في مثل اليوم، وبالتحديد يوم 23 سبتمبر 1856م، تم إنشاء أول خط سكة حديد بمصر، في عهد عباس الأول حفيد محمد علي، بناء على عقد موقع بينه وبين المهندس روبرت استيفنس ابن مخترع القاطرة البخارية في 12 يوليو عام 1851، وكان الخط يصل بين القاهرةوالإسكندرية. أنشئ خط السكة الحديد بعد إلحاح الحكومة الإنجليزية على الباب العالي العثماني؛ لتسهيل وتسريع نقل البريد والمسافرين بين أوروبا والهند، وبالفعل جاء ستفنسن إلى مصر، وأشرف على جلب كل المعدات اللازمة للمشروع، وبدأ العمل فيه سنة 1852 م، وأتمه سنة 1856م. وبهذا تكون مصر ثاني دولة في العالم في إنشاء السكك الحديدية. ولكن مع مرور الوقت، تحولت السكة الحديد المصرية إلى واحدة من أسوأ السكك الحديد في العالم، وفقًا لعدد من الإحصائيات الرسمية. وحاولت الحكومات المصرية المتعاقبة البحث عن حل لتطوير هذه المنظومة، واقترح البعض العودة إلى أسلوب الحزب الوطني المنحل في التعامل مع الأزمات الاقتصادية بالخصخصة، وبالفعل مع تكرار الحوادث خلال الفترة الماضية والتي كان آخرها اصطدام قطار الإسكندرية والذي خلف نحو 50 ضحية وإصابة نحو 150 آخرين، مطلع الشهر الماضي، عاد هذا المقترح إلى الساحة، وخرجت بعض التسريبات تفيد بأن الحكومة عازمة على خصخصة السكة الحديد؛ لوقف نزيف الدم، بحجة أنه لا توجد موارد مالية كافية لتطويرها في ظل الأزمة الاقتصادية التي تر بها البلاد. وكالعادة كانت دولة الإمارات هي الجهة الأولى التي التفتت إليها الأنظار، وساعد على انتشار تلك الأنباء ما صرح به وزير النقل الدكتور هشام عرفات بأن" دخول القطاع الخاص بمنظومة سكك حديد مصر أصبح ضرورة مهمة، مثلما تعمل جميع دول العالم"، وذلك بمباركة ائتلاف دعم مصر صاحب الأغلبية البرلمانية بمجلس النواب والذي أعلن عدد من نوابه تأييدهم لمقترح الحكومة بالخصخصة، وبالفعل حدث اجتماع بين الجانبين، وعرض المقترح، وتمت الموافقة عليه بشكل مبدئي. ولكن مع تزايد حالات الرفض لهذا المقترح، سرعان ما تراجعت الحكومة عن موقفها الداعي لخصخصة السكة الحديد، أكدت أنه لا نية "حاليًّا" للخصخصة، وأعلنت عن إعداد مشروع قانون جديد ينهي لأول مرة احتكار الحكومة، ويسمح للقطاع الخاص بالدخول والمشاركة في مشروعات وخدمات السكك الحديدية، وسيتم عرضه على مجلس الوزراء قريبًا. في نفس السياق قال النائب محمد بدوي عضو جنة النقل بالبرلمان إن السكة الحديد المصرية وصلت إلى أسوأ مراحلها منذ تأسيسها، مشيرًا إلى أن مصر كانت إحدى الدول الأوائل التي كانت تمتلك سكة حديد، ولكن بسبب الروتين والفساد تهالكت هذه الشبكة، وأصبحت في حالة يرثى لها، كما وصلت خسائرها لأكثر من 40 مليار جنيه، ولم يقدم مسؤول واحد برنامجًا حقيقيًّا لوقف نزيف إهدار المال العام، وتحول الأمر إلى باب خلفي للفساد واستنزاف موارد الدولة. وأضاف بدوي في تصريحات خاصة ل"البديل" أنه رافض لمبدأ الخصخصة بكافة أشكاله، حيث إنه لا يمكن أن يكون مرفق هام كالسكة الحديد في يد شركة خاصة أو مملوك جزء منها لشخص، مشيرًا إلى أن هناك حلولاً قادرة على توفير أموال لتطوير هذه المنظومة، فالسكة الحديد تستطيع أن تكون أحد مصادر الدخل للدولة المصرية إذا كانت هناك إدارة جيدة وإرادة سياسية للحكومة لهيكلة هذا القطاع. في نفس السياق قال عماد نبيل الخبير في مجال الطرق إن ما وصل إليه حال شبكات الطرق في مصر بشكل عام والسكة الحديد بشكل خاص هو نتاج عقود من التجاهل والتهميش والمشاكل الموجودة في القطاع العام والاعتماد على الحلول المؤقتة والمسكنات، مؤكدًا أنه لم يتم اعتماد أي تطوير حقيقي منذ سنوات طويلة؛ مما أدى إلى ما وصلنا إليه حاليًّا. وأضاف نبيل أننا بحاجة إلى هيكلة منظومة السكة الحديد في مصر وتطوير وتحديث القطارات، كذلك اعتماد وسائل حديثة في تشغيل جرارات القطارات وعمل صيانة لقضبان السكة على مستوي الجمهورية، على أن يكون ذلك تحت إدارة جديدة تقدر حجم المسؤولية الموجودة في هذا القطاع، كذلك تدريب وتأهيل السائقين والفنين على الأنظمة الجديدة في هذا الفطاع. في السياق ذاته قال اللواء يسري الروبي الباحث في مجال المرور والإنقاذ إن السكة الحديد المصرية ثاني أقدم سكة حديد في العالم، وبسبب البيروقراطية المصرية وغياب الإرادة السياسية لتطوير المنظومة وصلت لما هي عليه الآن، مشيرًا إلى أن هناك طرقًا وأساليب علمية إذا كانت هناك جهات تريد فعلاً تحسين هذه المنظومة، وهي تدريب وتأهيل العنصر البشري، والاعتماد على الجانب التقني واستخدام معدات حديثة، بجانب وضع خطة معتمدة على وسائل علمية في مجال النقل، وفي النهاية يكون هناك تطبيق لهذه الخطط. وأضاف الروبي في تصريحات خاصة ل"البديل" أن هناك 7 خطوات تم اعتمادها عالميًّا في مجال النقل وحل مشاكلها، وهي التعليم والتدريب للعاملين في هذه المنظومة، والاعتماد على علم الهندسة، ووضع قوانين ولوائح لتطوير المنظومة، وتوفير البيئة السليمة لتطبيق هذه الخطوات، وتوفير التمويل، وتساوي العاملين أمام اللوائح والقوانين دون تفرقة، وأخيرًا الاستعانة بالتكنولوجيا الحديثة.