أصدرت المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغسلافيا السابقة بلاهاي، حكما على الجنرال الصربي، راتكو ملاديتش، بالسجن مدى الحياة بعد إدانته بارتكاب الإبادة الجماعية إبان حرب البوسنة قبل 22 عامًا. واجه ملاديتش المعروف باسم "جزار البوسنة"، 11 تهمة؛ من بينها ارتكاب الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية في المحكمة الدولية التابعة للأمم المتحدة، وأدين بارتكاب مجزرة "سربرنيتشا"، التي قتل خلالها 8 آلاف من مسلمي البوسنة عام 1995، وحصار عاصمة البوسنة والهرسك "سراييفو" الذي أدى إلى مقتل أكثر من 10 آلاف شخص. ابن داركو ملاديتش قال إن محكمة لاهاي متحيزة في قرارها، وحاولت تجاهل الحرب العالمية الثانية، التي عاش فيها الصرب خمس سنوات من "التطهير العرقي"، المواقف الداعمة لجزار البلقان لا تقتصر على ابنه؛ فرئيس صربيا الحالي، ألكسندر فوتشيتش، قاد عام 2007، حملة لإطلاق اسم "راتكو ملادتش"، على شارع رئيسي في بلجراد، عاصمة صربيا، وفي 11 يوليو 2015، زار مقبرة ضحايا مذبحة سربرنيتسا، فرماه أهالي الضحايا بالأحذية ثم الطوب، ما اضطره للمغادرة راكضاً، وفي 20 يوليو 1995، ألقى الرئيس الصربي خطابا أمام البرلمان الصربي، قال فيه: "لو قتلتم صربيا واحدا، فسنقتل 100 بوشناقي مسلم". وحارب راتكو ملاديتش لتقطيع أوصال البوسنة، فلا يرى لها شرعية في الوجود، وكان القائد العسكري لقوات صرب البوسنة التي كانت تقاتل القوات الكرواتية والبوسنة، وبدأت محاكمته عام 2012، وخلصت المحكمة إلى أنه ساهم بصورة رئيسية في الإبادة الجماعية في سربرنيتسا عام 1995، حيث قتل الآلاف من مسلمي البوسنة من الرجال وأطفال، فيما عرف بأسوأ أعمال وحشية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. ومن الجرائم التي اتهمت القوات التي قادها ملاديتش بارتكابها، الاغتصاب الجماعي للنساء والفتيات البوسنيات، احتجاز السجناء البوسنيين في ظروف مروعة كالتجويع والعطش والمرض والضرب، وترويع المدنيين في سراييفو، عاصمة البوسنة، خلال قصفهم وقنصهم، الترحيل القسري للبوسنيين بالقوة، وتدمير منازل البوسنيين ومساجدهم. وفي نهاية الحرب عام 1995، اختفى ملاديتش وعاش متخفيا في صربيا، تحت حماية أسرته وعدد من عناصر قوات الأمن، وأدين الجنرال الصربي بارتكاب جرائم إبادة جماعية وأخرى ضد الإنسانية، لكنه ظل هاربا من العدالة لمدة 16 عاما، واعتقل ملاديتش بمنطقة ريفية شمالي صربيا عام 2011. ويبدو أن جذور الماضي مازالت مستمرة في الحاضر، فالبوسنة والهرسك ذات أغلبية مسلمة، والتي أعلنت استقلالها عن يوغسلافيا السابقة في أبريل 1992، عاش سكانها بعد ذلك حرب إبادة استمرت ثلاث سنوات، كمجزرة سربرنيتشا التي ارتكبها ملاديتش، رغم أن سربرنيتشا كانت تحت حماية الأممالمتحدة "القوات الهولندية"، قبل أن تسقط في 11 يوليو 1995 في أيدي قوات صرب البوسنة ويقتل فيها الآلاف في بضعة أيام، ووضعت حرب البوسنة أوزارها بالتوصل لاتفاق سلام أبرم في قاعدة جوية أمريكية في دايتون بأوهايو عام 1995 في أعقاب ضربات جوية نفذها حلف شمال الأطلسي أجبرت صرب البوسنة على الجلوس إلى مائدة التفاوض. في الوقت الحاضر، تطلب صربيا بشراء أربع بلدات بوسنية فشلت مذابح 1993 في إخلائهن من المسلمين، ويرى نايل الشافعي، المحاضر في معهد ماساتشوستس الأمريكي، أن مطالب الرئيس الصربي الحالي تعد مواصلة للتطهير العرقي بوسيلة أخرى. وتعتبر البوسنة موطنا لثلاث "عرقيات أساسية"، البوشناق أكبر المجموعات العرقية الثلاث، يليها الصرب ثم الكروات، بصرف النظر عن العرقية، فإن مواطني الجمهورية يسمون باسم البوسنيين، والفارق ما بين البوسنيين والهرسكيين جغرافي وليس فارقا عرقيا، كما أن البلد ليس له مركزية سياسية، يضم كيانين يحكمانه هما اتحاد البوسنة والهرسك والجمهورية الصربية، بالإضافة إلى مقاطعة بريتشكو بوصفها كيان ثالث. وفي ردود الأفعال على حكم ميلاديتش، قالت منظمة "أمهات سربرنيتسا"، إنهن راضيات جزئيا، بينما قال بعض أقارب الضحايا إن ملاديتش كان يستحق حكما أشد. وبحسب بعض الخبراء فإن المحاكمات التي تجريها المحكمة الدولية التي تسعى إلى محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء، ربما تكون محاكمات ناقصة ولا ترتقي إلى حجم الجرائم الكبيرة التي نفذت، يضاف إلى ذلك أنها تجاهلت الكثير من الجرائم التي نفذتها بعض الدول الكبرى خلال حروبها السابقة والحالية.