تشكلت العديد من مراكز القوى في ليبيا بعد سقوط معمر القذافي وانهيار الدولة، وليس لأي منها شرعية وطنية، لكنها تسعى فقط وراء المصالح الشخصية على حساب الدولة وتفتيت الأرض، فازدادت النزعة الانفصالية عند بعض القبائل والقادة السياسيين. تحاول الأممالمتحدة تحقيق الاستقرار في البلاد، ففي ديسمبر 2015، توسطت في اتفاق سياسي أسفر عن إنشاء المجلس الرئاسي، ومن ثم تشكيل حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، كما أكد الاتفاق على شرعية مجلس النواب في طبرق شرق ليبيا بدعم من الجنرال، خليفة حفتر، قائد الجيش الوطني الليبي. رغم جهود الأممالمتحدة، أسفر الصراع بين القبائل والجماعات الإسلامية والعلمانية عن حرب أهلية أخرى ناجمة عن الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، بما فيها مصالح الأطراف الأجنبية، خاصة أن مشاركة حلف شمال الأطلسي في انتهاك قرار مجلس الأمن رقم 1973، جعل من ليبيا مكانا مثاليا للجماعات الإرهابية والمتطرفة، ومركزا للاتجار بالبشر. بحكم الأمر الواقع، تقسمت ليبيا إلى محورين، هما الشرق والغرب، حيث تخضع المناطق الشرقية لسيطرة الجيش الوطني الليبي، أما الغرب في يد الجماعات التي تدعي دعمها لحكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، وتقاتل المليشيات المتناحرة بشدة بعضها بعضا في طرابلس منذ يناير 2016. وأصبح جنوب ليبيا، الذي كان من أغنى المناطق، ساحة معركة بين الجانبين الشرقي والغربي والقبائل والإرهابيين، حيث قتل مؤيدو حفتر هناك في مايو 2017. وتزداد الأزمة تفاقما بسبب الجماعات المتشددة ذات الأيديولوجيات المختلفة التي تتناحر بشكل مستمر في غرب ليبيا، وتشمل فجر ليبيا، ومجلس شورى ثوار بنغازي، وأنصار الشريعة، وكتائب شهداء 17 فبراير، وقوة درع ليبيا، وحرس المرافق النفطية الليبية وغيرها، ومع ذلك، فإن الغرب والسعودية وقطر وتركيا تمتلك أدوات أقوى في زعزعة استقرار المنطقة، على سبيل المثال، داعش، وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي والإخوان المسلمين. يلعب حفتر دورا رئيسيا في مواجهة تنظيم داعش والقاعدة، حيث يتخذ تدابير القضاء عليهم في مدينتي سبها وسرت، وبعد أن خسر الإرهابيون معركتهم في سرت، تفرقوا إلى ثلاثة اتجاهات، الجنوب الغربي من سبها، وإلى الغرب من صبراتة وإلى الجنوب الشرقي بالقرب من الحدود السودانية، وتتمثل المشكلة الرئيسية في تحييد المجموعات الإرهابية ومنع وصول تعزيزات بمتطوعين من تونس والجزائر ومالي وتشاد ونيجيريا والإرهابيين الفارين من سوريا والعراق. وفي حين أن الوضع في الشرق استقر، فالمناطق الغربية أقل استقرارا وعرضة للتغييرات، ويرتبط ذلك في الغالب بغياب الإرادة السياسية للسراج والجيش الوطني، وإلى تنوع الجماعات السلفية المحافظة جدا في الغرب. ورغم أن هذه الفصائل المتعارضة موالية اسميا لرئيس الوزراء السراج، فقد أظهرت التجربة أنها ليست مرتبطة بأي زعيم سياسي، وأوضح مثال على ذلك، أن قوات هيثم تاجوري، التي ترأس أكبر ميليشيا طرابلس، والتي زعم أنها موالية لحكومة الإنقاذ الوطني، سمحت في نهاية أكتوبر 2016 لوحدات خليفة الغويل بالاستيلاء على عدد من الوزارات في طرابلس، وهناك أيضا مسألة شرعية دعم هذه التشكيلات الإرهابية أساسا من قبل فايز السراج, من المحتمل أن يستخدمها الأخير بمثابة قوة قادرة في المستقبل على مواجهة تزايد شعبية خليفة حفتر بين سكان ليبيا. يعتبر السراج الجنرال خليفة حفتر شخصية عسكرية وسياسية خطيرة على رقعة الشطرنج الليبية، فهو قادر على توحيد القبائل والعشائر تحت قيادته، مما يحد من تدفقات الهجرة غير الشرعية إلى دول الاتحاد الأوروبي، ويصفي المنظمات الإرهابية مثل داعش والإخوان، وبالتالي استعادة هيبة الدولة في البلاد. المقال من المصدر: اضغط هنا