لم يعد سرًّا ولا مبالغًا فيه القول بأن الازدواجية الأمريكية باتت تتحكم في كافة سياسات البيت الأبيض بشكل مطلق، فتعامل الولاياتالمتحدةالأمريكية مع أزمات العالم بات يتسم بشكل أساسي بالاضطراب والازدواجية، وقد ظهر ذلك مرارًا في الأزمة السورية والملف النووي الإيراني ومسألة النووي الكوري الشمالي، حتى ظهر مؤخرًا أيضًا في مستقبل العلاقات الأمريكية الكوبية. انتهز الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وقوفه على منبر الأممالمتحدة في نيويورك أمس الثلاثاء، ليطلق سلسلة من التهديدات والتعهدات الفارغة من مضمونها التي أظهرت مدى إفلاس هذا الرجل سياسيًّا، ففي الوقت الذي هدد فيه الرئيس الأمريكي كوريا الشمالية وإيران وفنزويلا وغيرها من الدول، لم يغفل تهديد كوبا أيضًا، حيث انتقد "ترامب" النظام السياسي في كوبا بطريقة لاذعة، واصفًا إياها ب"الدولة الفاسدة والمزعزعة للاستقرار"، مؤكدًا أن بلاده لن ترفع الحظر التجاري الأمريكي عن كوبا إلا بعد أن تجري إصلاحات أساسية وجذرية. الجدير بالذكر، والمثير للتساؤلات في الوقت نفسه، أن تصريحات الرئيس الأمريكي جاءت في نفس اليوم الذي عقد فيه وفدان أحدهما من كوبا والآخر من أمريكا، لقاء ومباحثات في واشنطن؛ من أجل مناقشة العلاقات الثنائية بين البلدين وسبل إصلاح التوترات بينهما، وهو اللقاء الذي تم وفقًا لمصادر غربية على مستوى رفيع بين البلدين، ليكون الأول من نوعه منذ تولي ترامب للسلطة في يناير الماضي، الأمر الذي دفع العديد من المراقبين للتساؤل حول ازدواجية تعامل الإدارة الأمريكية مع كوبا، فهل تريد واشنطن بالفعل تصفية الحسابات مع هافانا وفتح صفحة جديدة بعد سلسلة من التوترات، أم أنها تريد أن تقطع العلاقات معها من جديد، وتعود إلى نقطة الصفر التي كانت عليها قبل عام 2015؟ من جانبها ردت هافانا سريعًا على تصريحات الرئيس الأمريكي الحادة، ووصفتها بأنها "مهينة وغير مقبولة وتدخل في شؤونها"، حيث جاء في بيان من وزارة الخارجية الكوبية، أمس الثلاثاء، أن كوبا وجهت احتجاجًا قويًّا إلى تصريحات ترامب وإلى سياسته الجديدة ضدها، وأضاف البيان "على ضوء التصريحات المهينة وغير المقبولة والتي تعد تدخلًا في شؤوننا التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإن الوفد الكوبي يعبر عن اعتراضه الشديد". هذه لم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها ترامب معاداته للنظام الكوبي، حيث سبق أن أعلن في يونيو الماضي تراجعه عن التقارب الأمريكي-الكوبي الذي أحدثه الرئيس الديمقراطي السابق باراك أوباما، حتى إن البعض اعتبره خطوة جديدة على طريق إزالة الرئيس الأمريكي لإرث سلفه السياسي، حيث أحدث أوباما في يونيو عام 2015 نقلة نوعية في العلاقات الأمريكية الكوبية، عندما أعلن فتح صفحة جديدة بين البلدين وإعادة فتح سفارة كل من الطرفين. منذ تنصيب الرئيس "ترامب" في يناير الماضي، أظهر معارضته لسياسات سلفه باراك أوباما فيما يخص العلاقات مع كوبا، حيث اعتبر أن تطبيع العلاقات تدريجيًّا مع هافانا أمر خاطئ، وأقدم ترامب على إلغاء عدد من الصفقات بين الجانبين والتخلي عن وعود الإدارة السابقة، كما أكد البيت الأبيض في وقت سابق الإبقاء على الحظر الاقتصادي المفروض على كوبا منذ 50 عامًا، وفي أغسطس الماضي وصلت العلاقات بين الطرفين إلى أسوأ مستوياتها، وذلك بعدما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن أن ممثلين لها في هافانا عانوا من أعراض جسدية نتجت عما يمكن وصفه فقط بأنه "حوادث صوتية" لم تحدد طبيعتها، الأمر الذي نتج عنه طرد أمريكا بعض دبلوماسيي كوبا من سفارتها. قبل أيام من تصريحات ترامب على منبر الأممالمتحدة، لوح وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تليرسون، باحتمال إغلاق السفارة الأمريكية في هافانا بعد الحوادث التي تعرض لها الأمريكيون هناك، قائلًا: الأمر لا يزال قيد الدراسة، وهو موضوع جدي بعد ما عاناه بعض الأشخاص، لقد أعيد بعضهم إلى الولاياتالمتحدة.