبريطانيا وفرنسا والهند واليابان والفلبين وإيطاليا وهولندا والنرويج واليونان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية والدنمارك وتركيا وبلجيكا وكولومبيا والسويد وتايلاند، إضافة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية وكندا، فيما امتنعت الصين عن الحضور، قائلة: "الاجتماع لن يسهم في تهدئة التوترات في شبه الجزيرة الكورية، نظرًا لعدم مشاركة كل الأطراف الرئيسية فيه". وتمخض عن الاجتماع، تعهد 17 دولة، باعتراض كل السفن والشحنات التي تنتهك العقوبات ضد كوريا الشمالية، وقالت في بيان مشترك، إنها "تؤكد سعيها للتمسك بالالتزامات التي تحملتها"، متعهدة بتفتيش السفن المشبوهة في عرض البحر بعد الحصول على إجازة من الدولة التي تبحر تحت علمها، وأضاف: الدول الموقعة على هذه الوثيقة ستقوم بذلك حال اشتباهها بأي سفن قد تخرق العقوبات ضد كوريا الشمالية، مؤكدة أن الجهة المعترضة بإمكانها سحب السفينة المشبوهة إلى موانئها إذا لزم الأمر، وأوضح البيان، أن الدول الموقعة تتعهد بمطالبة رعاياها والسفن التي تبحر حاملة أعلامها بالخضوع للتفتيش دون معارضة، مبينة أنها ستتلف كل الشحنات التي تنتهك العقوبات، وستمنع شحنات التصدير والاستيراد البحرية من وإلى كوريا الشمالية. تفاهم نسبي بين الجارتين في ظل استمرار سياسات الولاياتالمتحدة العدائية تجاه كوريا الشمالية، وفي الوقت الذي تبحث فيه واشنطن عن طريقة لتصعيد الخلافات والنزاعات في شبة الجزيرة الكورية، تسود أجواء من الهدوء والتفاهم النسبي بين الجارتين الكوريتين الشمالية والجنوبية، بعدما بدأت محادثات بين الطرفين، تعد الأولى منذ أكثر من عامين، في التاسع من الشهر الجاري، حيث اتفق الجانبان خلال اجتماعهما الأول الذي عُقد في منطقة "بانمونجوم" الحدودية، على مشاركة كوريا الشمالية في دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية، المقرر انطلاقها الشهر المقبل في بيونج تشانج بكوريا الجنوبية، وسادت المفاوضات أجواء من الإيجابية والودية، دفعت إلى عقد جولة جديدة من المحادثات في 15 يناير الجاري. واتفق الطرفان خلال الجولة الجديدة من المفاوضات على إرسال كوريا الشمالية فرقة موسيقية تضم 140 عازفًا إلى جارتها الجنوبية أثناء الألعاب الأوليمبية الشتوية، وأعلنت وزارة الوحدة الكورية الجنوبية، أن فرقة "سامجيون" ستقيم حفلاتها في سيئول، وكذلك في جانجننج التي ستستضيف مسابقات هوكي الجليد أثناء الأوليمبياد المزمع انطلاقها في الفترة من 9-25 فبراير المقبل، وأشار الجانبان إلى أن الحفلات المقبلة، تعد الأولى من نوعها منذ عام 2002، وستسهم في تحسين العلاقات بين الكوريتين، وبعث لوحدتهما الثقافية من جديد، وتُعد حدثًا مهمًا للغاية يبشر لرمزيته بفتح صفحة جديدة من العلاقات بين البلدين، والتخفيف بشكل كبير من حالة التوتر في شبه الجزيرة الكورية. نوايا أمريكية خبيثة طالما تغنت الولاياتالمتحدةالأمريكية بأنها "تريد محادثات سياسية سلمية مع كوريا الشمالية، لكن الأخيرة لا تريد الجلوس على طاولة المفاوضات، وتريد تأجيج التوترات وتهديد أمن دول العالم"، واليوم الادعاءات الأمريكية أثبتت بالدليل القاطع عدم صحتها، فالتفاؤل والأجواء الإيجابية التي تسيطر على المفاوضات بين الجارتين وتزامنها مع تصعيد الخطاب العدائي الأمريكي، يثبتان أن الإدارة الأمريكية لم تجنح يومًا للسلم أو المحادثات السياسية، بل تتوسل حربًا نووية في شبه الجزيرة الكورية بهدف حرمان كوريا الشمالية من قوة الردع النووي الذي تمتلكه دفاعًا عن نفسها في مواجهة محاولات الهيمنة الأمريكية، فواشنطن ترتعد خوفًا من نجاح المفاوضات بين بيونج يانج وسيئول، الأمر الذي سيحطم نفوذها في شبة الجزيرة الكورية، بل في شرق آسيا بشكل عام.