"العائدون من داعش خطر يهدد أمن البلاد".. تحذير أطلقه العديد من خبراء مكافحة الإرهاب، بعد الهزائم التي تلقاها تنظيم داعش خلال الأعوام الأخيرة في سورياوالعراق، لكن اليوم يجدد نبيل نعيم، القيادي السابق بتنظيم الجهاد، تحذيره من تلك العناصر وخطورتها على أمن البلاد، مؤكدًا أن هناك العديد من العناصر الإرهابية التي تسللت إلى مصر، عبر الحدود المصرية الليبية، حاملة معها معدات عسكرية متطورة، وتمتلك عناصر على مستوى عالٍ من التدريب، وهو ما يفرض على الأمن إعادة التفكير في أساليب المواجهة، والإعداد لحرب عسكرية شاملة تقطع دابر الإرهاب. وأكد "نعيم": لسنا أمام تنظيمات إرهابية بصورتها القديمة النمطية، بل أمام كيانات وجيوش من العناصر المتطرفة، التي دعمتها دول غربية وعربية مجاورة، ومولتها بأسلحة متطورة وعناصر مدربة، وهو ما يفرض على القيادة المصرية وضع استراتيجية جديدة تواكب هذا التطور، وتكون بمثابة الحرب الحقيقية على الإرهاب. وفي دراسة للباحث محمد جمعة، نشرها مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، تحت عنوان: "عودة المقاتلين الأجانب من سورياوالعراق.. حجم الظاهرة والتداعيات الأمنية"، جاءت أبرز المخاوف متمثلة في محاولات "تنظيمات إرهابية" خارجية تكوين جماعات محلية موالية لها من أولئك العائدين، أو أن يكون أولئك العائدون بمثابة "جسور" بين تنظيمات الخارج وجماعات الداخل، وهو ما يرى الباحث أنه تحقق جزئيًّا. وأشار "جمعة" في دراسته إلى أنه خلال العامين الماضيين أثبتت تحقيقات جهاز الأمن الوطني في مصر أن تنظيم "داعش ليبيا" لعب دورًا رئيسيًّا "من خلال استخدام بعض العائدين" في محاولات زرع خلايا إرهابية داخل مصر، لا سيما في مناطق الصحراء الغربية، والقاهرة الكبرى "خاصة داخل محافظة الجيزة"، ومناطق الصعيد؛ مستشهدًا بتلك الخلية الإرهابية التي جاءت عبر الحدود الغربية، وحاولت إقامة معسكر لها في "جبل ديروط" بالقرب من أسيوط، في سبتمبر 2015، حيث طاردتها على الفور وحدات من القوات الخاصة المدعومة جوًّا، وتم تصفية عشرة عناصر، وإلقاء القبض على عنصر آخر. وفي السياق ذاته أفادت الدراسة، وفق المعطيات المتوفرة، أن بعض "الإرهابيين" حتى من جنسيات أخرى، يعودون إلى مصر بأوامر من مصريين تقلّدوا مناصب قيادية في تنظيم القاعدة أو في داعش، ويرغبون في المساهمة فيما يعتبرونه "جهادًا واعدًا". واستشهد الباحث على ذلك بالنداء الذي أطلقه أيمن الظواهري في 24 يناير 2014 الذي قال فيه نصًّا: "إلى إخوتنا المجاهدين في سيناء، نرجو منكم توفير ملاذ آمن لإخوتكم المهاجرين الذين جاءوا لدعمكم". وجاء في الدراسة: "ربما يساهم العائدون في تشكيل "قاعدة" أكبر وشبكات تدريب متطورة عبر أنحاء العالم العربي. وإذا ما حدث هذا، ربما يتمكن المزيد من عناصر هذه البلدان من تلقي تدريبات قبل المضي إلى مناطق الصراع، الأمر الذي يزيد من قيمتهم ووزنهم النسبي في عيون جماعات مثل داعش. على سبيل المثال دربت "الجماعة السلفية للدعوة والجهاد" الجزائرية مقاتلين من منطقة المغرب العربي قبل إرسالهم إلى العراق في عام 2007، لتزيد من فعاليتهم وكفاءتهم القتالية هناك. ويمكن أن تُستخدم هذه الشبكة في صراعات جديدة أيضًا، ليظهر جيل جديد من المقاتلين". وأشارت الدراسة الى أن كلاًّ من تنظيمي القاعدة وداعش يرفض فكرة الحدود في العالم الإسلامي، وتحذو حذوهما الجماعات المحلية التي تحاكيهما. على سبيل المثال غيرت حركة الشباب "الصومالية" خطابها كي يعكس خطاب القاعدة، وتجنبت توظيف الخطاب الوطني، وذلك بعد عودة مقاتليها من العراق. وربما يؤدي هذا إلى فتح جبهات جديدة للصراع، ولكنه سيحد من قدرة الجماعات المحلية على جذب المزيد من الأنصار أو مواجهة الحكومات بشكل فعال. ويرى سامح عيد، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أن ما تشهده مصر من عمليات إرهابية يشير الى خطورة العائدين من داعش في سورياوالعراق، موضحًا أن العمليات الأخيرة، والتي كان أخطرها وأكثرها جرمًا الهجوم على مسجد الروضة بالعريش، يشير إلى أن العناصر الإرهابية مدربة تدريبًا جيدًا، ولديها الأموال الكافية والأسلحة والمعدات لتنفيذ عمليات من هذا النوع في مصر. وحذر سامح عيد قوات الأمن من خطورة هذه الجماعات بعد انحسارها وتراجعها في سورياوالعراق، مؤكدًا أن الهزائم التي تعرض لها التنظيم في الدول المجاورة أدت إلى فرار هذه العناصر وتسلل بعضها إلى مصر، موضحًا أن مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو على رأس الأهداف المهمة لجماعات الإرهاب والتطرف، وأن العناصر الإرهابية أصبحت على قدر عالٍ من التدريب، ولديها الكثير من الأموال والأسلحة المتطورة، وعلى قوات الأمن الاستعداد الجيد لها. "مصر لن تعاقب المقاتلين العائدين من سوريا".. قالها خالد القزاز، أحد كبار مساعدي الرئيس المعزول محمد مرسى، في يونيو 2013، وكانت هذه الجملة بمثابة الإذن للعديد من شباب الجماعة المحمل بالأفكار المتطرفة، ومنذ ذلك الوقت أصبحت المخاوف من انخراط العائدين من سورياوالعراق وليبيا في أعمال العنف والإرهاب داخل أوطانهم بعد العودة، حقيقة تشهدها بعض الأقطار العربية، مثل السعودية، وتونس، ومصر. شاركت هذه العناصر بالفعل في هجمات عدة، كان المثال الأبرز عليها ذلك الفيديو الذى بثه تنظيم "أنصار بيت المقدس" في أكتوبر 2013، والذي أعلن فيه التنظيم وقوفه وراء محاولة اغتيال وزير الداخلية السابق اللواء محمد إبراهيم، في سبتمبر2013. وبالعودة إلى دراسة الباحث محمد جمعة، نراه يؤكد ضرورة النظر إلى عدة أمور عند تقدير خطر العائدين من القتال في سورياوالعراق، أولها: ضرورة تحديد الوجهات الأساسية المحتملة لهؤلاء المقاتلين إذا ما توجب عليهم مغادرة العراقوسوريا. موضحًا أن بعض أولئك الذين يقاتلون اليوم سيعودون إلى أوطانهم إذا ما نضب الصراع، ولكن كثيرين ربما يهاجرون إلى ساحات معارك أخرى، سواء في العالم العربي أو الإسلامي. وربما يذهب آخرون إلى مواقع أخرى؛ لأن حكومات أوطانهم شددت في إجراءات إعادة الدخول. وربما تساعد مثل هذه الإجراءات بلدًا ما على تقليل خطر العائدين، ولكنها ستنقل العبء إلى مواقع أخرى. وهنا تكون سهولة الدخول لبلد ما عاملًا حاسمًا في تحديد الوجهات المحتملة للمقاتلين العائدين. وطالب الباحث بالتركيز على رصد حركة التدفقات المالية من سورياوالعراق، وعمليات إرسال قوافل من الدواعش العراقيين والسوريين، وحركة هجرة المقاتلين الأجانب، باعتبار ذلك من الإشارات الأوضح على مناطق النطاق الإرهابي لمرحلة ما بعد داعش. وأكد "جمعة" في دراسته أنه خلال الأشهر القادمة سيتراجع بعض توابع داعش، وتستوعبها توابع أخرى في عملية طبيعية؛ بهدف التعزيز أو إعادة التشكيل والتموضع، والمثال على ذلك ما تشير إليه تقارير صدرت في يونيو 2016 بأن بعض أعضاء "ولاية سيناء" ربما يتمركزون الآن بالفعل في ليبيا. وتوقع "جمعة" أن تزيد داعش من تمرير تمويلاتها إلى مواقع أخرى، ولهذا ينبغي أن يراقب المحللون تزايد عمليات غسيل الأموال عبر السوق السوداء في تركيا، وربما تمرير تمويلات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تعزز شبكة أنصار داعش على مستوى العالم. وأشارت الدراسة إلى أن الاستخدام الكثيف لوسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر من قبل المقاتلين الأجانب اليوم هو نقطة ضعف، تسمح للأجهزة الأمنية والاستخباراتية بجمع معلومات عن شبكات أوسع، وتحديد معلومات أدق حول تحركات وأنشطة المقاتلين.